لم تشفع لحنان خبرتها التي تراكمت خلال 13 عاما من التدريس في مدارس خاصة في الحصول على حد الأجور الأدنى، الذي رفعته الحكومة إلى 220 ديناراً قبل نحو عامين، في وقت يشتكي فيه آلاف المعلمين والمعلمات في القطاع الخاص من مشاكل مشابهة. 

 

حنان، (49 عاما) أم لـ 5 أبناء، يتلقى اثنان منهما تعليما جامعيا، تعمل مديرة روضة في مدرسة خاصة في محافظة البلقاء لمساعدة زوجها في إعالة أسرتهما، إذ يتقاضى الرجل 500 دينار شهريا من عمله كمسؤول عن حركة حافلات مدرسة خاصة في عمّان.

 

"بالتزامن مع رفع الحكومة للحد الأدنى للأجور من 190 دينارا إلى 220 دينارا، لم يتجاوز راتبي حينها 200 دينار، ورغم قرار المدرسة، التي أعمل فيها منذ 4 سنوات برفع راتبي إلى 220 ديناراً عقب قرار الحكومة بعدة أشهر، إلا أنني لم استلم المبلغ كاملا منذ ذلك الحين"، تقول حنان.

 

"ترفض المدرسة تحويل رواتب المعلمات إلى بنوك، خاصة أن بعضهن يتقاضين أقل من 220 ديناراً، وتبرر  المدرسة تأخرها في تسليم الرواتب وعدم منح أجور دفعة واحدة بقلة السيولة المالية،" تضيف حنان، التي لا تخفي خشيتها من تقديم شكوى تجنبا لفصلها من عملها.

 

"أخشى ذلك ... أنا لا أضمن أن توظفني مدرسة أخرى وأنا في هذا العمر"، تقول حنان.

 

ولم يتسن لـ "المملكة" الحصول على تعليق من المدرسة التي تعمل فيها  حنان.

 

يبلغ مجموع معلمي ومعلمات القطاع الخاص نحو 40 ألفا، من أصل حوالي 133 ألف معلم ومعلمة في مدارس الأردن كافة العامة والخاصة، وفق إحصائيات وزارة التربية والتعليم.

 

ويقدر عدد المدارس الخاصة في السنة الدراسية الماضية بـ 3211 مدرسة، من أصل 7262 مدرسة في الأردن، وبلغ عدد طلاب القطاع الخاص في نفس العام 535 ألف طالب وطالبة، من أصل نحو مليوني طالب وطالبة في عموم مدارس الأردن، وفق إحصائيات حكومية.

 

مخالفة شرط الترخيص

 

تقول نقابة المعلمين الأردنيين لـ "المملكة" إن معلمين ومعلمات في القطاع الخاص تقدموا بنحو 12 ألف شكوى تتعلق بعدم تحويل رواتبهم إلى بنوك في العامين 2018 و 2019.

 

"في 2018، 7 آلاف شكوى قدمت من معلمين ومعلمات في القطاع الخاص بعد أن رفضت مدارس يعملون فيها تحويل رواتبهم لبنوك لأنها أقل من حد الأجور الأدنى،" يوضح مدير الشؤون القانونية في النقابة، المحامي محمد عسكر.

 

ومنذ بداية عام 2019 تقريبا، بلغ عدد ذلك النوع من الشكاوى 5400، بحسب عسكر.

 

ويعرف القانــون المعدل لقانون نقابــة المعلمين الأردنيين لسنـة  2018 المعلم على أنه: "كل من يتولى التعليم أو أي خدمة تربوية متخصصة في أي مؤسسة تعليمية حكومية أو خاصة تخضع لإشراف الوزارة (وزارة التربية والتعليم) وحاصل منها على إجازة تعليم سارية المفعول."

 

وبموجب نظام تأسيس وترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة والأجنبية، على المدارس الخاصة أن "تلتزم بتحويل الرواتب الشهرية المستحقة للمعلم إلى حسابه البنكي أو إلى المحفظة الإلكترونية لدى مقدم خدمة الدفع للعملاء وتلتزم بتقديم الوثائق التي تثبت ذلك".

 

نقيب أصحاب المدارس الخاصة، منذر الصوراني، يرى أن "الحكومة دخلت في دوامة إرضاء للمعلم، وأن ذلك القرار "تسبب بمشاكل لمدارس خاصة تعاني أصلا من أزمة مادية في توفير رواتب".

 

لكن عسكر يقول إن القرار "اتخذ لضمان حصول المعلمين والمعلمات على الحد الأدنى من الرواتب، ورغم ذلك لا يزال معلمون ومعلمات يتقاضون رواتب تبلغ أحيانا 50 ديناراً، في بعض مناطق عمّان الشرقية والمحافظات".

