أعلن الاتحاد الأوروبي، الخميس، عن إطلاق استراتيجية جديدة وطموحة تهدف إلى تعزيز علاقات الاتحاد الأوروبي مع شركائه في جنوب البحر الأبيض المتوسط، تحت اسم "ميثاق البحر الأبيض المتوسط" في خطوة تهدف إلى بناء فضاء متوسطي مشترك قائم على التعاون والازدهار والأمن.
ويستند الميثاق إلى الروابط التاريخية والثقافية المشتركة بين شعوب المنطقة، ويركّز على مجالات المصالح المتبادلة التي تجمع الاتحاد الأوروبي بدول جنوب المتوسط، في مواجهة التحديات والطموحات المشتركة. ويهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي بين ضفتي المتوسط وما وراءهما، من أجل إقامة فضاء متوسطي متصل ومزدهر وقادر على الصمود وآمن.
ويقوم الميثاق على مبادئ الملكية المشتركة والإبداع المشترك والمسؤولية المشتركة، من خلال نهج عملي يركّز على مبادرات ملموسة تضيف قيمة حقيقية للشعوب والاقتصادات على جانبي المتوسط. ويهدف إلى تحقيق منافع متبادلة تشمل إنتاج الطاقة النظيفة وتحفيز الاستثمارات الخاصة عبر مشاريع إقليمية تخلق فرصًا جديدة للشباب والنساء والمشروعات الصغيرة.
كما يشمل الميثاق تعزيز التعاون في مجالات الأمن والجاهزية وإدارة الهجرة، مع التركيز على الأمن البحري وحماية البنى التحتية الحيوية ومكافحة التدخلات الخارجية لتعزيز السلم الإقليمي.
وأكدت الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائبة رئيس المفوضية الأوروبية كايا كالاس، أن الأهمية الجيوسياسية للبحر الأبيض المتوسط لا يمكن المبالغة في تقديرها، مشيرة إلى أن المنطقة تربط بين ثلاث قارات وتشكل جسرًا حيويًا للاتحاد الأوروبي في مجالات التبادل بين الشعوب والاقتصادات والأمن.
وقالت كالاس: "مع الميثاق الجديد للبحر الأبيض المتوسط، نفتح فصلًا جديدًا وفرصةً لتعاون أكثر إنتاجية واستقرارًا دائمًا في المنطقة".
ويرتكز الميثاق على ثلاثة محاور رئيسية؛ تشمل التنمية البشرية والاقتصادية والأمنية، إذ يضع المحور الأول الإنسان كمحرّك للتغيير والاتصال والابتكار، ويتضمّن مبادرات لتعزيز التعليم العالي والتدريب المهني وتنمية المهارات وفرص العمل، وتمكين الشباب والمجتمع المدني، إلى جانب دعم الثقافة والسياحة والرياضة.
ومن المشاريع الرائدة ضمن هذا المحور "الجامعة المتوسطية" التي ستربط طلبة ضفتي المتوسط، فيما ستعمل آلية التراث على دعم الفنانين والحفاظ على التراث الثقافي وتنشيط السياحة المستدامة.
أما المحور الثاني؛ فيركّز على اقتصادات أقوى وأكثر استدامة وتكاملًا، ويشمل تحديث العلاقات التجارية والاستثمارية، وتعزيز الطاقة النظيفة، والاقتصاد الأزرق، والزراعة، والربط الرقمي والنقل، وخلق فرص عمل جديدة. ومن المشاريع البارزة في هذا الإطار "مبادرة الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة العابرة للمتوسط (T-MED)" ومبادرة "StartUp4Med" التي تهدف إلى تحفيز ريادة الأعمال. كما سيتعاون الشركاء في دمج سلاسل التوريد في قطاعات الصحة والزراعة والمواد الخام الحيوية، مع العمل على تطوير بنى تحتية رقمية آمنة وفعالة.
والمحور الثالث يتعلّق بـ "الأمن والجاهزية وإدارة الهجرة" إذ يتضمّن إجراءات لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، وتعزيز الجاهزية الإقليمية، من خلال نهج شامل لإدارة الهجرة يركّز على مكافحة تهريب المهاجرين وتعزيز الأمن الحدودي.
وسيتم إنشاء منتدى إقليمي للاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط حول السلام والأمن، بالإضافة إلى مبادرات لتعزيز القدرة على مواجهة الكوارث والتنسيق في إدارة الأزمات.
ويفتح الميثاق المجال لتوسيع التعاون مع شركاء خارج جنوب المتوسط، بما في ذلك دول الخليج العربي وإفريقيا جنوب الصحراء والبلقان الغربي وتركيا، في إطار سعيه لتعزيز الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومنطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج.
ومن المقرر أن يُعتمد الميثاق سياسيًا بين الاتحاد الأوروبي وشركائه في جنوب المتوسط في تشرين الثاني 2025، تزامنًا مع الذكرى الثلاثين لإطلاق عملية برشلونة. وسيُترجم الميثاق إلى خطة عمل تنفيذية تحدد الدول المشاركة وأصحاب المصلحة في كل مبادرة، على أن تُطلق النسخة الأولى من الخطة في الربع الأول من عام 2026.
وستكون هذه الخطة وثيقة حيّة قابلة للتطوير، وستُدعى المنظمات الإقليمية والمجتمع المدني ومنظمات الشباب للمساهمة في تنفيذها، مع إبقاء مؤسسات الاتحاد الأوروبي على اطلاع دوري بتطوراتها.
وجاء الميثاق ثمرة عملية تشاور واسعة وشاملة شارك فيها شركاء جنوب المتوسط ودول الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، والدول المجاورة في المنطقة، إضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية ومراكز الأبحاث والمنظمات الثقافية والاقتصادية.
ويُعدّ الميثاق امتدادًا لمسار طويل بدأ بإطلاق عملية برشلونة عام 1995 التي أرست أسس التعاون المتعدد الأطراف بين الاتحاد الأوروبي ودول المتوسط، وتبعها في عام 2021 "أجندة المتوسط" التي عمّقت التعاون في مجالات التنمية البشرية والحوكمة والعمل المناخي والنمو الاقتصادي الشامل.
ووفّرت خطة الاستثمار والتنمية الاقتصادية حينها نموذجًا عمليًا لتطبيق المبادرات الملموسة، فيما يسعى الميثاق الجديد إلى مواصلة هذا النهج بأسلوب أكثر تنسيقًا ومنهجية وفعالية، مع التركيز على الحَوكمة المشتركة والإجراءات العملية.
من جانبها، أوضحت مفوضة شؤون المتوسط دوبرافكا شويتسه، أن الميثاق يمثل دليلًا على التزام الاتحاد الأوروبي المتجدد تجاه المنطقة، مضيفة: "هذا الميثاق يتمحور حول الإنسان، فالقوة الكبرى للمنطقة تكمن في شبابها وإبداعها ومواهبها. كما أنه يتعلق بالازدهار المشترك، إذ سيخلق فرص استثمار وعمل جديدة. سنستثمر أيضًا في الأمن والجاهزية وإدارة الهجرة. إن التعاون الوثيق والملكية المشتركة سيجعلان منه قصة نجاح حقيقية لمواطني الضفتين".
المملكة