ما زال الاحتلال الإسرائيلي مستمر في العبث بالقضية الفلسطينية في سبيل زعزعة وانهيار السلام من خلال توسيع عدوانه على الفلسطينيين؛ وخاصة مساعيه في تهجيرهم.
سلطات الاحتلال الإسرائيلية وضعت هدفا استراتيجيا حاليا يشمل الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، بعد حرب الإبادة المستمرة منذ قرابة 11 شهرا على قطاع غزة.
وتعيش الضفة الغربية منذ سنوات على وقع اقتحامات واعتقالات واعتداءات متكررة من قبل المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين، حتى وصلت إلى بدء "عملية عسكرية" واسعة النطاق منذ 28 آب/أغسطس 2024 شمالي الضفة (جنين وطولكرم)؛ مما جعل الضفة الغربية أمام مرحلة غليان جديدة.
وتبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194 (الدورة الثالثة) الذي تقرر فيه "وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقاً لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة".
خريطة ومفتاح
في قلب مخيم الطالبية جنوب عمّان، يحتفظ محمد خليل أبو رائد، البالغ من العمر 82 عاما، بمفاتيح منزله في بلدة تل الصافي، التي هُجر منها عام 1948. هذه المفاتيح، المعلقة بجوار خريطة فلسطين في غرفة ضيوفه، ترمز إلى أمل لا ينطفئ في العودة إلى الديار.
أبو رائد، الذي عاش هجرتين: الأولى من تل الصافي إلى عقبة جبر في أريحا، والثانية من أريحا إلى الأردن عام 1967، يؤكد أن التهجير لم يكن خيارًا، بل فُرض عليهم قسرا، قائلًا: "لم أتركها طوعًا ولن أنسى، لا أنا ولا أولادي ولا حتى أحفادي".
عوني العزة، البالغ من العمر 69 عامًا، يشارك أبو رائد نفس الحنين والتمسك بحق العودة. بعد تهجيره من فلسطين عام 1967، استقر في مخيم الطالبية لمدة 25 عاما قبل أن ينتقل إلى منطقة اليادودة. ورغم مرور العقود، يؤكد العزة أن المخيم كان محطة انتظار، وليس بديلًا دائمًا عن الوطن. يقول: "نعيش هنا، ندرس ونعمل ونحب الأردن، لكنه ليس بديلًا عن الوطن (فلسطين)".
كلا الرجلين يرفضان فكرة التوطين أو التنازل عن الهوية، ويصرّان على أن حق العودة مقدس وغير قابل للتفاوض. ويعملان على نقل هذا الإيمان العميق إلى أبنائهما وأحفادهما، ليبقى الحلم حيا في نفوس الأجيال المقبلة.
محمد خليل (يمين) يتحدث مع عوني العزة (يسار) عن ذكريات الطفولة.
ينتظر العودة
أبو رائد يقول إن بطش واستقواء اليهود على المدنيين جعله وعائلته يستقرون في الأردن، حيث أُبلغ أن يغادر منزله ويعود له بعد أسبوعين، وكان التاريخ 5 أيار 1948، لكنه ما زال ينتظر العودة حتى الآن.
وخلال حديث "المملكة" معه، قال: "هُجّرنا من بلدنا إلى عمّان، ظنا من الجميع أن الغياب مؤقت، وسيعودون خلال أيام تاركين خلفهم بيوتهم ومصادر رزقهم"، قائلًا: "لم أتركها طوعا ولن أنسى، لا أنا ولا أولادي ولا حتى أحفادي".
ورغم مرور العقود، لم يفقد أبو رائد إيمانه بالعودة، ويرفض كل محاولات التهجير والتوطين.
وعلّم أولاده أن فلسطين ليست ذكرى بل قضية، وطالب بنقل المعلومات والأحداث إلى الأحفاد كما نقلها هو، حتى تستمر القضية من جيل لآخر ونبقى رافضين للتهجير والتوطين.
حق مقدس
"حق العودة مقدس غير قابل للنقاش، والتفريط به هو انتقاص من الكرامة والحقوق"، هكذا بدأ عوني العزة (69 عاما) عندما بدأنا معه الحديث عن مساعي إسرائيل لتفريغ فلسطين من أصحابها.
