في وقت يعيش فيه الأردنيون أجواء شهر رمضان المبارك، من اجتماع للعائلة الواحدة على سفرة الإفطار وتلبية دعوات مقربين للولائم والسهرات الرمضانية وتأدية الفرائض الدينية، يفتقد يوسف هذه الطقوس بسبب ظروف عمل أُجبر عليها بسبب "الموسم الرمضاني".

ويعمل يوسف (اسم مستعار) ما لا يقل عن 12 ساعة يوميا في متجر حلويات، لا يستطيع فيه الحصول على عطل أسبوعية أو إجازات "حتى لو كانت اضطرارية" أو مغادرات عمل في وقت أقل، بسبب عقوبات تفرض على العاملين في المنشأة التي يعمل بها، بحسب قوله.

ويضيف يوسف لـ "المملكة"، أن طبيعة عمل المنشأة تجبر الموظف على البقاء في وقت الإفطار خلال شهر رمضان، مشيرا إلى أنه حضر وليمة الإفطار مع عائلته مرة واحدة فقط منذ بداية شهر رمضان.

وبين أنه تغيب عن محاضراته الصباحية مرات عديدة خلال الشهر الفضيل بسبب عدم تلقيه قسطا وافيا من الراحة وصعوبة الاستيقاظ باكرا، حيث إنه في سنته الجامعية الأولى.

المحامي محمد قطيشات أكد، لـ "المملكة"، أنه لا يجوز لصاحب المنشأة إجبار الموظفين على العمل أكثر من 48 ساعة أسبوعيا، وتتفق معه مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان ليندا كلش، أن القوانين والتشريعات تمنع العمل أكثر من هذه المدة أسبوعيا.

وقالت في حديثها لـ "المملكة"، إن القوانين والتشريعات تعزز الحقوق العمالية من عطل أسبوعية وإجازات سنوية ومرضية وغيرها، لكن بعض أصحاب العمل "ينتهكون هذه الحقوق"، مؤكدة أن العامل يستطيع تقديم شكاوى في هذا الشأن لوزارة العمل.

رئيس مركز بيت العمال، حمادة أبو نجمة أوضح أنه من الممكن توزيع الساعات الأسبوعية البالغة 48 إلى 8 ساعات يوميا موزعة على 6 أيام عمل، لافتا النظر إلى أن قانون العمل يسمح بتوزيع هذه الساعات بشكل لا يزيد فيها عدد ساعات العمل في اليوم الواحد 11 ساعة منها أوقات الراحة.

وأوضحت النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أنّ قطاع المطاعم السياحية والشعبية والحلويات، يشهد العديد من المخالفات العمالية تزامنا مع شهر رمضان المبارك، الأمر الذي يتكرر سنويا؛ سيما مع عمل القطاع بكامل طاقته خلال الشهر الفضيل.

وأضافت النقابة، وهي الجهة التي تمثل العاملين في القطاع، أنّ المخالفات العمالية التي تمس حقوق العاملين متنوعة ما بين الأجور، والالتزام بالحد الأدنى من الأجر، ساعات العمل، الاشتراك بالضمان الاجتماعي، متطلبات الصحة والسلامة المهنية ومدى توفرها ضمن بيئة العمل، وغيرها.

وعن ساعات العمل الإضافية، أشار أبو نجمة في حديثه لـ "المملكة"، إلى وجوب أخذ موافقة مسبقة من العامل لتشغيله ساعات إضافية شريطة أن يدفع له أجرا إضافيا عنها بما لا يقل عن 125% من أجره المعتاد.

أ- يجوز تشغيل العامل بموافقته أكثر من ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية على أن يتقاضى العامل عن ساعات العمل الإضافية أجرا لا يقل عن 125% عن أجره المعتاد. ب - إذا اشتغل العامل في يوم عطلته الأسبوعية أو أيام الأعياد الدينية أو العطل الرسمية، يتقاضى لقاء عمله عن ذلك اليوم أجرا إضافيا عن 150% من اجره المعتاد. المادة 59 من قانون العمل

رئيس الوزراء بشر الخصاونة قرر تحديد ساعات الدوام الرسمي خلال شهر رمضان المبارك، من الساعة العاشرة صباحا وحتى الثالثة بعد الظهر، فيما أعلنت وزارة العمل أن القرار "لا يشمل القطاع الخاص".

