من كتاتيب ومدارس بسيطة متناثرة في أنحاء الأردن يلتصق بها هباء الطباشير، إلى أكثر من 7 آلاف مدرسة وأكثر من 25 جامعة ومضى في طريق التعليم الإلكتروني ودمجه في العملية التعليمية، تُقرأ مسيرة تطور القطاع التعليمي في عمر الدولة الأردنية التي أكملت المئة عام، في ظل تحديات واجهت الدولة والقطاع خلال انقضاء القرن الأول.

مضى الأردن الذي عرف في مختلف عهود التأسيس والبناء والتعزيز، معنى التعليم والاستثمار في العقول، حتى وصلت نسبة الأمية نهاية 2019 إلى 5.1%، نزولاً من 67.6% عام 1961 مرورا بـ 7.2% عام 2011.

في 1961 كانت نسبة الأمية بين الذكور 49.9%، و84.8% بين الإناث، وفي 1976 أصبحت نسبة الأمية 32.4%، وكانت نسبة الأمية لدى الذكور في حينه 19.1%، و45.7% لدى الإناث.

وبلغ عدد صفوف تعليم الكبار ومحو الأمية في 1975/1976، 373 صفا تخرج منها 4395 طالبا وطالبة.

في العام الدراسي الحالي، توجد 7648 مدرسة حكومية وخاصة وأخرى تتبع وكالة "أونروا"، تضم 2.175981 طالبا وطالبة ويُدرس فيها 131597 معلما، عدا عن وجود  10 جامعات رسمية، مقابل 16 جامعة خاصة و44 كلية جامعية وكلية مجتمع، بالإضافة إلى جامعة إقليمية واحدة، وجامعتين مُنشأتين بقانون خاص.

البداية 1921

بلغت موازنة التعليم في شرق الأردن عند تأسيس الإمارة عام 1921 مبلغ 500 جنيها شهريا، وكان عدد المدارس في العام ذاته 25 مدرسة منها 23 مدرسة ابتدائية فقط غير مكتملة.

في السنة الدراسية التالية 1922/ 1923، ارتفع عدد المدارس إلى 44 مدرسة (منها 6 مدارس للبنات) وارتفع عدد المعلمين إلى 81 معلمًا، بينهم 12 معلمة، أما عدد الطلبة بلغ 3316 بينهم 318 طالبة.

مدرسة السلط الثانوية للبنات. (صلاح ملكاوي/ المملكة)


في سنة 1923/ 1924 كان في شرقي الأردن 50 مدرسة منها 5 مدارس للإناث و115 معلما ومعلمة منهم 13 معلمة و3388 طالبًا وطالبة، عدد الطالبات 403.

 كانت تلك المدارس جميعها أولية (4 سنوات دراسية) وابتدائية (7 سنوات دراسية) باستثناء ثلاث منها ثانوية متوسطة في كل من السلط وإربد والكرك والصف الأعلى فيها هو الثاني ثانوي.

صور من مدرسة الكرك الثانوية. (حسام العسال/المملكة)


في سنة 1924/ 1925 نجد أن عدد المدارس انخفض إلى 44 مدرسة، وعدد المعلمين والمعلمات انخفض إلى 110، بينما ارتفع عدد الطلاب والطالبات فأصبح 3475 طالبًا وطالبة، وكانت موازنة دائرة المعارف 11820 جنيها مصريا.

لكن الإحصاءات السابقة ليست كاملة وغير دقيقة لأنها لا تشمل إحصاءات عن المدارس الأهلية (الكتاتيب) والمدارس الدينية.

تجدر الإشارة إلى أن أكثر من كانوا يعملون في حقل التعليم في السنوات الأولى من عهد الإمارة كانوا من أبناء الأقطار المجاورة: سوريا، وفلسطين، ولبنان، واتخذ كثيرون من هؤلاء المعلمين شرقي الأردن دار إقامة دائمة لهم.

في 1924/1925 تأسست المدرسة الصناعية في عمان وهي الوحيدة في شرقي الأردن.

تخرج في 1926 من مدرسة السلط أول فوج من الطلاب وعددهم أربعة، وتخرج في العام التالي 1927 في مدرسة تجهيز إربد أول فوج من الطلاب، وعددهم 5.

وصل عدد المدارس في العام الدراسي 1925/1926 إلى 72 مدرسة، 49 مدرسة حكومية و23 مدرسة خاصة، ولم يشمل هذا الرقم الكتاتيب المنتشرة في معظم القرى التي كانت تدرس مبادئ القراءة، والكتابة، والحساب، بالإضافة إلى الدين الإسلامي.

