عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا الأحد، لمناقشة الهجمات الأميركية على المواقع النووية الإيرانية، وذلك في الوقت الذي اقترحت فيه روسيا والصين وباكستان أن يعتمد المجلس قرارا يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في الشرق الأوسط.
ولم يتضح بعد موعد طرح مشروع القرار للتصويت. وقال دبلوماسيون إن الدول الثلاث وزعت مسودة القرار وطلبت من الدول الأعضاء إبداء رأيها بحلول مساء الاثنين. ويحتاج القرار من أجل إقراره إلى تأييد 9 أعضاء على الأقل دون استخدام الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا أو روسيا أو الصين حق النقض (الفيتو).
ومن المرجح أن تعترض الولايات المتحدة على مشروع القرار، والذي يندد بالهجمات على المواقع والمنشآت النووية الإيرانية. ولم يشر مشروع القرار إلى الولايات المتحدة أو إسرائيل بالاسم.
ويترقب العالم رد إيران بعد أن قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة "محت" المواقع النووية الإيرانية الرئيسة، لتنضم بذلك إلى إسرائيل في أكبر عمل عسكري غربي يستهدف إيران منذ 1979.
وطلبت إيران عقد الاجتماع، داعية المجلس المكون من 15 عضوا إلى "التصدي لهذا العمل العدواني الصارخ وغير القانوني، واستنكاره بأشد العبارات الممكنة".
الأمم المتحدة
أكّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن شعوب المنطقة ليس بوسعها تحمّل دوامة أخرى من الدمار، ومع ذلك، قال "إننا نخاطر الآن بالانزلاق إلى دوامة من الانتقام المتبادل".
وقال غوتيريش في مستهل الجلسة إنه، ومنذ بداية الأزمة، أدان مرارا وتكرارا أي تصعيد عسكري في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن دعوته أمام مجلس الأمن قبل يومين فقط لإعطاء السلام فرصة "لم تلق استجابة"، مؤكدا أن القصف الأميركي للمنشآت النووية الإيرانية "يمثل منعطفا خطيرا في منطقة تعاني أصلا".
ودعا إلى ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية لوقف القتال والعودة إلى "مفاوضات جادة ومستدامة بشأن البرنامج النووي الإيراني". وأكد الحاجة إلى حل موثوق وشامل وقابل للتحقق، من شأنه استعادة الثقة، بما في ذلك إتاحة الوصول الكامل لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأضاف: "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية حجر الزاوية في السلام والأمن الدوليين. ويجب على إيران احترامها بالكامل".
وتابع أنه يجب على جميع الدول الأعضاء التصرف وفقا لالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي الأخرى، مضيفا أن السلام "لا يمكن فرضه - بل يجب اختياره".
وأضاف: "نواجه خيارا صعبا. أحد المسارين يؤدي إلى حرب أوسع نطاقا، ومعاناة إنسانية أعمق، وإلحاق ضرر جسيم بالنظام الدولي. أما المسار الآخر فيؤدي إلى خفض التصعيد والدبلوماسية والحوار. نحن نعرف أي المسارين هو الصحيح".
ودعا غوتيريش المجلس وأعضاءه إلى التصرف بعقلانية وضبط النفس والإلحاح، واختتم كلمته قائلا: "لا يمكننا - ويجب ألا - نتخلى عن السلام".
الطاقة الذرية
قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل ماريانو غروسي إنّ نظام منع الانتشار النووي - الذي شكّل أساس الأمن الدولي لأكثر من نصف قرن - "على المحك".
وأضاف غروسي، أن هناك فرصة سانحة للدبلوماسية، محذرا من أنه في حال إغلاق هذه النافذة، "قد يصل العنف والدمار إلى مستويات لا تُصدّق". وأكد أن أي اتفاق سيتم التوصل إليه سيشترط إثبات الحقائق على الأرض، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من خلال عمليات تفتيش الوكالة.
وأشار إلى أن مفتشي الوكالة موجودون في إيران، ويتطلبون وقف الأعمال العدائية "حتى تتمكن إيران من السماح للفرق بالدخول المواقع في ظل ظروف السلامة والأمن اللازمة". وأكد إنه يمكن لإيران اتخاذ تدابير خاصة لحماية موادها ومعداتها النووية وفقا لالتزاماتها مع الوكالة.
وتعليقا على الوضع على الأرض، قال غروسي إنّ الحفر مرئية في موقع فوردو، وهو الموقع الرئيسي الذي تخصب فيه إيران اليورانيوم بنسبة 60%. وأضاف: "في الوقت الحالي، لا أحد، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في وضع يسمح له بتقييم الأضرار تحت الأرض في فوردو".
وبين أن إيران أبلغت الوكالة بعدم وجود زيادة في مستويات الإشعاع خارج المواقع الثلاثة التي تعرضت للقصف. وأضاف أن الوكالة تواصل مراقبة الوضع وتشجع الجهة التنظيمية الإيرانية على الحفاظ على اتصالها "الذي لا غنى عنه" مع مركز الحوادث والطوارئ التابع للوكالة.
وأكد غروسي، أنه لا ينبغي أبدا وقوع هجمات مسلحة على المنشآت النووية، والتي قد تؤدي إلى انبعاثات إشعاعية ذات عواقب وخيمة "داخل حدود الدولة التي تعرضت للهجوم وخارجها".