عقوبات حسم

يوسف، ذو الأعوام الثمانية عشر ويعيل مع أخيه عائلته المكونة من 4 أفراد، أكد أنه "لن يقدم أي شكوى ضد مكان عمله خوفا من فقدانه في ظل عدم إيجاد بديل"، تزامنا مع أرقام بطالة "مرتفعة" بين الشباب.

ووفقا لدائرة الإحصاءات العامة، ارتفع معدل البطالة بين الأردنيين خلال الخمسة أعوام الماضية قرابة الـ 4.2%، حيث وصل لنهاية عام 2018 إلى 18.7%، ووصل في نهاية العام الماضي إلى قرابة 22.9%.

وبين يوسف أن الموظف الذي يقدم على إجازة أو مغادرة من العمل "يتم الحسم من راتبه"، الذي لا يتجاوز الـ 400 دينار، حيث إن كل يوم عطلة يحسم مقابله 3 أيام من راتبه الشهري.

وأكد أن ساعات عمله خلال رمضان لم تقل عن 12 ساعة إلا في يوم واحد استطاع إنهاء عمله مبكرا، موضحا أن زملاء له حاولوا الحصول على عطل لكن جرى معاقبتهم بالحسومات، في وقت أوضح فيه المحامي قطيشات أن العامل يستطيع أن يقدم شكوى في وزارة العمل في هذا الشأن.

وذكرت النقابة العامة للعاملين، أنّ المخالفة الأكثر انتشارا في شهر رمضان هي عدم احتساب بدل عمل إضافي للعمال عند تكليفهم بمهام وواجبات وظيفية أكثر من ساعات العمل المقررة (8 ساعات) وفق ما نص عليه قانون العمل؛ الأمر الذي وصفه بـ "المخالفة القانونية والتجاوز على حقوق العمال".

وأوضحت وزارة العمل أن العمل الإضافي اختياري باتفاق الطرفين، لكن هناك حالات في القانون يكون العمل الإضافي إلزامي، وهي "عند القيام بأعمال الجرد السنوي والبيع بأسعار مخفضة أو من أجل تلافي وقوع خسارة أو أي مادة أخرى تتعرض للتلف".وقالت الوزارة في ردها على استفسارات "المملكة" إن العقوبات "لمن لا يصرف بدل العمل الإضافي أو الإجبار على العمل الإضافي تكون بموجب المادة 77 من قانون العمل".

أ- يعاقب صاحب العمل أو مدير المؤسسة في حالة ارتكابه أي مخالفة لأي حكم من أحكان هذا الفصل أو أي نظام أو قرار صادر بمقتضاه بغرام لا تقل عن 300 دينار ولا تزيد عن 500 دينار، ولا يجوز للمحكمة تخفيض العقوبة عن حدها الأدنى أو لأخذ بالأسباب المخففة التقديرية. ب - إضافة إلى أي عقوبة ورد النص عليها في التشريعات النافذة يعاقب صاحب العمل عن أي مخالفة يرتكبها باستخدام أي عامل بصورة جبرية أو تحت التهديد أو بالاحتيال أو بالإكراه بما في ذلك حجز وثيقة سفره بغرامة لا تقل عن 500 دينار ولا تزيد عن ألف دينار ويعاقب بالعقوبة ذاتها الشريك والمحرض والمتدخل في هذا الاستخدام. ج- تضاعف الغرامة المنصوص عليها في الفقرتين (أ و ب) من هذه المادة في حالة التكرار. المادة 77 من قانون العمل

وأضافت الوزارة أن عدد حالات الشكاوى التي وصلت إلى الوزارة بخصوص العمل الإضافي منذ بداية شهر رمضان الحالي وحتى الثالث عشر من الشهر ذاته بلغت 5 شكاوى.

أبو نجمة، بين أن قانون العمل يوجب على صاحب العمل الذي يشغل 10 عمال وأكثر، أن يضع نظاما داخليا لتنظيم العمل تصادق عليه وزارة العمل، يحدد فيه أوقات العمل وأمور أخرى تنظّم العمل في مؤسسته، وتنص على مواعيد عمل خاصة بشهر رمضان تتناسب مع ظروف العمال، مشيرا إلى أن هذا النظام يعتبر ملزما لصاحب العمل ويتوجب عليه.

