أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن فصائل مقاتلة أسقطت طائرة حربية تابعة للحكومة السورية الأربعاء وأسرت طيارها في منطقة إدلب شمال غرب سوريا.

ونقلت الوكالة السورية الرسمية للأنباء، عن مصدر عسكري أن "طائرة حربية كانت مكلفة الأربعاء بمهمة تدمير مقرات جبهة النصرة في منطقة التمانعة، تعرضت لإصابة بصاروخ مضاد للطيران أطلقته تنظيمات ... مسلحة منتشرة في المنطقة، ما أدى إلى إسقاط الطائرة، وما يزال مصير الطيار مجهولاً".

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن "إن طائرة سوخوي حربية تابعة للحكومة السورية سقطت في ريف إدلب الجنوبي بمحور ترعي - السكيك وذلك بعد استهدافها من قبل فصائل ... في المنطقة"، في إشارة بشكل خاص إلى هيئة تحرير الشام التابعة لتنظيم القاعدة.

وأفاد مراسل فرانس برس في المكان أن سحابة كبيرة من الدخان الأسود ارتفعت فوق مكان تحطم الطائرة، حيث كان بالإمكان مشاهدة محرك وكرسي وجناح عليه علم الحكومة السورية.

وأوضح عبد الرحمن "تم إلقاء القبض على الطيار من قبل المقاتلين وهو الآن بين أيدي هيئة تحرير الشام"، مضيفا أنها "المرة الأولى التي يتم فيها إسقاط طائرة تابعة للحكومة منذ بدء التصعيد" في هذه المنطقة من سوريا في نهاية نيسان/أبريل الماضي.

وتبنت هيئة تحرير الشام في بيان مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة. وجاء في البيان "أسقطت سرية الدفاع الجوي التابعة لهيئة تحرير الشام طائرة حربية من نوع سوخوي 22  بالقرب من منطقة التمانعة" في بلدة اللطامنة على بعد كيلومترات قليلة من مدينة خان شيخون.

وجاء إسقاط الطائرة متزامنا مع محاولة قوات الحكومة التقدّم إلى مدينة خان شيخون، كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي بعد تعرضها لقصف جوي كثيف منذ بدء التصعيد، لم يستثن الأحياء السكنية ولا المرافق الخدمية، وتسبب بنزوح غالبية سكانها تدريجياً.

وتتعرض محافظة إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة منذ 30 نيسان/أبريل لتصعيد في القصف من قبل قوات الحكومة وحليفتها روسيا. وتكثّف قوات الحكومة منذ نحو أسبوع عملياتها القتالية في ريف إدلب الجنوبي، بعدما اقتصرت غالبية الاشتباكات على ريف حماة الشمالي المجاور منذ بدء التصعيد.

مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان قال إن قوات الحكومة "باتت الأربعاء على بعد أربعة كيلومترات من خان شيخون من جهة الغرب، ولم تعد تفصلها عن المدينة إلا أراض زراعية".

وفي المنطقة الواقعة شرق خان شيخون، دارت الأربعاء معارك عنيفة بين قوات حكومية من جهة وهيئة تحرير الشام والفصائل المعارضة من جهة ثانية، بينما تحاول الحكومة السيطرة على تلة استراتيجية تقع على بعد نحو ستة كيلومترات من المدينة.

وقال عبد الرحمن إن المدينة "أصبحت عملياً بين فكي كماشة من جهتي الشرق والغرب".

وتمكنت قوات الحكومة الأربعاء من السيطرة على خمس قرى غرب خان شيخون، قريبة من بلدة الهبيط التي سيطرت عليها الأحد بعد معارك شرسة ضد هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل إسلامية ومعارضة.

وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية، سانا، أن السيطرة على هذه القرى تمّت "بعد القضاء على آخر تجمعات إرهابيي تنظيم جبهة النصرة والمجموعات التي تتبع لهم فيها".

 

مقتل مسعف وممرض

وتتزامن المعارك مع قصف كثيف وغارات سورية وأخرى روسية على ريف إدلب الجنوبي، حيث قتل أربعة مدنيين في قرية معرة حرمة وجوارها بينهم مسعف من الخوذ البيضاء وممرض من منظمة غير حكومية.

وأعلن الدفاع المدني السوري أن القتيل يونس بلوظ متطوع لديه "استشهد جراء استهدافه بغارة مزدوجة من الطيران الحربي الروسي، أثناء قيامه بواجبه الإنساني بإسعاف المدنيين".