يقول العزة إن "التهجير خدعة"، كما خُدع من قبلهم لاجئو عام 1948، وأن الخروج مؤقت "أيام أو أسابيع" كما قيل لهم، ثم العودة، وهو ما لم يحدث.
العزة وصل إلى الأردن برفقة عائلته (والده ووالدته وإخوانه وأخواته)، وبدأ وإخوانه الدراسة في مدارس وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ثم في مدارس الحكومة، ومن ثم الكليات والمعاهد، لينتقلوا بعدها للعمل، لتبدأ مرحلة جديدة من حياتهم بعيدًا عن وطنهم الأم.
وتزوج العزة في الأردن ورُزق بـ5 أبناء و7 أحفاد، قائلًا: "نعيش هنا، ندرس ونعمل ونحب الأردن، لكنه ليس بديلًا عن الوطن (فلسطين)".
ويرفض العزة فكرة التوطين أو التنازل عن الهوية، ويصرّ على أن المخيم الذي عاش فيه ما يقارب 25 عامًا محطة انتظار، لا بديل دائم، "ما زال اليقين ثابتًا أن هنالك جيلًا سيعود".
خارطة دولة فلسطين في منزل عوني العزة
سياسيون أردنيون وفلسطينيون، قالوا لـ "المملكة"، إنّ حكومة اليمين المتطرفة تريد أن تبقى الحرب في فلسطين مفتوحة، وأسلوب الاحتلال في قطاع غزة بدأ في مناطق مختلفة في الضفة الغربية المحتلة.
وأشاروا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يوسع أعمال الاستيطان ويسعى لتهجير الفلسطينيين لتفريغ الأرض من أصحابها.
وأكّدوا أن الأردن يقف بوضوح أمام مخططات تهجير الفلسطينيين من أرضهم؛ لأنه يعتبر ذلك خطا أحمر، وبمثابة "إعلان حرب".
الدبلوماسية الأردنية
ويسير ويدافع الأردن (الرسمي والشعبي) عن فلسطين لمركزية القضية، وموقعها الجغرافي، ووصايته على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وإدراكه أن الاحتلال يسعى إلى السيطرة على عموم الأراضي الفلسطينية.
الأردن ومن خلال لقاءات وجولات جلالة الملك عبدالله الثاني يؤكد دائما على ضرورة وقف الحرب والتوصل لاتفاق ينهي معاناة الشعب الفلسطيني؛ ومنها انطلقت الدبلوماسية الأردنية باتجاه العالم لكشف الحقائق التي يزيفها الاحتلال من خلال أعضاء حكومته المتطرفة.
وبدأ الأردن بإجراءات الدبلوماسية ضد ما يقوم به الاحتلال من عدوان واسع بدأه على قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2024 عند استدعاء السفير الأردني في إسرائيل إلى المملكة فورا؛ وإبلاغ وزارة الخارجية الإسرائيلية بعدم إعادة سفيرها الذي كان غادر المملكة سابقا.
وأكّد الأردن، أن اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية "ستكون وثيقة على رف يغطيه الغبار" في خضم ما ترتكبه إسرائيل من جرائم.
استراتيجية الاحتلال
قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف، إنّ استراتيجية حكومة الاحتلال الإسرائيلي المتطرفة هي تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وتصفية القضية الفلسطينية، وشطب التمثيل الفلسطيني من إطار منظمة التحرير.
وبين أبو يوسف في حديثه لـ "المملكة"، أن الاحتلال الإسرائيلي بدأ يكرر نفس الأسلوب في قطاع غزة مع مناطق مختلفة في الضفة الغربية المحتلة من منع وصول مواد غذائية، وقطع المياه، وإيقاف الخدمات، وطلب إخلاء منازل.
ورجح أن يرفع تسارع وتيرة الأحداث في الضفة الغربية من انتهاكات واقتحامات واغتيالات الأحداث للوصول إلى "انتفاضه جديدة"؛ ولكن الأمر متعلق بتطور الأحداث.
وأشار إلى أن البرنامج الرئيسي للاحتلال الإسرائيلي هو "وئد المقاومة" في كل مكان في العالم، مبينا أن حكومة اليمين المتطرفة تريد أن تبقى الحرب مفتوحة من جميع الجوانب لاستمرارها.