ويشير أول تقرير نشرته دائرة الصحة، إلى إحصاءات وافية عن التعلم عام 1927، وهي إحصاءات رسمية مستقاة من دائرة المعارف، إلى أن مجموع المدارس قد بلغ 217 مدرسة، وأن عدد المعلمين والمعلمات فيها بلغ 340 معلما، و7460 طالبا، و1383 طالبة، وعام 1936 تخرج ستة طلاب في مدرسة السلط الثانوية الكاملة، وكان هناك 16 مبعوثًا ومبعوثة يدرسون على نفقة الحكومة في الخارج، في حين درس 54 طالبًا في الخارج على نفقتهم الخاصة.

أول وزارة للمعارف

شُكل مجلس المعارف في 1923 وتبع ذلك إصدار أنظمة متتالية من أجل تنظيم العملية التعليمية في المدارس، ثم صدر قانون مجلس المعارف الاستشاري في 1926.

أُنشئت أول وزارة للمعارف في حكومة توفيق أبو الهدى، التي تشكلت في 1940، وعهد لقاضي القضاة الشيخ أحمد العلوي السقّاف بتولي أعمال الوزارة، وحلت محل دائرة المعارف، ووضع نظام المعارف الجديد الذي وضع تعليمات شهادة الثانوية الأردنية عام 1944، وألغي نظام المعارف الذي سبقه عام 1939، وقسمت الإمارة ثلاث مناطق هي: منطقة معارف عجلون، ومنطقة معارف البلقاء، ومنطقة معارف الكرك.

في 1944، كانت مدرسة السلط المدرسة الثانوية الوحيدة الكاملة شرقي الأردن بعد تراجع مدرسة إربد الثانوية إلى ثانوية متوسطة، ما شكّل ضغطًا كبيرًا عليها، إذ لم تستطع استيعاب الطلبة الخريجين جميعهم من المدارس، ما جعل 50% منهم يفقدون فرصتهم في التعلم في مدرسة ثانوية.

مدرسة السلط الثانوية للبنين. (صلاح ملكاوي/ المملكة)


وتحدثت مذكرة أعدها وزير المعارف عن وضع التعليم سنة 1943 إلى معلومات مهمة جدا من حيث الإقبال الضعيف على التعليم حتى 1930، وجاء في المذكرة نفسها كما يذكر ذلك سليمان الموسى في كتابه "إمارة شرق الأردن، نشأتها وتطورها في ربع قرن، من 1921- 1946 "أن عدد المدارس بلغ 73 مدرسة، يتلقى التعلم فيها حوالي 10 آلاف طالب وطالبة، يعلمهم 184 معلما ومعلمة، وحوالي 40 مدرسة يدرّس فيها معلم واحد فقط، علما أن عدد صفوفها لا يقل عن أربعة.

عام 1943 تخرج أول فوج من الفتيات ممن أتممن الدراسة الثانوية، في المدرسة الأهلية الخاصة في عمان، أما المدارس الحكومية، فلم يتخرج أول فوج من فتيات الدراسة الثانوية فيها إلا في 1952 في مدرسة الملكة زين في عمان.

التربية والتعليم بالأرقام

نهاية 1946، وهو عام انتهاء عهد الإمارة وبدء عهد المملكة، وصل عدد المدارس إلى 77 مدرسة حكومية، و214 معلمًا ومعلمة، و10729 طالبًا وطالبة.

ظل تعليم البنات مقتصرا على التعليم الابتدائي حتى 1947 عندما بدأت مدرسة عمان الابتدائية تتطور إلى مدرسة ثانوية وفي 1951 أكملت أول مجموعة من البنات تعليمهن الثانوي في المدارس الرسمية الأردنية بعد تخرج 13 طالبة من مدرسة عمان الثانوية للبنات.

وتطورت ميزانية دائرة المعارف، ثم وزارة التربية والتعليم حيث ارتفعت من 8 آلاف جنيه تقريبًا عام 1924 إلى 28850 جنيهًا عام 1940، وإلى 37719 عام 1946، حيث تخرج ذلك العام 11 طالبًا من الدراسة الثانوية الكاملة.