 

وزارة التربية والتعليم طلبت مجدداً من المدارس الخاصة، تحويل رواتب المعلمين والمعلمات فيها إلى بنوك كشرط أساسي لتجديد رخص المدراس للعام الدراسي 2020/2019.

 

وزارة التربية والتعليم لم تحصر بعد عدد المدارس الخاصة المخالفة، لكن " الرقم سيتضح بعد نهاية شهر تموز/يوليو المقبل، فور انتهاء إجراءات منع ترخيص مدارس غير ملتزمة"، وفق مدير التعليم الخاص، سامي المحاسيس.

 

"التوجه الحكومي الحالي هو ضبط كل ما يتعلق بالتعليم في القطاع الخاص،" يؤكد المحاسيس.

 

عقد عمل موحد

 

تقول حنان إن المدرسة التي تعمل فيها "أنهت عقود موظفين وموظفات قبل الإجازة الصيفية، على أن يعاد تجديدها في بداية الفصل الدراسي، لضمان عدم منح المعلمين والمعلمات رواتب خلال العطلة".

 

الحكومة، وفقا لعسكر، تلزم المدارس الخاصة بعقد موحد يمنع أن تقل مدته عن 12 شهراً ابتداء من السنة الدراسية المعمول بها في وزارة التربية والتعليم باستثناء السنة الأولى ومدتها 10 أشهر.

 

"مع ذلك، تقدم معلمون ومعلمات في القطاع الخاص بـ 6 آلاف شكوى بعد إنهاء عقودهم قبل العطلة الصيفية في عام 2018،" يتابع عسكر.

 

في عام 2017، وقعت وزارة العمل اتفاقية عقد العمل الموحد مع نقابتي أصحاب المدارس الخاصة والنقابة العامة للعاملين في القطاع الخاص، استنادا لأحكام قانون العمل الأردني، بحسب ما أفاد الناطق باسم وزارة العمل، محمد الخطيب.

 

وترى حنان أن "وقف رواتب معلمين ومعلمات خلال العطلة الصيفية يعني حرمانهم من اقتطاعات مخصصة للضمان الاجتماعي، واضطرارهم لدفع حوالي 45 ديناراً شهريا من جيبوهم  لمؤسسة الضمان الاجتماعي، أو الانقطاع عن السداد، الأمر الذي يؤثر على تقاعدهم".

 

نقيب المعلمين، أحمد الحجايا، طالب "المدارس الخاصة بالالتزام بتحويل رواتب المعلمين والمعلمات إلى بنوك وعدم إنهاء عقودهم قبل بدء العطلة الصيفية".

 

وقال: "نؤكد على تحويل رواتب المعلمين والمعلمات في القطاع الخاص إلى البنوك، ونؤكد على عدم إنهاء عقودهم بداية العطلة الصيفية، وتجديدها في بداية العام، لأن في ذلك نوع من التحايل ".

 

"تحايل"

 

الصوراني يقول إن "غالبية المدارس الخاصة تلتزم بعقد العمل لكن مدارس في محافظات وقرى قد لا تلتزم بسبب قلة إمكانياتها المادية".

 

لكن  في النهاية، القانون هو الحكم، كما يرى المحاسيس وعسكر.

 

على المعلمين والمعلمات "الانتباه لعقود العمل عند توقيعها، لأنها تحكم العلاقة مع المدرسة، حفاظا على حقوقهم"، ينصح المحاسيس.

 

أما عسكر فيشدد على أن "المرجع القانوني الذي ينظم العلاقة بين المعلم والمدرسة في القطاع الخاص، من حيث التبعية الاقتصادية والاجتماعية، هو قانون العمل، ونظام تأسيس وترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة والأجنبية".

 

النقابة العامة للعاملين في المدارس الخاصة تقول إنها توصل شكاوى منتسبيها إلى وزارة العمل، وفي حال ثبوت مخالفات، تُلزم المدرسة المخالفة بدفع 100 دينار عن كل حالة، وتتضاعف القيمة عند تكرار مخالفات.

 

"تقوم وزارة التربية والتعليم بمنع تجديد ترخيص المدرسة المخالفة، بينما يتمثل دور وزارة العمل بإرسال مفتشين ومخالفة المدرسة"، يوضح نقيب النقابة العامة للعاملين في المدارس الخاصة، مازن المعايطة.

 

"بعض المدارس الخاص تمارس تحايلا، مستغلة خوف العاملين فيها من تقديم شكاوى، لذلك نقوم بحملات توعية تشجع المتضررين على تقديم شكوى،" بحسب المعايطة.

 

المملكة