يُشارك الأردن، الثلاثاء، في "ورشة البحرين"، التي تقول الولايات المتحدة إنها دعت إليها في مسعى لدعم اقتصادات الأراضي الفلسطينية ودول مجاورة، متمسكا بمبادئه الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، بالرغم من "صعوبة الموقف"، وفقاً لمختصين.

وزارة الخارجية أعلنت، السبت، مشاركة الأردن في ورشة "السلام من أجل الازدهار" في العاصمة البحرينية، المنامة، يومي الثلاثاء والأربعاء، "للاستماع لما سيُطرح، والتعامل معه وفق مبادئه الثابتة، وأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى، وأن لا بديل لحل الدولتين الذي يضمن جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفِي مقدمتها حقه في الحرية والدولة على ترابه الوطني وفق قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية".

وأضافت في بيان: "موقف الأردن الراسخ الواضح أن لا طرح اقتصادياً يمكن أن يكون بديلاً لحل سياسي ينهي الاحتلال، ويلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني".

المحلل السياسي مجيد عصفور، قال، إن الأردن "أوصل ثوابته إلى المعنيين بالورشة قبل انعقادها، سواء بشكل دبلوماسي أو إعلامي، والتي تحمل رأي وشروط الأردن لحل القضية الفلسطينية".

عصفور أوضح لـ "المملكة" أن الأردن "لن يتزحزح عن ثوابته، وحرصه على مصالحه العليا في أي حل للقضية الفلسطينية والتي تشمل رفض التوطين وتغيير الوضع القائم في القدس، والتأكيد على حل الدولتين على أراضي 1967 وعاصمتها القدس".

"الأردن متمسك بهذه الثوابت"، يقول عصفور.

"موقف صعب"

وزير التنمية السياسية الأسبق صبري اربيحات قال، إن "الموقف الأردني لا يتلاقى مع أجندة الورشة التي تهدف إلى إعادة تعريف القضية الفلسطينية على أنها قضية إنسانية اقتصادية؛ رغم كونها في الحقيقة سياسية مرتبطة بالأرض والحقوق".

"الأردن في موقف صعب؛ نظراً لمشاركة حلفائه في الورشة، واختلاف موقفه عنهم"، يقول اربيحات.

ويعتقد اربيحات أن بإمكان الأردن "خلق تيار داخل الورشة للتأكيد على مواقفه التاريخية من القضية الفلسطينية"، حسبما قال لـ "المملكة".

"المطلوب من الأردن الموازنة في كيفية لعب أوراقه بشكل يُعبر من خلاله عن موقفه المتضمن لاءات الملك الثلاث، والإصرار على حل الدولتين"، يضيف الوزير السابق.

الملك قال في آذار/مارس، إن القدس ومستقبل فلسطين تمثل خطاً أحمر بالنسبة للأردن، مضيفاً "كلا على القدس، كلا على الوطن البديل، كلا على التوطين".

عصفور يقول، إن الأردن سيكون في المنامة "مجرد مستمع، وإن تحدث سيوصل الثوابت ذاتها".

ويقول اربيحات، إن مشاركة الأردن "قد تُقلق" البعض، وتكون "مصدر تساؤل لمعسكر الممانعة"، لكنه "يحضر الورشة بشكل لا يُغضب الحلفاء ودون خسارة موقفه المبدئي".

ويرى أن الحدث مهم، وأن "الخيار الأردني مدروس بعمق بشكل مؤكد"، لكنه يأمل أن "يخرج الأردن من الورشة بأقل الخسائر".

في الوقت نفسه، يتوقع عصفور "فشل" الورشة "وعدم مرور الحل السياسي" بعدها.

"المشروع سيوضع على ‘الرف‘ مثل كل المشاريع التي لم تنجح؛ لأنها لم تلامس الحقوق الوطنية المشروعة للقضية الفلسطينية"، وفقاً لعصفور.

وأضاف أن "المساعدات الموعود بها مستحيلة، حتى لو قبل الفلسطينيون بها، فكيف تجعل شعباً يزدهر وهو تحت الاحتلال"؟

وتتألف الخطة الأميركية من شق سياسي، يتناول قضايا جوهرية مثل وضع القدس، وشق اقتصادي، يهدف إلى "تعزيز اقتصاد الفلسطينيين"، وفقا للبيت الأبيض.

مسؤولون أميركيون ألمحوا إلى أنّ الخطة المرتقبة لن تتطرّق إلى قيام دولة فلسطينية مستقلّة، وهو ما كانت تعد به الدبلوماسية الأميركية على مدى عقود.

خطة إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاقتصادية للسلام في الشرق الأوسط التي يبلغ حجمها 50 مليار دولار، تدعو لإقامة صندوق استثمار عالمي لدعم اقتصادات الفلسطينيين.