منذ 1950، تقدم التعليم في ضفتي المملكة بعد إقبال من المواطنين وخطوات اتخذتها الدولة للنهوض بالتعليم إيمانًا منها بأنها عملية تهدف إلى الإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

في الخمسينيات، كان نقص الموارد المالية اللازمة لتطوير النظام التربوي تحديًا واضحًا للدولة الأردنية، وكانت نسبة موازنة وزارة التربية والتعليم إلى موازنة الدولة تشكل 4% عام 1952/1953، ثم ارتفعت إلى 7% عام 1953/1954، وظلت تتراوح بين 7% إلى 7.8% حتى عام 1990/1991، إذ ارتفعت النسبة إلى 4.9% عام 1991/1992، ثم إلى 11% عام 1998/1999.

وبلغ الإنفاق الحكومي على التعليم 1.9 مليار دينار عام 2016، فضلًا عن الإنفاق من ميزانيتي الوزارتين المكلفتين بالتعليم والتعليم العالي، ويشمل هذا المبلغ المصروفات التي تتحملها وزارة الدفاع، ومؤسسة التدريب المهني، والمشاريع الرأسمالية الممولة من شركاء التنمية عبر وزارة التخطيط والتعاون الدولي، ويشمل أيضًا تكلفة إدارة النظام التربوي والإشراف عليه، والإنفاق على طباعة الكتب المدرسية.

أما الموازنة المرصودة لوزارة التربية والتعليم في عام 2021 هي 1.051488 مليار دينار، مقابل 100.394 مليون دينار لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

وارتفع عدد الطلبة كل عشرة سنوات، ففي عام 1954/1955، كان عدد طلبة المملكة للسلطات جميعها في المراحل التعليمية جميعها 781215 طالبًا منهم 68326 في المرحلة الثانوية، ويشكلون 36.12% من مجموع الطلبة، وعام 1970/1971 كان عدد المدارس 1520 وعدد طلبة المملكة للسلطات جميعها في المراحل جميعها 390815 منهم 27952 طالباً في المرحلة الثانوية ويشكلون 7.15% من مجموع الطلبة.

عدد المدارس في الأردن سجل بدوره قفزات، إذ بلغ عددها 958 مدرسة عام 1952/1953 لتصل إلى 5831 عام 2010/2011، أي أن عدد المدارس تضاعف خلال هذه المدة ستة أضعاف.

وارتفع مجموع الطلبة الملتحقين بمدارس المملكة من 170777 طالباً وطالبة عام 1952/1953 إلى 1.7 مليون طالبًا وطالبة عام 2010/2011.

وارتفع عدد المعلمين من 4442 معلماً ومعلمة عام 1952/1953 إلى 85 ألف معلما ومعلمة عام 2010/2011، أي أن عدد المعلمين تضاعف أكثر من 17 مرة.

وارتفعت موازنة وزارة التربية والتعليم من 302574 دينارًا أي ما نسبته 5.31% من الموازنة العامة للدولة لعام 1952 إلى 719 مليون دينار أي ما نسبته 10.31% من الموازنة العامة للدولة لعام 2011.

في عام 1988/1989 بلغ عدد طلبة مدارس الأردن للسلطات جميعها في المراحل جميعها 116735 طالباً منهم 950927 في المرحلة الثانوية ويشكلون 12.27% من مجموع طلبة المملكة.

وفي عام 1998/1999 بلغ عدد طلبة المملكة ولجميع السلطات 1360023 طالباً منهم 163877 في المرحلة الثانوية (أكاديمي + مهني) ويشكلون 12% من مجموع طلبة الأردن.

بلغ عدد المدارس المنتشرة في الأردن للسلطات جميعها نهاية عام 2019 (7434 مدرسة) منها (3865 تتبع وزارة التربية)، (3354 مدرسة تتبع التعليم الخاص)، و(169 مدرسة وكالة الغوث)، و(46 مدرسة حكومية أخرى).

ووصل عدد الطلاب في المملكة إلى 2114719 طالبًا وطالبة، وبلغ عدد المعلمين 136062 معلمًا ومعلمة وبلغ عدد الإداريين (32100 إداريا)، نهاية 2019.

البيئة التشريعية

نص الدستور الأردني على أن "التعليم الأساسي إلزامي للأردنيين وهو مجاني في مدارس الحكومة"، وهو النص ذاته الوارد في قانون التربية والتعليم، لكن قبل ذلك أتت النسخ السابقة من الدساتير الأردنية على ذكر التعليم، مع تطور في نص الدستور مع التطور الدستوري الذي طرأ.