وأكّد أن الوقت يسمح للاحتلال بالتهجير والإبادة الجماعية والتجويع والانتهاكات؛ لأن المجتمع الدولي عاجز عن إيقاف الحرب وتحقيق مطالب وحقوق الشعب الفلسطيني، ومعاقبة الإسرائيليين.
الحكومة المتطرفة تطبق بما يسمى بـ "خطة الحفن" وهي (قتل وسجن، أو التهجير، أو أن يعمل الجميع تحت سيطرتهم). عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف
ودعا المجتمع الدولي، ومحكمة العدل الدولي، ومجلس الأمن الدولي تحمل مسؤولياتهم وتوفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطيني ووقف الانتهاكات الإسرائيلية ومحاسبة مرتكبيها وضمان عدم إفلاتهم من العقاب والعمل على نحو جاد لتلبية حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في تجسيد الدولة المستقلة.
وأكّد المسؤول الفلسطيني، أن موقف الأردن الأكثر وضوحا ودعما للفلسطينيين في الوصول إلى إيقاف العدوان، والرافض للتهجير لأي دولة، قائلا: "موقف الأردن سيمنع ذلك".
وأشار إلى أن القدس حاليا على "صفيح ساخن"، مع زيادة الانتهاكات والاقتحامات بقيادة وزراء متطرفين بالحكومة اليمينية، وأداء جولات استفزازية وطقوس تلمودية في باحات المسجد الأقصى، وتوسع استيطاني.
توسيع الحرب
العين محمد المومني، قال خلال حديثه لـ "المملكة"، إنّ الحكومة اليمينية الإسرائيلية لن تألوا جهدا في محاولة توسيع نطاق الحرب سواء كان في الضفة الغربية أو للإقليم، لأنه يزيد من الدعم السياسي لها داخليا، ويقوي من ائتلافها الحاكم.
وأضاف المومني أن ما يحدث في الضفة الغربية يدل على أن هناك قرارا إسرائيليا باستغلال اللحظة الراهنة من أجل ارتكاب مزيد من الجرائم والعنف ضد المدنيين وهذا من شأنه أن يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار، وقد يؤدي إلى "نزوح داخلي" فلسطيني.
ورجح إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يستمر في محاولاته من أجل أن يكون هناك إجهاز على المؤسسية الفلسطينية في الضفة الغربية.
الوزير الفلسطيني السابق علي جرباوي، قال إنّ حكومة الاحتلال المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو تعمل على إنهاء الوضع الحالي للضفة الغربية من خلال توسيع الاستيطان والاستيلاء على مساحة أكبر من الأرض، وحصر الفلسطينيين في مواقع محددة، وإنهاء القضية الفلسطينية.
المشروع الإسرائيلي يهدف إلى تفريغ الأرض، الذي لن يرضى الفلسطينيون عنهالوزير الفلسطيني السابق علي جرباوي
ويرفض الأردن في جميع المحافل المحلية والدولية التهجير، لكن الخوف من "الهجرة الطوعية" بسبب البيئة غير القابلة للحياة وهذا ما يعمل عليه الاحتلال في غزة وبعض مناطق الضفة.
وقال العين محمد داودية، إنّ دائرة العدوان على الشعب الفلسطيني لن تتوقف منذ نحو 8 قرون، فالاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس سنة 1967، هو عدوان.
وأضاف داودية خلال حديثه لـ "المملكة" أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وللقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية يتم بالعدوان والقوة والتنكيل، وهو العدوان المرتفع الوتيرة الذي يقع اليوم على الفلسطينيين في الضفة الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة المنكوب.
وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جرائمه وعدوانه، على أهالي الضفة الغربية المحتلة، وإن كانت بوتيرة أقل من وتيرة عدوانه على قطاع غزة، رغم عدم توفر الذرائع والمبررات.
العداون الإسرائيلي على الفلسطينيين في الضفة الغربية تلبية لضغط "قوى التطرف والتوسع الديني الإسرائيلي"، التي تسيطر على إسرائيل اليوم، من أجل التوسع ببناء المستوطناتالعين محمد داوية
فقد أعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إصدار أكثر من 18 ألف رخصة بناء هذا العام في الضفة الغربية المحتلة.
وأكّد داودية، أن الأردن منذ بدء العدوان على قطاع غزة وقف بوضوح ضد مخطط تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة.
المملكة