في ظلّ استقطاب شديد في الآراء حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كشفت منظمات غير حكومية لوكالة فرانس برس عن مخاوف من "قمع" الأصوات المؤيّدة القضية الفلسطينية في أوروبا، إثر إلغاء فعاليات وملاحقات في حقّ مفكّرين ونشطاء.

وقالت جوليا هال الباحثة في "منظمة العفو الدولية" إن "القوانين حول خطاب الكراهية ومكافحة الإرهاب تُستغلّ لمهاجمة" الأصوات المؤيّدة الفلسطينيين.

وأشارت إلى أن أوروبا شهدت "سيلا من الإلغاءات وعمليات استهداف متظاهرين سلميين وأكاديميين وكلّ شخص هو في الأساس متضامن مع الحقوق الإنسانية للفلسطينيين أو ينتقد دولة إسرائيل".

وفي هذه الأجواء المحمومة، غالبا ما تُتّهم الأصوات المؤيّدة الفلسطينيين بالتساهل مع حماس وبمعاداة الصهيونية بشدّة أو حتّى بمعاداة السامية.

وأسهمت تصريحات خلال تظاهرات مؤيّدة الفلسطينيين ومواقف لليسار الراديكالي الذي وصف هجمات حماس بفعل "مقاومة" في تغذية هذه الاتّهامات.

"تدابير غير متكافئة"

والنقاش حاضر بقوّة في الولايات المتحدة حيث أوقف مئات الطلاب في الأحرام الجامعية التي اعتصموا فيها للاحتجاج على الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل والكارثة الإنسانية في غزة، وذلك في خضمّ السباق الانتخابي إلى البيت الأبيض.

وفي الاتّحاد الأوروبي، اتّخذت 12 دولة على الأقلّ "تدابير غير متكافئة، بما في ذلك حظر تظاهرات على أساس خطر ظاهر على الأمن العام والأمن"، وفق ما جاء في تقرير للمنتدى المدني الأوروبي (ECF) ومقرّه بروكسل.

ويعزى هذا "القمع للتضامن مع الفلسطينيين" إلى "الدعم الكبير" الذي توفّره أوروبا لإسرائيل والمرتبط بالمحرقة اليهودية، بحسب أرتي نارسي من المنتدى المدني الأوروبي.

وفي فرنسا التي تضمّ أكبر جالية لليهود وللمسلمين على السواء على صعيد أوروبا والتي تخشى ارتدادات الحرب عليها، كثّفت السلطات من تدابيرها، مع حظر تظاهرات مؤيّدة الفلسطينيين وإلغاء مؤتمرات وتوجيه الشرطة مذكّرة استدعاء في حقّ شخصيتين سياسيتين من اليسار الراديكالي على خلفية "تحميد الإرهاب".

وفي ألمانيا، حُظر قدوم وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس في منتصف نيسان/أبريل "بغية منع أيّ دعاية معادية للسامية ولإسرائيل"، بحسب السلطات الألمانية. وأوقفت الشرطة فعاليات "المؤتمر الفلسطيني" الذي كان من المفترض أن يشارك فيه، بعد ساعة على انطلاقه.

والوزير اليوناني كما الكاتبة الفرنسية آني إرنو الحائزة جائزة "نوبل" هما في مرمى الرئيس المحافظ للبرلمان النمساوي فولفغانغ زوبوتكا الذي يطالب بسحب الدعوة الموجّهة لهما إلى المهرجان الفني "أسابيع فيينا الاحتفالية".

ويرفض المدير الفني للمهرجان ميلو راو الإذعان لهذا الطلب، معتبرا أن نعت الكاتبة بـ"معادية للسامية" هو "عبثي بالدرجة عينها" مثل اعتبارها "معادية لفرنسا" لأنها تنتقد حكومة بلدها.

"مصالح الدولة العليا"

وفي تشرين الأول/أكتوبر، أوقفت إيريس هيفيتس المتخصصة في العلاج النفسي في برلين لحملها لافتة كتب عليها "بصفتي يهودية وإسرائيلية، أطلب منكم وقف الإبادة الجماعية في غزة". وأكّدت جمعية "يوديشي شتيمي" اليهودية التي تندّد بما تصفه بـ"التعاون الألماني" مع "النظام السياسي للفصل العنصري لدولة إسرائيل في الضفّة الغربية" أن حساباتها جمّدت.

وفي وقت كانت ألمانيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لتدفع عنها اتهامات نيكاراغوا لها بتسهيل "الإبادة الجماعية" في غزة، انتقدت صحيفة "تاتس" (اليسار) "الرقابة والعنف" إزاء المؤتمر الذي تمّ وقفه في برلين.

وذكّرت الصحيفة بأن "ألمانيا أعلنت أن تضامنها غير المقيّد مع إسرائيل هو من مقتضيات مصالح الدولة العليا".

وبين تشرين الأول/أكتوبر 2022 وتشرين الأول/أكتوبر 2023، أحصى المركز الأوروبي للدعم القانوني (ELSC) في هولندا 310 "أعمال قمعية" في حقّ تظاهرات أو شخصيات مؤيّدة للفلسطينيين، راوحت بين "إجراءات قضائية" و"مضايقات" و"إلغاء فعاليات".

وفي فرنسا، اعتمدت السلطات "نظاما إداريا قضائيا" يستهدف "الأشخاص الذين يعربون عن الدعم للفلسطينيين"، في حين أنه لا يطال هؤلاء "الداعمين إسرائيل"، بحسب المحامي أرييه حليمي العضو في رابطة حقوق الإنسان.

وهو وضع "مؤسف" في نظر المحامي الذي ألّف كتابا "يهوديا، فرنسيا، من اليسار ... في الفوضى"، إذ إن "النضال ضدّ العنصرية ومن أجل القضايا الإنسانية ينبغي أن يبقى دوما غير قابل للتجزئة".

أ ف ب