وأضاف لـ "المملكة" أن بلاغ رئيس الوزراء الذي حدد فيه ساعات الدوام الرسمي للوزارات والمؤسسات العامة في رمضان لا يشمل القطاع الخاص، وليس في قانون العمل ما يتيح للحكومة شمول القطاع الخاص بمثل هذا البلاغ.

وقال رئيس النقابة خالد أبو مرجوب، إنّ ضغط العمل في الشهر الفضيل رتب أعباءً إضافية على العاملين في المطاعم، حيث تعمل قبل الإفطار وبعده، ومنها من يعمل حتى ساعات السحور المتأخرة، ولكن بدون احتساب بدل عمل إضافي للعمال، مشيرا إلى أنّ النقابة رصدت انتهاكات واسعة في القطاع تتعلق بهذا الأمر إلى جانب ما يتصل بظروف العمل وبيئته وسائر الحقوق العمالية.

ودعا أبو مرجوب، العاملين ممن يتعرضون لأي انتهاك يتعلق بحقوقهم الأساسية أو بشروط العمل وظروفه؛ إلى تسجيل شكاوى لدى وزارة العمل عبر القنوات التي توفرها، ومن خلال منصة حماية.

موسم رمضاني

قال نقيب أصحاب المطاعم والحلويات عمر عواد، إن قرابة 350 ألف شخص يعملون في قطاع المطاعم والحلويات.

ويوضح عواد في حديثه لـ "المملكة"، أن شهر رمضان هو موسم لمتاجر الحلويات، حيث تكون المبيعات جيدة فيه، مشيرا إلى أن أصحاب متاجر حلويات يضطرون في بعض الأحيان في الأيام العادية إلى الاستدانة من أجل إبقاء المتاجر تعمل.

ودعا العاملين في القطاع إلى مساندة أصحاب العمل في مثل هذه المواسم، مطالبا في الوقت ذاته المنشآت بعدم مخالفة قانون العمل وإعطاء الأجر الإضافي عن ساعات الدوام الإضافية حسب القوانين.

وأوضح رئيس مركز بيت العمال، أن عدة قطاعات تكثر فيها مخالفات العمل الإجباري، وتكررها سنويا بدعوى أن مواسم رمضان والأعياد من أهم المواسم السنوية لها، ويعمد أصحاب العمل خلالها إلى استخدام العمال لساعات طويلة بدلا من استخدام عمالة إضافية تغطي حاجتهم عن فترات العمل الإضافية.

وذكر أبو نجمة هذه القطاعات، وتشمل متاجر بيع الملابس والأحذية، والعاملة في قطاع المطاعم والمقاهي، مشيرا إلى أن من الحالات التي جرى رصدها في هذا الشأن حالات تشغيل تصل أحيانا إلى 24 ساعة قبل فترة الأعياد وخلالها.

وأضاف "في بعض الحالات لا يسمح للعامل بالاستفادة من عطلة العيد إلا ليوم واحد كحد أقصى، حيث توجد كثير من الحالات التي لا يتم فيها مقاضاة العامل أجورا إضافية أو تدفع له أجورا إضافية تقل عما يستحقه من الناحية القانونية".

ولفت النظر إلى أنه من واجب صاحب العمل ومسؤوليته القانونية أن يمكّن العاملين من ممارسة شعائر رمضان، وما يتطلب ذلك من تعديل على مواعيد الدوام، وبما يمنحهم الوقت الكافي للوصول إلى العمل والعودة منه، والتمتع بالقسط الوافي من الراحة، والتحضر لمواعيد السحور والإفطار، وأداء الصلوات وقيام الليل، ومراعاة عدم تعرضهم للإجهاد.

-"اتجار بالبشر"-

يقول يوسف إن الطعام المقدم من قبل المنشأة خلال وجبة الإفطار "غير جيد"، مشيرا إلى اعتراض العمال عليه أكثر من مرة "لكن لم يتم تغير المطعم الذي يقدم الوجبات".

