أفراد من أُسرتي منصور ووفائي يجلسون في مدخل حمّام باب الأحمر الشعبي في حلب، إحياء لزيارة كانوا يقومون بها أسبوعيا قبل اندلاع الحرب السورية.

وكانت الحمامات العامة التقليدية من أساسيات الحياة في حلب منذ قرون، بغرفها الحجرية المشبعة بالبخار ومدلكيها ومغنيها التقليديين. لكن نظرا لوجودها في منطقة معارك في البلدة القديمة، اضطر معظمها للإغلاق.

وخمدت المعارك في حلب أواخر 2016، على الرغم من استمرارها في أماكن أخرى في سوريا، وأُعيد الآن فتح أربعة من نحو 50 حماما عاما في حلب، وعاد بعض الزبائن القدامى لتلك الحمامات ومعهم عملاء جدد أصغر من أن تعي ذاكرتهم الحياة في مدينتهم قبل الحرب.

من هؤلاء الزبائن عمر منصور (37 عاما) وصهره مالك وفائي (36 عاما) اللذان كان من المعتاد لهما الاستحمام في حمام باب الأحمر ليل كل خميس.

وفي أول زيارة لهما للحمام بعد الحرب صاحبهما، ولأول مرة، أبناؤهما جهاد (13 عاما) وليث الله (11 عاما) ومحمد نور (10 سنوات) ويزن (5 سنوات).

وقال عمر منصور، وهو سائق سيارة أجرة، "جلساتنا في حمام السوق كانت تتكرر كل يوم خميس، وبسبب الحرب والظروف في البلد لم نستطع أن نتواصل ونعود إلى حمام السوق كما كنا سابقا، الحمد لله، الأمور الآن عادت، وهذه هي أول زيارة لنا بعد مضي ثماني سنوات".

وأومأ الأطفال برؤوسهم مؤيدين ما قاله بحماس.

وكان الرجلان وأبناؤهما في غرفة الاستقبال المرتفعة ذات القبة، يجلسون على أحد المقاعد الحجرية المثبتة بجانب جدران الغرفة فوق أرضية يغرقها ماء وبها نافورة.

وأضاف منصور أن زيارة الحمام من عاداتهم، ولا علاقة لها بأشياء أخرى، وقال "ليست لها علاقة بالماء ولا الكهرباء، هذه عاداتنا وتقاليدنا".

ويخلع العملاء ملابسهم في هذه الغرفة، ويلفون أنفسهم بمناشف قبل دخول الجزء الداخلي من الحمام، وهو مكان يشبه متاهة دافئة ورطبة، وغرف تعلوها قباب وممرات بقباب تؤدي في النهاية إلى حوض ماء بارد ومكان معبأ بالبخار.

وفي الداخل، كان 5 رجال يجلسون بسراويل سباحة في حجرة صغيرة حول صينية معدنية عليها أطباق محلية منها الكبة تضم لحما نيئا متبلا مع قمح برغل (كبة نية) وخبزا رقيقا مع جبن.

وفي غرفة أخرى، كانت مجموعة من الشباب يغنون بصخب أغنيات زفاف، ويحدثون جلبة بأوعية بلاستيكية ويرشون بعضهم بالماء.

وتخصص أوقات المساء في الحمام العام للرجال بينما تكون ساعات النهار للنساء.

ويغسل الزبائن أجسامهم بصابون الزيتون الحلبي وورق الغار قبل أن يغتسلوا من ماء ساخن بأحواض حجرية كبيرة في غرف الاستحمام.

وقام مدلك كبير السن بتدليك جلد الزبائن واحدا تلو الآخر، وفي يده قفاز خشن يفرك به أجسامهم قبل أن يغرقهم في ماء ساخن ليظهر جلدهم وقد تحول للون الأحمر.

ولاحقا، يلف عامل آخر في الحمام مناشف حول أجسام الزبائن بحيث يطوق الخصر والكتفين والرأس بقطعة قماش بيضاء ناعمة قبل عودتهم لمنطقة المدخل.

وتنتشر الحمامات الشعبية التقليدية، التي دمرت بعضها الحرب، في أنحاء حلب القديمة وتبدو قبابها المميزة مثقوبة مثل المصفاة مع فتحات مستديرة من الزجاج الملون الذي صار حطاما أو سقط في غرف يملؤها ركام وقمامة.

وورد في بعض الأحيان أثناء الحرب السورية أن نقص الماء ووقود التدفئة والكهرباء، دفع الناس للذهاب للحمامات العامة في دمشق، لكن لم يقل أي من زبائن حمام باب الأحمر في حلب أن هذا هو سبب حضورهم.

وقال ثائر خير الله، مالك حمام باب الأحمر، إنه أعاد فتحه في ديسمبر بعد عملية تجديد استمرت أربعة أشهر. وأوضح أن عدد المترددين على الحمام حاليا يقدر بنحو ربع زبائنه قبل الحرب، مرجعا ذلك لفرار كثير من سكان المدينة بسبب الحرب.

وأضاف خير الله "هدا الحمام كان يشهد ازدحاماً كبيرا، وبالذات كل يوم خميس؛ لأن الجمعة يوم عطلة".

ووراء خير الله كان موسيقي تقليدي، مُسن يعتمر طربوشا وعباءة سوداء مزينة بحواف مذهبة فوق حلته، يعزف على آلة القانون الموسيقية.

رويترز