قال سكان فلسطينيون إن الأوضاع المزرية في المخيمات الساحلية المكتظة بالنازحين الفلسطينيين في قطاع غزة دفعت بعض ممن نزحوا خلال الأيام القليلة الماضية من مدينة غزة بسبب الهجوم الإسرائيلي الجديد عليها إلى العودة إلى المدينة التي تكابد المجاعة وتتعرض للقصف.
وقالت منظمات إغاثة إن النازحين يبحثون بشكل رئيسي عن مأوى إما في المنطقة الساحلية إلى الغرب مباشرة من مدينة غزة أو في مخيم المواصي المترامي الأطراف على طول الشواطئ والأراضي الزراعية في جنوب القطاع، والذي أعلنته إسرائيل منطقة إنسانية.
وتحدثت رويترز مع أكثر من عشرة فلسطينيين خاضوا رحلة شاقة، ومع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) وحكومة غزة لإعداد هذا التقرير، وقالوا جميعا إن الكثير من النازحين يصلون لمناطق النزوح ليكتشفوا أنه لا يوجد مكان يأويهم إضافة إلى شح الخيام وإمدادات المياه ونقص الرعاية الصحية.
وقال محمد الشريف (35 عاما)، الذي غادر حي الصبرة بمدينة غزة مع عائلته وشقيقيه يوم الاثنين بعد أن ألقت طائرات إسرائيلية منشورات على الحي تطلب من جميع المدنيين الإخلاء "إلي يومين في الشمس بدور عمكان مش لاقي انجبرت الحين أخد أغراضي وأرجع لغزة لان ما إلى مكان ولا إلي مأوى".
ومع تدمير العديد من المركبات ونقص البنزين، أصبح التنقل داخل قطاع غزة بطيئا ومكلفا. وقال الشريف إن عائلته حملت جميع أمتعتها على عربة يجرها حمار وتوجهت إلى المواصي، حيث صورتهم رويترز وهم يتجولون بصعوبة عبر مخيمات مكتظة، لكن لم تكن لديهم خيمة ولم يجدوا مكانا للإقامة.
وأضاف "مش لحالي أنا وأخويا وأهلي، إحنا تلت عيل مش عارفين وين نروح، مش حالنا هادا حال الناس كلها، الناس بتيجي بتلاقيش مأوى ولا مكان، بتسحب حالها وترجع على الخطر، فا مش عارفين إيش نعملوا".
وأظهرت صور أقمار صناعية راجعتها رويترز مساحات شاسعة من مخيم المواصي مليئة بالخيام حتى قبل وصول النازحين الحاليين، على الرغم من بقاء بعض الحقول الظاهرة.
ولم يعد وجود تقريبا للأراضي الزراعية في غزة، حيث تشير وكالات الإغاثة إلى أن نقص المساحة اللازمة لزراعة الغذاء أحد أهم الأسباب لانتشار سوء التغذية.
وأظهرت صور أخرى زيادة في المساحة التي تغطيها الخيام في الفترة من 20 أغسطس آب إلى العاشر من سبتمبر أيلول على طول الساحل في المواصي وفي مخيم الشاطئ قرب مدينة غزة.
وقال مسعفون والسلطات الصحية المحلية إن القوات الإسرائيلية استهدفت 34 شخصا في جميع أنحاء القطاع الخميس، بما في ذلك 22 في مدينة غزة و12 في وسط وجنوب القطاع. وذكر مسؤولون فلسطينيون أن سبعة من هؤلاء استشهدوا جراء استهدافهم أثناء محاولاتهم للحصول على طعام.
وفي آب، ذكر مرصد عالمي للجوع أن مدينة غزة تعاني من المجاعة.
وعلى الرغم من إنذارات إسرائيل للسكان للإخلاء، تقدر حكومة غزة أن 1.3 مليون من إجمالي سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة تقريبا لا يزالون في مدينة غزة وفي شمال القطاع.
وتتسارع وتيرة النزوح. فقد سجلت المجموعة الدولية لتنسيق وإدارة المخيمات، وهي مجموعة عمل مشتركة بين الوكالات تضم هيئات الأمم المتحدة ومنظمات إغاثية أخرى، نزوح 20 ألف شخص من مدينة غزة في الفترة من 31 آب إلى السابع من أيلول. وسجلت المجموعة نزوح 25 ألف شخص آخرين من المدينة، معظمهم إلى الجنوب، في الفترة من السابع من أيلول إلى العاشر من أيلول.
ورفض فريق الأمم المتحدة الإنساني في غزة، وهو تجمع لوكالات الأمم المتحدة العاملة في غزة، وصف إسرائيل للمواصي بأنها منطقة إنسانية.