والدول العربية المجاورة منها الأردن، وبناء ممر بكلفة 5 مليارات دولار يربط الضفة الغربية بقطاع غزة، وفقا لمسؤولين أميركيين، ووثائق اطلعت عليها رويترز.

وتتضمن الخطة، التي يتوقع أن تنفذ في 10 أعوام، إسهام دول مانحة بـ 7.5 مليارات دولار للأردن، وتمويل 15 مشروعاً.

وتقترح إيجاد مليون فرصة عمل للفلسطينيين، ومضاعفة إجمالي ناتجهم المحلّي.

وسيشارك في المؤتمر وزراء مالية من دول خليجية، بالإضافة إلى وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد.

"الورشة قد تحتاج عشرات السنين لتنفيذها، في حال نجاحها بالأصل،" يقول ربيحات.

"اتساق وليس تناقض"

واشنطن قطعت دعمها العام الماضي للفلسطينيين، ولوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، لكنها تقول إنها ترغب عبر ورشة البحرين في دعم الفلسطينيين وتمكينهم اقتصادياً.

عصفور لا يرى تناقضاً في موقف واشنطن، "فقطع المساعدات جاء لخنق الفلسطينيين وإرضاخهم للشروط التي ستملى عليهم لاحقاً في خطة السلام الأميركية".

أما قطع دعم واشنطن لـ أونروا، فيرى فيه عصفور "رغبة من الإدارة الأميركية في تحقيق مقولتها إن ’اللجوء لا يورث’ ... "

ويتفق اربيحات مع عصفور.

"تصرفات واشنطن متسقة، وتهدف إلى الضغط على الفلسطينيين للقبول بما تطرح الولايات المتحدة ... ومحاولة إعادة تعريف القضية من قضية أرض وشعب وحقوق سياسية إلى قضية اقتصادية إنسانية دون الالتفات للمطالب التاريخية التي أدت لتأجيج الصراع،" يقول اربيحات.

"الشق السياسي قبل الاقتصادي"

جاريد كوشنر، مستشار ترامب وصهره، قال الاثنين، إن الورشة "تحاول أن تخرج بمنهج جديد وتطبقه"، مضيفا: "إذا طُبق المنهج الجديد من الورشة، نأمل بالوصول لحل سياسي".

أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأردنية، حسن البراري، قال لـ "المملكة" إن الشق السياسي في صنع السلام يأتي عادة قبل الشق الاقتصادي لتثبيته وتعزيزه".

أما مدير مركز نما للدراسات، فارس بريزات، فيرى أن ورشة المنامة من المفترض أن تُناقش مشاريع اقتصادية؛ مما يعني أن "السلام من أجل الازدهار" سيكون "مقرراً سلفاً، وعلى المشاركين القبول من الناحية النظرية بالسلام الذي يطرحه الأميركيون، وهو سابق للازدهار الاقتصادي، بالاستناد لاسم الورشة".

بريزات شدد على ضرورة "الفصل بين الاقتصاد والسياسة"، ويرى أن القضية الفلسطينية "بالنسبة للجميع ليست قضية تحسين ظروف معيشية للفلسطينيين، بل هي متعلقة بالاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني".

"هذا هو الأساس؛ لأنها قضية سياسية لها علاقة بالهوية الوطنية الفلسطينية قبل أن تكون قضية اقتصاد"، بحسب بريزات.

موقف السلطة الفلسطينية الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قال الشهر الماضي، إن "من يريد حل القضية الفلسطينية عليه أن يبدأ بالقضية السياسية ... قضيتنا سياسية بامتياز".

وأضاف: "ستذهب صفقة القرن، أو ‘صفقة العار‘ إلى الجحيم، وسيذهب المشروع الاقتصادي الذين يعملون على عقده الشهر المقبل ليقدموا لنا أوهاماً كذلك إلى الجحيم".

منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية قالت في تقرير، إن خطة السلام الأميركية للمنطقة "لم تعالج أهم عائق أمام التنمية الاقتصادية: الانتهاكات الإسرائيلية ضد الحقوق الإنسانية للفلسطينيين"، ووصفتها بأنها "منفصلة عن الواقع".

وانتقد التقرير عدم إشارة الخطة إلى "السرقة المنهجية لآلاف الهكتارات من الأراضي الفلسطينية الخاصة في الضفة الغربية من قبل السلطات الإسرائيلية".

ويرى البراري أن توقيت الورشة "الاقتصادية" قبل إعلان الشق السياسي يأتي كـ "رشوة" لموافقة الدول على "صفقة القرن".

البراري قال، إن التنازل عن القدس وحقوق الفلسطينيين مستبعد من الدولة الأردنية، وهو ما تحدث به الملك مسبقاً في عدة لقاءات.

وقال البراري، إن الورشة لن تنجح، مضيفاً أن الضغوط على الأردن "واضحة من جميع الجهات".

المملكة