ففي القانون الأساسي لشرق الأردن 1928 نصت المادة 14 على أنه "يحق للجماعات المتنوعة تأسيس مدارسها والقوامة عليها لتعليم أفرادها بلسانهم على شريطة أن يراعوا المقتضيات العامة المنصوص عليها في القانون، ثم جاء قانون رقم 3 لسنة 1947 - الدستور الأردني، إذ نصت المادة 21 منه على أنه "يحق للجماعات تأسيس مدارسها والقوامة عليها لتعليم أفرادها بشرط أن يراعوا المقتضيات العامة المنصوص عليها في القانون"، ثم جاء الدستور الأردني 1952 المنشور في الجريدة الرسمية رقم 1093، والذي نص في المادة 20 منه على أن "التعليم الابتدائي إلزامي للأردنيين وهو مجاني في مدارس الحكومة".

ظل التعليم يسير منذ تأسيس الدولة وفق نظام المعارف العمومية العثماني، إلى أن استبدل به نظام المعارف لسنة 1939، الذي ظل معمولًا به حتى صدور قانون التربية والتعليم رقم 20 لسنة 1955.

صدر في 1945 القانون الخاص الذي ينظم عمل المدارس الخصوصية، وتضمن الدستور الأردني لسنة 1946 مادة واحدة تشير إلى أمور التعليم، كفلت الدولة بموجبها حق تأسيس المدارس الخاصة.

وبعد أن حل محله الدستور المعدل لسنة 1952، خص التعليم الخاص بمادة خاصة بالتعليم الإلزامي، وكفلت الدولة التعليم لأبنائها حقًا دون تمييز ضمن إمكاناتها، ثم صدر قانون التربية والتعليم رقم 16 لسنة 1964 فجاء شاملًا، وصدر بموجبه عديد من الأنظمة والتعليمات التي تعالج النواحي التربوية جميعها.

في تلك الفترة، شهد التعليم تركيزا على العمق الأكاديمي والمعرفي والتفوق العلمي، وعلى استقرار السلم التعليمي بعد تطويره انسجامًا والنظم التربوية العربية، وتم التركيز على انتشار التعليم وتوسعه في الأرياف والمدن.

تبنت الدولة مبدأ التخطيط التربوي لتحقيق أهداف التطور التعليمي، وأصدرت قانون التربية والتعليم رقم 16 لسنة 1964 الذي حدد أول فلسفة واضحة المعالم للتربية والتعليم في الأردن، استمدت مبادئها من الدستور الأردني ومن تجارب البلد وواقعه المحلي والعربي والإقليمي.

هذا القانون جعل مدة التعليم الإلزامي تسع سنوات تضم المرحلتين الابتدائية ومدتها ست سنوات، والإعدادية ومدتها ثلاث سنوات، وأخذت الدولة على عاتقها تحقيق أهداف هذا القانون، فأصبحت المرحلة الإلزامية عام 1970 تستوعب مختلف فئات الأعمار، ما نسبته 91% من فئة (6-14 سنة)، أي فئة سن التعليم الإلزامي، التي دخلت في المملكة مع نظام المعارف لسنة 1939.

وكان على الطالب في الضفة الشرقية من المملكة التقدم لامتحان يدعى امتحان الشهادة الابتدائية، الذي ظل معمولًا به منذ 1944 لغاية العام الدراسي 1953 حين ألغي، وكانت التعليمات تحول دون قبول من أتم السنة الثامنة من عمره؛ فجاء قانون المعارف لسنة 1955 والتشريعات التي حلت محله وأهملت هذا النص.

عُدلت مدة التعليم الإلزامي بدءا من العام الدراسي 1954 إلى 6 سنوات، وأدخلت السنة السابعة في المرحلة الثانوية، وفصلت السنوات الثلاث الأول من المرحلة الثانوية، بدءا من 1957 في مرحلة مستقلة سميت المرحلة الإعدادية، عملا باتفاقية الوحدة الثقافية التي شملت الأردن، وسوريا، ومصر.

وبدأ عقد امتحان الشهادة الإعدادية العامة نهاية 1960، وأصبح التعليم الإلزامي مطلع 1965 يشمل سنوات التعليم الإعدادي.

أما المرحلة الثانوية كانت تدرّس بعد السنة السابعة الابتدائية في ضفتي المملكة حتى نهاية العام الدراسي 1954، بناء على فصل سنوات المرحلة الإعدادية مطلع العام الدراسي 1958.

واقتصرت مدة التعليم الثانوي على سنتين، إلى أن أضيفت إليه سنة ثالثة العام الدراسي 1961، وتفرعت الدراسة في المرحلة الثانوية إلى علمي وأدبي بدءا من السنة الثانية الثانوية العام الدراسي 1961.