وأضاف أنه "يفتقد إلى طعام والدته التي تعد أصنافا عديدة من الطعام على وجبة الإفطار، فيما أوضحت كلش أنه "إذا كان عقد العمل ينص على تناول العامل الطعام في مكان عمله أو بمكان آخر، ينبغي أن يكون الطعام جيدا".

ورأت مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، أن المؤشرات الموجودة في حالة يوسف "قد تصل إلى العمل الجبري"، والذي قد يرتقي إلى حالة الاتجار بالبشر إذا توفرت فيه العناصر.

وأكدت أنه "ينبغي أن يتوفر في الاتجار بالبشر 3 عناصر حتى ترتقي الحالة إلى هذ المفهوم، وهي الاستقطاب أو التجنيد أو النقل أو التنقيل أو الإيواء للشخص باستخدام وسيلة ضغط عليهم أو المكر أو الخداع بشروط عقد العمل بهدف استغلال بمنفعة للشخص المستغل عن طريق بالعمل أو الجنس أو عمالة الأطفال أو نقل الأعضاء".

وطالب أبو مرجوب، وزارة العمل بتعزيز الرقابة وتكثيف حملات التفتيش على المطاعم، وضبط المخالفات التي تمثل تعديًا على حقوق العمال التي كفلها القانون، مشدّدا على ضرورة أنّ يحترم أصحاب العمل في قطاع المطاعم السياحية والشعبية؛ حقوقَ العاملين لديهم وعدم المساس بها، والالتزام بساعات العمل المقررة مع مراعاة دوام الشهر الفضيل وطبيعة العمل فيه، ومؤكدا أنّ استدامة العمل وتقديم الخدمة يجب ألا يكون على حساب حقوق العمال.

الإجازات والمغادرات

وأكدت وزارة العمل أن الإجازات حق للعامل وليس لصاحب العمل، لكن إذا حدد صاحب العمل الإجازات منذ بداية العام، وكيفية استعمالها، بحسب مقتضيات العمل، ينبغي أن يرعي في ذلك مصلحة العامل، بموجب المادة 61 الفقرة د من قانون العمل.
وأضافت أنه إذا لم يحدد صاحب العمل ما ذكر آنفا "فلا يجوز أن يرفض الإجازة، وفي حال رفضت، يتقدم العامل بشكوى لدى وزارة العمل".
وأوضح أبو نجمة أن صاحب العمل يملك صلاحية تنظيم أوقات العمل في مؤسسته وأوقات الراحة، والإجازات ومنها المغادرات، من خلال النظام الداخلي لتنظيم العمل الذي يشترط أن تصادق عليه وزارة العمل.

وأضاف "يتضمن ذلك تحديد واضح لساعات العمل وأوقات الراحة والإجازات والمغادرات، وبالتالي فلا يجوز له مخالفة هذه القواعد ومنع العامل من الحصول على إجازاته، والمغادرات تعتبر جزءا من الإجازات وتخصم منها".

لصاحب العمل أن يحدد خلال الشهر الأول من السنة تاريخ الاجازة السنوية لكل عامل وكيفية استعمالها للعمل في مؤسسته وذلك حسب مقتضيات العمل فيها على أن يراعي في ذلك مصلحة العامل.الفقرة د من المادة 61 لقانون العمل

غيابات جامعية

يقول يوسف إن طبيعة عمله تؤخره في بعض الأحيان عن الذهاب إلى الجامعة، التي تبدأ عند الساعة الثامنة صباحا يوم الاثنين والأربعاء، بسبب إنهاء عمله عند الساعة الثانية ليلا.

وأوضح أنه تغيب عن جامعته 4 أيام عن المحاضرات الوجاهية، إضافة إلى 6 غيابات في محاضرات عن بعد، مبينا أن جميعها تبدأ عند الساعة الثامنة صباحا.

ولفت إلى أن وسيلة النقل المخصصة من قبل المنشأة لا توصله إلى مكان سكنة في طبربور، وفي بعض الأحيان يصل إلى منزله بعد آذان الفجر.

وأوضح أنه لا ينال قسطا وافيا من النوم خصوصا في الأيام التي يكون فيها دوام جامعي، مشيرا إلى أن المحاضرين لا يراعون ظروف عمله.

المملكة