عربة بعجلين أو ثلاثة، يجرها الطفل أحمد عبد الفتاح، وينادي بأعلى صوته "عرباية يا حجي ، بتحمل أغراضك وبتوصلك لسيارتك " مشهد تقف أمامه عاجزا عن التعبير، هل تساعد هذا الطفل أم يساعدك؟! فبين أزقة وطرقات سوق الخضار في إحدى مناطق عمّان الشعبية، وفي منطقة ضيقة يصعب وصول السيارات إليها، وبعد أن يفرغ الناس من شراء حاجياتهم من السوق، وأمام أكياس الخضار والفواكه، تبدأ رحلة البحث عن وسيلة نقل لإيصال ما اشتروه لمكان اصطفاف سياراتهم.

يقوم الطفل بإيصال المشتريات بكل حيوية ونشاط، طمعاً بأجرة تساعده في تأمين قوت عائلته، تعينه في مصروفه المدرسي.

مشهد الأطفال وهم ينتظرون أحد الزبائن لنقل حاجاته على عربة، يتكرر في أسواق عمّان الشعبية، حتى يكاد أن يصبح ظاهرة لعمالة الأطفال وبالذات في سن أقل من 10 سنوات ،حيث يضطر هؤلاء للعمل رغم تجاوزهم للقانون لمساعدة أسرهم وتخفيف العبء عنها.

يقول الطفل عبدالفتاح (10 أعوام) إنه يعمل طيلة أيام الأسبوع ليعيل أسرته، مشيرا إلى أنه يقوم بتنظيم عمله وفقا لدوامه في أيام المدرسة، ويحصل على ما يقارب الخمسة دنانير يوميا، إضافة إلى "الإكرامية" التي تكون حسب الشخص.

يستسلم الطفل عبد الفتاح عربته من محل يقوم بتأجير العربات مقابل وضع هوية شخصية لولي أمره، إضافة إلى دفع مبلغ دينارين عند تسليم العربة بدل استخدام .

يتعرض الطفل عبدالفتاح، وفق قوله إلى بعض المضايقات من بعض أصحاب العربات التي تزاحمه على الزبون إضافة إلى المجادلة التي تحصل بينه والزبون ومفاصلته على الأجرة . تقول الستينية "أم طارق " إنها تستفيد من هؤلاء الأطفال في نقل ما تشتريه إلى الشارع الرئيس،وتشعر بالسعادة عند إعطاء الطفل الذي يقود العربة كمساعدة له، مشيرة إلى أنه لولا الوضع المادي السيء لهذا الطفل وحاجته، لما عمل في هذا المجال الشاق والمتعب .

في حين يقول الحاج أبو إبراهيم، إن اكتظاظ السوق بالعربات والأصوات المرتفعة يثير الإزعاج، ولا يستطيع الشخص الشراء بأريحية، كما أن هناك تفاوتا في أسعار تلك العربات حسب كمية الأغراض المشتراة والمسافة لإيصالها .

أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتور حسين الخزاعي ،يقول إن القوانين والأنظمة منعت عمالة الأطفال لما لها من آثار جسمية ونفسية عليهم،لافتا إلى أن التجار يقومون باستغلال هذه الفئة وبالذات عدم إعطائهم أجورهم بشكل منصف وتعرضهم للانحراف كممارسة التدخين.

ويشير إلى أن الدراسات أثبتت أن 66% من هؤلاء الأطفال يعملون لمساعدة الأهل بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، إذ بينت دراسة أن هناك 44 ألف طفل يعملون بشكل دائم بعمالة الأطفال وهذا مؤشر خطير؛ لأن ذلك يؤدي  إلى تسرب الأطفال من المدارس وتدني مستوى التعليم .

ويوضح أن الأوضاع المادية الصعبة تدفع بعض الأسر بهؤلاء الأطفال للعمل وتشجعهم على العمالة إضافة إلى استثمار أوقاتهم خلال العطلة الصيفية بدل الانشغال باللعب والنوم، إضافة إلى تعليمهم تحمل المسؤولية منذ الصغر متناسين الأضرار التي تلحق بهم .

وبحسب المسح الوطني لعمل الأطفال في الأردن للعام 2016 والذي نفذته وزارة العمل ومركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية وبالتعاون مع منظمة العمل الدولية ودائرة الإحصاءات العامة بين أن من أصل نحو 4.03 ملايين طفل تتراوح أعمارهم بين 5-17 عاما، قرابة 1.89 % أي ما يعادل 75.982 طفلا منهم يعملون في الأنشطة الاقتصادية، وأن نسبة الذكور تشكل 88.3 % من الذكور و11.7 % من الإناث ويضم عمل الأطفال في الأردن الأطفال العاملين دون سن الحد الأدنى القانوني للعمل وهو 16 عاما .

تقوم وزارة العمل من خلال قسم عمل الأطفال بوضع وتنفيذ برامج عمل وسياسات فعالة تهدف إلى الحد من عملهم بشكل عام وأسوأ أشكاله بشكل خاص بالتعاون مع كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية، والتأكد من مدى تطبيق مؤسسات القطاع الخاص لأحكام قانون العمل الأردني رقم 8 لسنة 1996 وتعديلاته.

ويتم أيضا تكثيف الزيارات التفتيشية الميدانية الدورية لمفتشي العمل، وتنفيذ حملات تفتيشية متخصصة على بعض القطاعات التي يتواجد فيها عمل أطفال ومراجعة وتعديل التشريعات الوطنية ذات العلاقة بعمل الأطفال للمساهمة في حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي ونشر الوعي العام بظاهرة عمل الأطفال خاصة فيما يتعلق بأسوأ أشكاله من خلال البرامج التوعوية والتثقيفية بالمخاطر الناجمة عن عمل الأطفال عبر عقد جلسات توعية للأطفال والأهالي وأصحاب العمل وتوزيع البروشورات والبوسترات والمواد التوعوية.

كما تم الاتفاق بين الوزارة وهي الجهة المعنية في الحد من عمل الأطفال والصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية،على مذكره تفاهم غايتها الحد من عمل الأطفال و تأسيس مركز الدعم الاجتماعي الخاص بالأطفال العاملين في سحاب، الذراع التنفيذي للوزارة في مجال الحد من عمل الأطفال، استمرارا لجهود وزارة العمل في حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي وتنفيذاً للتشريعات والسياسات الوطنية والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الأردن، وتأكيداً على ضرورة تكاتف الجهود الوطنية للحد من عمل الأطفال نظرا لخطورة هذه الظاهرة.

بترا