وتسببت الغارات والمعارك بحركة نزوح واسعة من المناطق التي لا تزال تضم مدنيين. وأفاد مراسلو فرانس برس عن توجه عشرات السيارات والحافلات المحملة بالسكان وحاجياتهم من المنطقة الجنوبية باتجاه مناطق الشمال التي لا يشملها التصعيد.

وقرب مدينة سرمدا شمالاً، قال أبو أحمد (55 عاماً) الذي فرّ مع عائلته من مدينة معرة النعمان لفرانس برس "الطيران يقصف والمدفعية تقصف ... والحالة سيئة جداً".

وتابع بحسرة "نريد النجاة بأرواحنا ... تركنا الغنم وتركنا بيوتنا وهربنا" بعدما طال القصف في الأيام الأخيرة المدينة.

"تركنا أرضنا"

وقالت زوجته أم أحمد التي جلست قربه في سيارته من طراز بيك أب وهي تحمل طفلين صغيرين وتقف طفلتها قربها "تركنا بيتنا وأملاكنا وأرضنا المليئة بالمحاصيل من البطيخ والعنب والتين".

ومنذ بدء قوات الحكومة تصعيدها على إدلب ومحيطها، باتت مناطق بأكملها خصوصاً في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي شبه خالية من سكانها. وأحصت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 400 ألف شخص هرباً من القصف والمعارك.

وأوقعت المعارك المستمرة بين الطرفين الأربعاء وفق المرصد 31 مقاتلاً من الفصائل المقاتلة مقابل 16 من قوات الحكومة ومسلحين موالين لها.

وتسيطر هيئة تحرير الشام على الجزء الأكبر من محافظة إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة. كما تنتشر فيها فصائل إسلامية ومعارضة أقل نفوذاً.

ومنطقة إدلب ومحيطها مشمولة باتفاق روسي تركي منذ أيلول/سبتمبر 2018، نصّ على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مناطق سيطرة قوات الحكومة والفصائل. كما يقضي بسحب الفصائل المعارضة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة وانسحاب المجموعات المقاتلة من المنطقة المعنية. إلا أنه لم يتم استكمال تنفيذه.

وأرسى الاتفاق هدوءاً نسبياً، قبل أن تبدأ دمشق تصعيدها منذ نهاية نيسان/أبريل وانضمت إليها روسيا لاحقاً، ما تسبب بمقتل 820 مدنياً وفق المرصد، ودفع أكثر من 400 ألف شخص إلى النزوح، بحسب الأمم المتحدة.

وأعلنت دمشق مطلع الشهر الحالي موافقتها على وقف لإطلاق النار استمر نحو أربعة أيام، قبل أن تقرر استئناف عملياتها العسكرية، متهمة الفصائل بخرق الاتفاق واستهداف قاعدة حميميم الجوية التي تتخذها روسيا مقراً لقواتها في محافظة اللاذقية الساحلية.

"أداة ضغط"

وتكثّف قوات الحكومة منذ أسبوع عملياتها في ريف إدلب الجنوبي، في محاولة للتقدم إلى خان شيخون ومحاصرة ما تبقى من بلدات تحت سيطرة الفصائل في ريف حماة الشمالي.

وإلى جانب كونها كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي، يمّر في خان شيخون وبلدات مجاورة في إدلب جزء من طريق استراتيجي سريع، يقول محللون إن دمشق ترغب باستكمال سيطرتها عليه.

ويشكل الطريق شرياناً حيوياً يربط بين أبرز المدن تحت سيطرة قوات النظام من حلب شمالاً مروراً بحماة وحمص وسطاً ثم دمشق وصولاً إلى معبر نصيب الحدودي مع الأردن.

ويقول الباحث في مركز عمران للدراسات ومقره إسطنبول نوار أوليفر لفرانس برس إن قوات الحكومة وروسيا "لن تتردد في السيطرة على كل ما ستتمكن من قضمه" في إدلب.

ويضيف "تسعى قوات الحكومة ومن خلال الدعم الروسي الكبير ليس فقط إلى فتح الطريق الدولي، ولكن فرض واقع جديد على المنطقة والفصائل وحليفتها تركيا، واستخدامه كأداة أو سلاح في أي عملية تفاوض حالية أو مستقبلية".

وخلال سنوات النزاع، لطالما اتبعت قوات الحكومة بدعم روسي استراتيجية القضم التدريجي لمعاقل الفصائل تمهيداً للسيطرة عليها.

وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبّب منذ اندلاعه في 2011 بمقتل أكثر من 370 ألف شخص وأحدث دماراً هائلاً في البنى التحتية وأدى الى نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.

المملكة + أ ف ب