واستمر عقد امتحان شهادة الدراسة الثانوية في الضفة الشرقية منذ عام 1933 دون تفريع، إلى أن عقد في كل من الفروع: العلمي، والأدبي، والتجاري نهاية العام الدراسي 1962 وظل يعقد لكل من الفرعين العلمي والأدبي فقط حتى العام الدراسي 1967.

أما الميثاق الوطني الأردني الذي صدر مطلع تسعينيات القرن الماضي نص على أهمية أن يكون نظام التربية والتعليم متكاملا ومتطورا، الأمر الذي يتطلب تنشئة الفرد على الوعي بالحقوق والالتزام بالواجبات، والتمتع بالروح العلمية والديمقراطية والإيمان بحقوق الإنسان ومبادئ العدل والخير والمساواة، والربط بين نظام التعليم والإنتاج وتلبية حاجات الأردن من القوى البشرية المؤهلة.

وتحدث الميثاق عن الاهتمام بتأهيل المعلم الأردني وإشراكه في عملية صنع القرار التربوي ورفع مستواه العلمي والمعرفي والمعيشي.

"عن بُعد"

فرضت جائحة كورونا منذ عام 2020 تحولا نحو التعلم الإلكتروني (عن بُعد) ضمن إجراءات احترازية للحد من انتشار الفيروس في الأردن، لكن بعد عام من تلك التجربة أعلنت وزارة التربية أن 100 ألف طالب لم ينخرطوا في نظام التعليم عن بُعد لعدم امتلاكهم التجهيزات وأدوات التعليم عن بعد.

وقبل ذلك أعلنت وزارة التربية في آب/أغسطس 2020 أن 16% من الطلبة لم يستطيعوا الاستفادة من المنصة.

"تحديات كبيرة"

الورقة النقاشية السابعة لجلالة الملك عبدالله الثاني في نيسان/أبريل 2017 حملت عنوان: "بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية جوهر نهضة الأمة".

في تلك الورقة، رأى الملك أن الوصول إلى نظام تعليمي حديث، يشكل "مرتكزاً أساسيا في بناء مستقبل مزدهر"، لكنه أكد أهمية الاعتراف بالتحديات وبذل الجهود لتجاوزها، قائلا: "لا يمكننا في ظل هذا الواقع، أن نغفل عن التحديات الكبيرة التي يواجهها قطاع التعليم".

وبين الملك أن بناء القدرات البشرية من خلال منظومة تعليمية سليمة وناجعة يتطلب استثمارا في التعليم، وتوفير بيئة حاضنة، وتأمين الضروريات.

ودعا المؤسسات التعليمية إلى استخدام أحدث الأساليب التعليمية، واعتماد مناهج دراسية تفتح أبواب التفكير العميق والناقد، وتشجع على طرح الأسئلة، وموازنة الآراء، وتعلم أَدب الاختلاف، وثقافة التنوع والحوار.

وقال إن التطوير بات "ضرورة أملتها الظروف، بل متى لم يكن كذلك؟ فها هي صفحة التاريخ وتجارب الأمم تثبت آلا محيد عن التغيير، ولا مصير إلا إليه، فالتغيير يفرض نفسه، ويثبت ذاته، ويمضي غير عابئ بمن يخشونه".

مبادرات

عُقد مؤتمر الإشراف التربوي في العقبة عام 1975، وأدخل التجديد التربوي إلى بعض مناحي العملية التعليمية، وربطت الخطط التربوية وبرامجها المختلفة بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية (1980-1985) و(1986-1990).

وعُقد المؤتمر الوطني الأول للتطوير التربوي 1987، الذي صدر بموازاته قانون التربية والتعليم المؤقت رقم 27 لسنة 1988، وروجعت الأنظمة التربوية وحدثت وطبقت بنية التعليم الجديدة بدءًا من العام الدراسي 1989/1990، التي أصبح بموجبها التعليم الأساسي 10 سنوات، والتعليم الثانوي سنتين.

تبع ذلك صدور قانون التربية والتعليم رقم 3 لسنة 1994 متضمنًا نواحي تطويرية بارزة، واستمر تنفيذ المرحلة الثانوية من خطة التطوير التربوي (1996-2000)، التي تهدف إلى تعميق الأثر النوعي لعملية التطوير التربوي، ووضع الخطة الخمسية لقطاع التربية والتعليم للأعوام (1999/2000) التي بلغت تكلفة برامجها ومشاريعها الإجمالية حوالي 51.1 مليون دينار.