وقال الفريق في بيان الأربعاء "لم تتخذ إسرائيل خطوات فعالة لضمان سلامة من نزحوا إلى هناك، ولا يكفي حجم الخدمات المقدمة ولا نطاقها لدعم الموجودين هناك بالفعل، ناهيك عن الوافدين الجدد".
ونفذت إسرائيل غارات داخل مناطق أعلنتها مناطق آمنة أو إنسانية على مدى فترة الحرب.
* لا أرض.. لا خيمة
يقول الناس الموجودون بالفعل في المواصي إن الازدحام شديد بالفعل لدرجة أنه مع وصول المزيد من الناس يخشون من حدوث صراعات مع المتواجدين.
وقال أبو فادي أبو عودة وهو يجلس في خيمة بالمواصي "هدول الناس اللي نزحوا كمان جديد علينا في المناطق اللي احنا نزحين فيها فيش مكان لهم يسكنهم يعني الناس صارت تتقاتل مع بعض على أساس أنه مش معروف وين وديهم".
وفي وادي غزة، وسط القطاع الصغير، شاهدت وكالة رويترز نازحين فلسطينيين يتجهون شمالا نحو مدينة غزة.
وقال أحمد أبو دية، وهو يدفع عربة محملة بمتعلقات العائلة "يعني زي ما أنت شايف بالرايحين جايين مشيا على الأقدام.. وهنا راجعين مشينا على الأقدام فيه ناس بتروح ممكن بالأجرة بحدا إشي ما حجزلهم والله إما احنا بتاتا لا أرض لا خيمة لا يعني الحياة فيش حتى ماي".
وفي مدينة غزة، فلدى آية محمد (31 عاما) أسرة مكونة من ثمانية أفراد وتعيش في حي الصبرة في منزل تضرر جراء غارة جوية في بداية الحرب. ونزحت هي وعائلتها عام 2023، لكنها عادت مع مئات الآلاف الآخرين في يناير كانون الثاني خلال هدنة.
وتعتزم الأسرة البقاء في المدينة قدر المستطاع لأنها لا تعرف أين يمكنها إيجاد مأوى في الجنوب، وسيواجه أفراد الأسرة من كبار السن والمرضى صعوبة في السفر.
وقالت إنها تبحث عن مكان لنصب خيمة وحتى الآن لم تجد واحدا، مضيفة أنها سألت سكان في خان يونس ودير البلح وأنهم أخبروها بأنه لا يوجد مكان لها ولأسرتها.
وما يزيد من صعوبة القرارات التي يتعين على عائلات مدينة غزة اتخاذها هو ارتفاع تكلفة الانتقال إلى الجنوب مع جميع متعلقاتهم.
وقدر أحد النازحين، أبو أحمد، تكلفة السفر بنحو 600 دولار وسعر الخيمة الجديدة بنحو 1200 دولار. وقدرت سلمى الطويل مديرة مكتب المجلس النرويجي للاجئين في شمال غزة تكلفة السفر بنحو 700 دولار وثمن الخيمة بنحو ألف دولار.
وهذه المبالغ تفوق قدرة معظم الناس، مما يجعلهم مخيرين بين البقاء أو اصطحاب ما يستطيعون حمله فقط، تاركين ورائهم ما لا يمكنهم حمله من أغطية بلاستيكية تستخدم للإيواء وحشايا وأواني الطبخ وملابس.
وتقول الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة إن إسرائيل منعت عمليا إيصال المواد اللازمة للمأوى لمدة ستة أشهر تقريبا، وعلى الرغم من رفع القيود الشهر الماضي لم يصل سوى القليل من الخيام.
وقالت المتحدثة باسم اليونيسف تيس إنجرام، التي كانت في غزة هذا الأسبوع، إن المساحة المتاحة في المواصي ضئيلة جدا، حيث شاهدت خياما منصوبة على أطراف الطرق. وأضافت أن المناطق الداخلية هناك هي الأسوأ من حيث ظروف المعيشة.
وقالت "بالنسبة للكثير من العائلات التي تنزح في هذه الموجة الأحدث، فالمساحة المتاحة لها تقع في تلك المنطقة التي ربما لا تتوافر فيها، على سبيل المثال، حتى خزانات مياه".
وقالت رائدة الفار، وهي تعد الخبز على النار بينما يجلس أطفالها الصغار بالقرب منها، إنها نزحت خمس مرات. والآن، بعد أمر الإخلاء الإسرائيلي الأحدث، تعيش هي وعائلتها في خيمة في وسط غزة، بجوار مكب نفايات مغطى بالذباب، حيث تجول كلاب الشوارع ليلا، على حد وصفها.
وأضافت "وقفوا الحرب، إنهوا الحرب، بيكفي، إحنا عن جد إدمرنا، تعبنا، إحنا في نزوح طول الوقت، يعني تهجرنا من بلاد، تهجرنا من بيوتنا من أماكننا".
المملكة+رويترز