أبلغ البيت الأبيض الثلاثاء الكونغرس بأنّه يرفض التعاون مع التحقيق الجاري بشأن احتمال إطلاق إجراءات لعزل الرئيس دونالد ترامب، معتبراً أنّ هذا التحقيق يفتقد إلى الشرعيّة الدستوريّة.

وفي رسالة من ثماني صفحات وقّعها محامي البيت الأبيض بات سيبولوني، رفَضَ الأخير التحقيق الجاري في مجلس النواب والهادف إلى كشف ما إذا كان ترامب قد استغلّ منصبه عبرَ طلبه من كييف فتح تحقيقٍ بالفساد يطال جو بايدن، المرشّح الديمقراطي الأوفر حظا لمواجهته في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وقال محامي البيت الأبيض في الرسالة التي بعثها إلى الرئيسة الديمقراطيّة لمجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إنّ "تحقيقكم يفتقد إلى الأسس الشرعيّة الدستوريّة وأدنى مظاهر الحياد"، مضيفا أنه في ظل هذه الظروف "لن يسمح الرئيس ترامب لإدارته بالمشاركة في هذا التحقيق المنحاز".

واحتجّ البيت الأبيض خصوصًا على عدم إجراء مجلس النوّاب تصويتًا رسميًا لإطلاق التحقيق.

وجاء في رسالة سيبولوني "أنتم تُحاولون إلغاء نتائج انتخابات 2016 وحرمان الأميركيين من الرئيس الذي اختاروه بحرّية".

وتابع محامي البيت الأبيض "نأمل، في ضوء الثّغرات الكثيرة التي رصدناها في إجراءاتكم، أن تتخلّوا عن جهودكم الحاليّة الباطلة والرامية إلى إطلاق إجراءات العزل، وأن تنضمّوا إلى الرئيس في التركيز على الأهداف الكثيرة التي تهمّ الأميركيين". 

واحتدمت المواجهة الثلاثاء بين ترامب والديمقراطيّين في الكونغرس، بعد أن منعت الخارجيّة الأميركية السفير الأميركي لدى الاتّحاد الأوروبي من الإدلاء بشهادته أمام لجان نيابيّة في إطار الإجراءات عزل ترامب.

وكان السفير غوردون سوندلاند وافق طواعية على الإدلاء بشهادته أمام مجلس النوّاب الذي كان من المتوقّع أن يستجوبه بشأن ضغوط قد يكون ترامب مارسها على أوكرانيا لإجراء تحقيق يتعلّق بمنافسه جو بايدن. 

و"لكن في وقت مبكر هذا الصباح، أوعزت له وزارة الخارجيّة الأميركيّة بعدم الذهاب للإدلاء بشهادته المقرّرة"، من دون توضيح أسباب هذا القرار، وفق ما قال محاميه روبرت لوسكن.

وفيما قال المحامي إنّ وزارة الخارجية كانت وراء القرار، سارع ترامب إلى تبنّي المسؤوليّة. وقال لمتابعيه على تويتر إنّه كان يرغب في أن يُرسل سوندلاند للمثول أمام مجلس النواب "ولكن للأسف فقد كان سيدلي بشهادته أمام محكمة مهزلة يتم فيها نزع حقوق الجمهوريين، ولا يُسمح لعامة الناس برؤية الحقائق الفعلية". 

وتُصعّد هذه الخطوة التي جاءت قبل ساعات من الموعد المقرر لإدلاء سوندلاند بشهادته، المواجهة بين البيت الأبيض والديمقراطيين الذين يحققون في إمكانية ارتكاب ترامب مخالفات قد تؤدي إلى عزله بينها عرقلة عمل العدالة. 

ويُكرّر الديمقراطيون الذين يقودون التحقيق، التحذير بأنّ محاولات الإدارة لعرقلة التحقيق ستُعتبَر عرقلةً لعمل العدالة. وأكّدوا هذه النقطة مجدّداً الثلاثاء بعد خطوة البيت الأبيض. 

وصرّح رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب آدم شيف للصحافيين "نعتبر عدم السماح بمثول هذا الشاهد دليلاً إضافياً على عرقلة الوظائف الدستورية للكونغرس". 

وأعلن الرؤساء الديمقراطيّون للّجان المكلّفة هذا التحقيق الثلاثاء، أنّ البيت الأبيض "بمنعه لاعباً أساسياً في المسألة الأوكرانيّة من الإدلاء بشهادته، يُحاول مرة أخرى عرقلة التحقيق الهادف لعزل" ترامب.