في عام 2000 تبلورت ملامح المشروع التربوي المتكامل الذي هدف إلى تجسيد للتغيير للتعايش الفاعل في القرن الحادي والعشرين، والاستجابة لمتطلباته وتحدياته ومواكبة مستجداته وتقنياته.

وسعت وزارة التربية إلى ترسيخ المكتسبات والإنجازات التي تحققت في عهد جلالة المغفور له الملك الحسين المعظم في مختلف القطاعات، وباشرت الوزارة بترجمة التوجيهات الملكية السامية وصياغة مضامين هذه التوجيهات في صورة خطط تنفيذية وبرامج إجرائية عملية.

وشرعت بعرضها على المجلس الاقتصادي الاستشاري، وباشرت بتنفيذها في مدارسها خصوصا في مجالات: تعميم تدريس اللغة الإنجليزية، واكتساب مهارات الحاسوب، وحوسبة التعليم، ورفع سوية المعلمين، والارتقاء بمهنة التعليم، ووضعت خطة التطوير التربوي (2000-2005).

وأكدت رؤية الأردن 2025 التي وجه بإعدادها الملك أهمية رفع سوية التعليم، كما أطلق الملك مشروع "التطوير التربوي نحو الاقتصاد المعرفي"، الذي تناول سياسات واستراتيجيات وبرامج تعليمية، وتحسين البيئة المدرسية، واستخدام التكنولوجيا.

وظهرت مبادرات تربوية مثل مبادرة التعليم الأردنية وهي مؤسسة غير ربحية أنشئت عام 2003 من أجل الربط بين قوة التكنولوجيا واستراتيجيات التدريس الحديثة.

في عام 2013 أُسست مؤسسة الملكة رانيا للتعليم والتنمية لتطوير حلول مبتكرة، واحتضان مبادرات جديدة ذات أثر على مخرجات التعليم، وتركز على منظور شمولي لمواطن القوة والضعف في النظام التعليمي بالاعتماد على الابتكار، وتسخير التكنولوجيا الحديثة.

المؤسسة أطلقت منصة إدراك، وهي أول منصة عربية غير ربحية تُقدِّم مساقات إلكترونية جماعية مفتوحة المصادر باستخدام تقنية إد إكس (edX) المبتكرة من قبل جامعة هارفرد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وتمكنت من استقطاب أكثر من مليون متعلم خلال أقل من 3 سنوات.

إضافة إلى إنشاء جائزة الملكة رانيا العبد الله للتميز التربوي، أطلقت جلالة الملكة رانيا العبدالله عام 2008 مبادرة مدرستي بهدف تحسين البيئة المدرسية في 500 مدرسة حكومية ذات حاجة ماسة للتأهيل.

ومُنح أبناء المعلمين مكرمة ملكية بنسبة 5% من المقاعد الجامعية والمعاهد.

وأُسس في الأردن أيضا المجلس الوطني للتدريب المهني، ومشروع الشركة الأردنية للتشغيل والتدريب، وجامعة الحسين التقنية التابعة لمؤسسة ولي العهد.

التعليم العالي

التعليم العالي في الأردن بدأ من خلال التحاق الطلبة من خريجي المرحلة الثانوية في الجامعات العربية خارج الأردن، وتظهر إحصاءات دائرة المعارف في عام 1931 أن عدد الطلاب المبتعثين في ذلك العام للدراسة العليا في الجامعة الأميركية في بيروت كانوا أربعة مبتعثين، ومبتعثتين اثنتين في دار المعلمات في القدس.

العدد ارتفع وبلغ في 1948 (223 مبتعثاً) إلى مختلف الجامعات العربية، لتبدأ خطوة التعليم العالي الأولى في الأردن بعد وحدة الضفتين، بافتتاح صف لتأهيل المعلمين في كلية الحسين في عمان، وداراً للمعلمات في مدينة رام الله في الضفة الغربية في عام 1951.

في بداية الخمسينيات اتسعت رقعة الخريجين من الجامعات العربية وعاد عدد كبير منهم إلى الأردن وبدأوا يمارسون مهنهم المختلفة.

وأُنشأت دار المعلمين في عمان عام 1958، لإعداد المعلمين للمدارس لمدة سنتين، ثم تتالى إنشاء دور المعلمين، حيث بلغ عدد معاهد المعلمين والمعلمات التي أُسست لغاية 1962، 11 معهداً منها ثلاثة معاهد للإناث وثمانية معاهد للذكور.