لا حل عسكريا
قال ميروسلاف يانتشا مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لأوروبا وآسيا الوسطى والأميركيتين إنّ الأحداث الأخيرة يجب أن يُنظر إليها بأقصى درجات الجدية، وهي تمثل "تصعيدا خطيرا في صراعٍ دمر بالفعل العديد من الأرواح" في كل من إسرائيل وإيران.
ووفقا لوزارة الصحة الإيرانية، قُتل 430 شخصا وجرح أكثر من 3,500 آخرين من جراء الضربات الإسرائيلية بحلول السبت، معظمهم من المدنيين، في جميع أنحاء إيران. فيما أشارت إسرائيل إلى مقتل 25 إسرائيليا وإصابة 1300 آخرين منذ بدء الاشتباكات مع إيران.
وحذر يانتشا من أن الصراع "يخاطر بإغراق المنطقة في مزيد من عدم الاستقرار والتقلب"، حيث عبر البرلمان الإيراني عن دعمه لإغلاق مضيق هرمز.
وقال: "لا يمكن للشرق الأوسط أن يتحمل صراعا عنيفا آخر يدفع فيه المدنيون ثمن المواجهات العسكرية، ولن ينجو العالم أيضا من تداعيات هذا الصراع الخطير".
ودعا جميع الدول إلى الوفاء بالتزاماتها بتسوية نزاعاتها الدولية بالوسائل السلمية، والوفاء بالتزاماتها النووية. وأضاف: "لا حل عسكريا لهذا الصراع. نحن بحاجة إلى الدبلوماسية، وتهدئة التصعيد، وبناء الثقة الآن".
وقال إن الوكالة يمكنها نشر خبراء في السلامة والأمن النوويين إلى إيران على الفور بدعم من مجلس الأمن، بالإضافة إلى مفتشي الضمانات الموجودين بالفعل على الأرض، مضيفا أنها مستعدة للقيام بدورها لإنهاء هذه المواجهة العسكرية.
الولايات المتحدة
قالت القائمة بأعمال المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، دوروثي شيا، إنّ الضربات العسكرية الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية هدفت إلى تفكيك قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم ووقف "التهديد النووي".
وأضافت شيا، أن العملية "سعت إلى القضاء على مصدر قديم ولكن متصاعد بسرعة لانعدام الأمن العالمي، ومساعدة حليفتنا إسرائيل في حقنا الطبيعي في الدفاع عن النفس الجماعي بما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة".
وأشارت إلى أن الحكومة الإيرانية، وعلى مدى 40 عاما نادت بـ "الموت لأميركا" و"الموت لإسرائيل" وشكلت تهديدا مستمرا لسلام وأمن جيرانها والولايات المتحدة والعالم بأسره.
وتابعت أن إيران هاجمت إسرائيل بمئات الصواريخ البالستية وعبر وكلاء (...)، لافتة إلى أن إيران، ولعقود، كانت مسؤولة عن المعاناة والوفيات التي لا تحصى في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وقالت أيضا إن الحكومة الإيرانية ووكلاءها قتلوا العديد من الأميركيين، بمن فيهم أفراد الخدمة الأميركية في العراق وأفغانستان. وفي الأسابيع الأخيرة، حسبما قالت، كثف المسؤولون الإيرانيون من تهديداتهم وعدوانهم اللفظي.
وتابعت قائلة: "لقد عملت إيران منذ فترة طويلة على إخفاء برنامجها النووي وعرقلت الجهود المبذولة بحسن نية في المفاوضات الأخيرة".
إيران
وصف مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه "مجرم حرب مطلوب دوليا "، مشيرا إلى نتنياهو "نجح في اختطاف السياسة الخارجية الأميركية، وجرها إلى حرب أخرى باهظة التكلفة لا أساس لها".
وأشار إلى أن "الولايات المتحدة - الدولة الوحيدة التي استخدمت الأسلحة النووية على الإطلاق - لجأت إلى استخدام القوة غير المشروعة ضد بلاده بذريعة ملفقة وعبثية: منع إيران من امتلاك أسلحة نووية. يا لها من مفارقة مريرة ومأساوية".
وقال إيرواني، إنّ الهجمات الإسرائيلية والأميركية على بلاده "لم تحدث من فراغ"، بل هي نتيجة مباشرة "للأفعال غير القانونية وذات الدوافع السياسية التي اتخذتها الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون - المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا - بالإضافة إلى السلوك المتحيز للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية"، حسبما قال.
وأشار إلى أن العرض الدبلوماسي الذي انخرطت فيه بلاده "لم يكن سوى خدعة لتضليل المجتمع الدولي". وأضاف أنه "تم التلاعب" بمعاهدة حظر الانتشار النووي وتحويلها إلى سلاح سياسي، "واستغلالها كذريعة للعدوان والأعمال غير القانونية التي تعرض المصالح العليا لبلدي للخطر".
وقال إيرفاني إن العار المتمثل في "السلوك الانتقائي والمعايير المزدوجة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن" سيشوه إلى الأبد مصداقية هذه الهيئات الدولية، مضيفا: "مع هذا التحيز الصارخ، لا يوجد ما يضمن أن الأعضاء الآخرين في معاهدة حظر الانتشار النووي لن يواجهوا عدوانا مماثلا".
وأشار إلى أنه إذا فشل المجلس في التصرف وإدانة "العدوان الصارخ" على بلاده، فإن "وصمة التواطؤ ستبقى إلى الأبد على ضميره، مثلما هو الحال مع غزة"، على حد تعبيره.
المملكة + أ ف ب + رويترز