وأضافوا في بيان "سنوجّه أوامر الى السفير سوندلاند" لإجباره على الإدلاء بشهادته وتسليم الوثائق التي لا تُريده وزارة الخارجيّة أن يُسلّمها.

وانتقل البيت الأبيض إلى الهجوم المضادّ في هذا التحقيق الحساس، رافضًا طلبات عدّة تقدّم بها الديمقراطيون، معتبرًا أنّ الهدف منها هو الإضرار بترامب مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في العشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

في المقابل، وفي تحذير واضح ذهب الديمقراطيون إلى حدّ التذكير بأنّ أحد الأسباب الثلاثة التي دفعت إلى الدخول في إجراءات لعزل الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون عام 1974 قبل استقالته، كانت عرقلة عمل العدالة.

مقرب من ترامب

وأضاف محامي سوندلاند الذي وصل من بروكسل إلى واشنطن طوعا للإدلاء بشهادته أمام مجلس النواب، أن سوندلاند يأمل في "إيجاد حل سريع للمشاكل التي أوردتها وزارة الخارجية" لمنعه من تقديم شهادته.

وسوندلاند رجل أعمال جمع ثروة من العمل في القطاع الفندقي، وشارك في تمويل حملة ترامب وحفل تنصيبه.

ويبدو أنه من مركز عمله في بروكسل شارك هذه السنة في تبادل رسائل هاتفية قصيرة بين عدد من الدبلوماسيين المتورطين بما عرف بالمسألة الأوكرانية.

وقد سلمت هذه الرسائل القصيرة الأسبوع الماضي إلى مجلس النواب وساهمت في تعزيز شكوك الديمقراطيين بأن الرئيس الأميركي مارس ضغوطا الصيف الماضي على نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لحضه على البحث عن معلومات قد تحرج منافس ترامب الديمقراطي جو بايدن.

ويتهم الديمقراطيون ترامب بأنه أساء بذلك استخدام سلطته لغايات انتخابية شخصية، وبأنه قام لاحقا بالعمل على طمس تدخّله هذا.

وكانت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي أعلنت في الرابع والعشرين من أيلول/سبتمبر الماضي فتح تحقيق تمهيدًا لعزل ترامب من منصبه الرئاسي.

دعوة جولياني للمثول أمام مجلس الشيوخ

وقال شيف رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب "نعلم أن السفير سوندلاند كان عنصرا فاعلا في الجهود للحصول من أوكرانيا على التزام بالتحقيق في نظرية مؤامرة خيالية تتعلق بالانتخابات الرئاسية عام 2016، وبجو بايدن وابنه هانتر".

كما أعلن أن السفير سوندلاند يملك "رسائل قصيرة ورسائل الكترونية مهمة جدا للتحقيق القائم، لكن الخارجية الأميركية ترفض تسليمها".

وفي الرسائل الهاتفية القصيرة التي كشف الديمقراطيون عما تضمن بعضها الأسبوع الماضي، يعرب الدبلوماسي المتمرس بيل تايلور الذي يعمل في السفارة الأميركية في كييف في رسالة قصيرة تحمل تاريخ التاسع من أيلول/سبتمبر عن دهشته لتجميد تسليم مساعدة عسكرية لأوكرانيا للضغط على كييف.

وقال تايلور في رسالته القصيرة "أستغرب جدا تعليق مساعدة عسكرية للحصول على مساعدة في حملة سياسية".

ودخل سوندلاند ليضع حدا لتبادل الرسائل هذا كاتبا إلى تايلور "بيل، أعتقد بأنك مخطئ بشأن نوايا الرئيس ترامب. لقد كان الرئيس واضحا جدا، لا يوجد مقابل بأي شكل من الأشكال". وقد ردد ترامب هذه الجملة الأخيرة صباح الثلاثاء.

وأعلن بعدها السناتور الجمهوري في مجلس الشيوخ ليندسي غراهام أنه ينوي دعوة رودي جولياني محامي ترامب للمثول أمام مجلس الشيوخ حيث الأكثرية للجمهوريين وتقديم شهادته بشأن مسائل "فساد" في أوكرانيا.

وهذا يعني أن الجمهوريين يمهدون للتركيز إعلاميا على الشكوك التي يبثها المحامي جولياني منذ أشهر بشأن بايدن وابنه.

أ ف ب