في 1980 حولت معاهد المعلمين والمعلمات إلى كليات مجتمع، ليصل عددها في عام 1985 52 كلية.

ترى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن قطاع التعليم العالي شهد محطات مضيئة في مئوية الدولة الأردنية الأولى التي شهدت تأسيس الجامعات الرسمية والخاصة، والجامعات الأجنبية العاملة في الأردن والبرامج المنبثقة عن اتفاقيات تعاون بين الأردن وجامعات أجنبية.

ويؤدي قطاع التعليم العالي في الأردن دوراً كبيراً ومميزاً في إحداث التنمية الشاملة على مختلف الصعد والمجالات، والذي شهد نقلة ملحوظة خاصةً في عهد الملك عبدالله الثاني، عبر المبادرات الملكية التي أطلقها الملك خلال العقدين الأخيرين وإطلاق الخطة الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية (2016-2025) التي تعد بمثابة خارطة طريق للقائمين على قطاع التعليم العالي، وفق الوزارة.

الجامعة الأولى

التعليم الجامعي في الأردن بدأ عند تأسيس الجامعة الأردنية عام 1962، التي قبلت 167 طالبا (149 طالباً و18 طالبة)، وضمت ثمانية أعضاء في هيئة تدريس حينها.

وفي 1990 تأسست أول جامعة خاصة وهي جامعة عمان الأهلية.

وبشأن الإشراف على قطاع التعليم العالي، صدر قانون التعليم العالي عام 1980 وأنشئ بعد ذلك مجلس التعليم العالي عام 1982 ليشرف بدوره على مؤسسات التعليم العالي الأردنية، وفي 1985 أنشئت وزارة التعليم العالي.

وصدر قانون التعليم العالي رقم (28) لسنة 1985 الذي حدد أهداف التعليم العالي وحدد صلاحيات ومسؤوليات مجلس التعليم العالي ووزارة التعليم العالي، وعلاقتها بمؤسسات التعليم العالي.

في 2007 حُول مجلس الاعتماد إلى هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها لضبط الجودة في مؤسسات التعليم العالي العامة والخاصة لتنسجم والمعايير الدولية، حيث صدر أول قانون لهيئة الاعتماد رقم (20) لعام 2007 بحيث أعُطيت الهيئة استقلالاً مالياً وإدارياً، وفي العام ذاته أنشئ صندوق دعم البحث العلمي والابتكار.

وأُعيد النظر في قانون الجامعات الرسمية والجامعات الخاصة وقانون التعليم العالي، وبعد صدور القانون الجديد للتعليم العالي والبحث العلمي رقم (17) لسنة 2018 وقانون الجامعات الأردنية رقم (18) لسنة 2018، أصبحت بموجبه الجامعات الأردنية تتمتع بمزيد من الاستقلالية في الشؤون الإدارية والمالية.

وشهد قطاع التعليم العالي في الأردن لاحقاً نمواً ملحوظا بعد زيادة عدد مؤسسات التعليم العالي وأعداد الطلبة المسجلين وأعضاء هيئة التدريس وأعضاء الهيئة الإدارية.

ويبلغ عدد الجامعات الرسمية حالياً 10 عشر جامعات، مقابل 16 جامعة خاصة و44 كلية جامعية وكلية مجتمع، بالإضافة إلى جامعة إقليمية واحدة، وجامعتين مُنشأتين بقانون خاص.

وبلغ عدد الطلبة الموجودين حالياً على مقاعد الدراسة في العام الجامعي 2020/2021 في مختلف الدرجات والبرامج الجامعية نحو 348 ألف طالب وطالبة تُشكل الإناث منهم 52%، وبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس أكثر من 12 ألف عضو موزعين على مختلف التخصصات الجامعية.

ويدرس في الجامعات الأردنية أكثر من 40 طالبا وافدا من 105 دول، وفق أرقام وزارة التعليم العالي.

بلغ عدد خريجي الجامعات الأردنية في العشرين عاما الأخيرة 1055282، وبلغ إجمالي الدعم الحكومي النقدي للجامعات الأردنية الرسمية للأعوام (2001 - 2020) ما مجموعه 1.283 مليار دينار أردني.

وبلغ مجموع ما أنفقته الجامعات الأردنية، وصندوق دعم البحث العلمي والابتكار على البحث العلمي والإيفاد للأعوام (2010 - 2018)، (394095442) ديناراً، وارتفع عدد الأبحاث المنشورة في المجلات العالمية في العشرين عام الأخيرة بواقع 39496 ليبلغ الإجمالي منذ تأسيس الجامعة الأردنية 44515 بحثاً، وعدد براءات الاختراع المسجلة داخل وخارج الأردن في العشرين عام الأخيرة 840 براءة اختراع.

ورافق التوسع في مؤسسات التعليم العالي زيادة في قيمة الدعم المالي الحكومي المقدم للجامعات الرسمية والذي بلغ في العقدين الأخيرين أكثر من مليار ومئتين وخمسين مليون دينار أردني.

وتعتزم وزارة التعليم العالي تطوير الخطط الدراسية للتركيز على الريادة والإبداع وإنشاء حاضنات الأعمال والتكنولوجيا، لتحفيز الطلبة على العمل الريادي وتأسيس شركاتهم الناشئة، إضافةً إلى إكسابهم المهارات المهنية والتقنية لترفع من ميزتهم التنافسية.

وكذلك تحديد الأولويات البحثية الوطنية للمرحلة المقبلة التي تتواءم والظروف التي يمر فيها الأردن وتلبي حاجات المجتمع وتعكس الاحتياجات والمشاكل التي تواجهها القطاعات الاقتصادية المختلفة ومنها (الزراعة، الغذاء، الدواء، المستلزمات الطبية).

وتتجه النية نحو العمل على تحقيق شراكات مع القطاع الخاص والربط ما بين الصناعة والباحثين في الجامعات من خلال إنشاء ودعم الحاضنات في الجامعات الأردنية والقطاع الخاص، بحيث تعمل هذه الحاضنات على تبني الباحثين والمبتكرين الأردنيين ودعمهم لتحويل بحوثهم ومشاريعهم إلى منتجات قابلة للتطبيق على أرض الواقع، إضافةً إلى تعزيز برامج حماية الملكية الفكرية.

400 مليون دينار منح وقروض

أصدر جلالة الملك الحسين إرادته الملكية السامية، بالمكرمة الملكية لأبناء العشائر والمدارس الأقل حظًّا، وأوفدت وزارة التربية والتعليم ثم وزارة التعليم العالي الطلبة الأردنيين في مؤسسات التعليم العالي خارج الأردن، ووفرت مقاعد دراسية في الجامعات خارج الأردن على نفقة الطلبة أنفسهم، وقد بلغ عدد المنح الدراسية الخارجية العام الدراسي 1997/1998 (351) منحة، وبلغ عدد المقاعد الدراسية العام نفسه (482) مقعدًا.

يستفيد من صندوق دعم الطالب الموجه للطلبة الدارسين في الجامعات الأردنية الرسمية ضمن البرنامج العادي أكثر من 40 أربعين ألف طالب سنويا، ليصل عدد الطلبة المستفيدين من البعثات والمنح والقروض منذ تأسيس الصندوق وحتى نهاية 2020 نحو 440 ألف طالب، تلقوا دعما ماليا قدره 400 مليون دينار أردني.

تعليم مهني

وافق مجلس التعليم العالي على إقرار مشروع التطور الوظيفي في المسارات المهنية والتقنية (التجسير والنفاذية ومنح الشهادات المهنية) على مستوى درجة البكالوريوس والماجستير المهني في المسار المهني واعتباره برنامجاً وطنياً، والذي تقدمت به جامعة البلقاء التطبيقية.

وتعتزم وزارة التعليم العالي ومجلس التعليم العالي تطوير التعليم التقني وإعادة النظر في التخصصات الأكاديمية في الجامعات والكليات الأردنية، والتوسع في التخصصات التطبيقية والتقنية التي تلبي حاجة سوق العمل، وتقنين الالتحاق بالبرامج الراكدة والمشبعة، للتخفيف من البطالة.

ويجري العمل حالياً على إنشاء المركز الوطني لاستخدام التكنولوجيا وادماج مصادر التعليم المفتوحة لتعزيز عملية سير التعلم عن بعد في الجامعات الأردنية، ويعمل مجلس التعليم العالي على إعادة النظر بسياسات وأسُس القُبول الجامعي لتأخذ بعين الاعتبار اهتمامات الطلبة ورغباتهم لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص.

المملكة

المصادر:

وزارة التعليم العالي

موقع مئوية الدولة الأردنية

كتاب تطور التربية والتعليم في الأردن لوزارة التربية والتعليم

كتاب نظام التربية والتعليم في الأردن لعبدالله الرشدان وعمر الهمشري

كتاب التربية والتعليم في الأردن منذ العهد العثماني حتى عام 1997 لمحمد العمايرة

وزارة التربية والتعليم