أجبرت "الجلوة" محمد وعائلته على مغادرة بيتهم في قرية من قرى محافظة الكرك قبل أكثر من 8 سنوات بسبب جريمة لم يرتكبها، ولم يتمكنوا من العودة حتى الآن.

"غادرنا إلى محافظة معان بسبب جريمة قتل ارتكبها ابن عمّي في عام 2010 ولم نعد إلى منزلنا حتى الآن"، يقول الشاب الثلاثيني لموقع قناة المملكة الإلكتروني.

"اضطررنا إلى ترك أعمالنا وكل شيء في قريتنا. قبل ذلك، سجنت أنا و 6 من أقربائي لمدة 4 سنوات بسبب اشتراكنا في مشاجرة إثر حرق بيوتنا بعد جريمة القتل. تغيرت بعد ذلك حياتنا" يضيف محمد.

معاناة محمد تلخص الصعوبات التي يمر بها أهل الجاني، بما في ذلك إيجاد سكن وإلحاق أبنائهم وبناتهم في مدارس جديدة، وقد تتعرّض أموالهم وممتلكاتهم للنهب والسرقة، بحسب مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني، وهو منظمة غير حكومية.

في عام 2012، سجل الأردن 14 جلوة، وفي عام 2011، وصلت حالات الجلوة إلى 16 كان أبرزها إجلاء 300 شخص من عشيرة واحدة في محافظة الزرقاء، في حين بلغت 6 في عام 2010، بحسب مسؤول أمني، فيما لم يتسن الحصول على أرقام أحدث.

مسودة القانون المعدل (2016) لقانون منع الجـرائم (1954)، التي لا تزال في ديوان التشريع والرأي، تعرف الجلوة على أنها "ترحيل ذوي الجاني عن المنطقة التي يقيم فيها ذوو المجني عليه".

"لا تشمل الجلوة إلا الجاني وأبناءه ووالده فقط، وأن لا تزيد مدتها على سنة قابلة للتجديد بموافقة الحاكم الإداري المختص بناءً على توصية المجلس الأمني للمحافظة أو اللواء حسب مقتضى الحال، وأن تكون من لواء إلى لواء داخل المحافظة الواحدة" حسب المادة 16/ب من المسودة.

جاء ذلك بالرغم من صدور "قانون إلغاء القوانين العشائرية رقم (34)" عام 1976 -- بما في ذلك قوانين محاكم العشائر، وتأسيس محكمة استئناف عشائرية، والإشراف على البدو -- ونشره في الجريدة الرسمية في الصفحة (1299) من العدد (2629).

مسألة شائكة

تخفيف آثار الجلوة على الناس مطلب أساسي لقيادات العشائر والمحافظين؛ لأنه يمسّ المجتمع ويمثّل ظلماً للناس وإجحافاً بحقوقهممسؤول حكومي رفيع المستوى

"لكن المسألة شائكة ولا تزال قيد البحث والدراسة في وزارة الداخلية، وننتظر قرارا رسميا منها ومن رئاسة الوزراء" يضيف المسؤول لموقع قناة المملكة الإلكتروني.

"أدعو إلى اقتصار الجلوة على الأفراد الذين يتضمنهم دفتر عائلة الجاني، وتوحيد ذلك في جميع محافظات المملكة ليتقيد الناس به" وفق المسؤول الذي اعتمد على مسودة القانون المعدل لقانون منع الجـرائم.

لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان في مجلس النواب دعت إلى إعادة النظر بالمواد القانونية المتعلقة بالجلوة "لوضع ضوابط تحد من معاناة المواطنين".

شخصيا، أنا ضد قوننة الجلوة لأي سبب أو مبررات كانت، خاصة أنها تحمل أثاراً سلبية على المواطنين الذين لا علاقة لهم بالأمر، وتتنافى مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان التي ترفض العقاب الجماعي، وتتعارض مع مبادئ فردية العقاب عضو اللجنة، النائبة المحامية وفاء بني مصطفى

"حاولنا التخلص من نظام الجلوة بصورة كاملة، خاصةً أنها غير موجودة في القانون المدني ... لكن من أجل منع إجلاء المزيد من المواطنين الأبرياء من مساكنهم، رفعنا توصيات لوزير الداخلية لجعل الجلوة تقتصر على الأفراد المذكورين في دفتر العائلة فقط" توضح بني مصطفى.

"حجم تطبيق التوصيات بسيط جداً، ولاحظت في الفترة الأخيرة أن بعض حالات الجلوة اقتصرت على دفتر العائلة، في حين يصر آخرون على الاستمرار في العرف القديم بإجلاء عائلات أكثر" بحسب بني مصطفى، التي وصفت الجلوة بـ "الممارسات الخاطئة".

"ميتنا لن يحيا"

في شهر يونيو 2018، رفضت إحدى عشائر الكرك إجلاء أهل شخص قتل أحد أبنائهم، واحتكمت إلى القضاء.

"قامت السلطات الأمنية بإجلاء أهل الجاني بهدف التحقيق في الجريمة والبحث عن الجاني، لكنا رفضنا ذلك وسعينا لإعادة أهله إلى منازلهم وعقد صلح عشائري دون شروط منا. أهل الجاني طالبوا من خلال مذكرة بإعدام ابنهم على ما اقترفه" يقول شقيق المجني.

ندرك تماما أن ميتنا لن يحيا بترحيل أهل الجاني أو الإضرار بمنازلهم أو بمصالحهم. نتأمل أن يأخذ القضاء مجراه في محاسبة القاتلأحد أبناء عشيرة في الكرك

باسل الطراونة، المنسق الحكومي لحقوق الإنسان، يرى أن الجلوة "عبء على عائلات الجاني والمجني عليه أيضاً في إطار الإبعاد عن المساكن والخدمات التعليمية".

"الجلوة العشائرية مسار بحث دائم لدى المطبخ الرسمي لتحديد الأمور المتعلقة بها. مع التركيز على العمل بطريقة متجردة في هذا الإطار ضمن منظومة التقدم الحاصلة في العالم" يقول الطراونة.

الأردن يحرص دائما على الموائمة بين تطبيق التشريعات الوطنية وعدم الإخلال بالالتزامات الدولية بهدف إيلاء منظومتي الأمن والسلم المجتمعيباسل الطراونة، المنسق الحكومي لحقوق الإنسان

ويوضح الطراونة، أن وزارة الداخلية "تسعى إلى اتخاذ إجراءات تسهيلية مع الأخذ بالاعتبار عدم مخالفة الاتفاقيات ومراعاة الدستور والقوانين".

المركز الوطني لحقوق الإنسان أوصى في تقريره لعام 2016، بضمان عدم إبعاد أي شخص عن مكان إقامته تحت مفهوم الجلوة، أو قصرها على الجاني وأسرته من الدرجة الأولى فقط.

من الجد 1 حتى 5

وتفرض الجلوة إجراءات على أفراد عائلة الجاني لتصل إلى الجد الخامس، الذي "يختفي عن الأنظار في بداية ما يعرف بفورة الدم احتراما للقضية قبل أن يعود بعد ذلك" وفقا لقضاة عشائريين. الأمثال الشعبية تصف الجد الخامس بأنه "يهد ولا يمد" أي لا يرحل.

أما الجد الرابع، فيذهب إلى منطقة تحددها مجموعة عشائر من المنطقة نفسها. ويعقد مجلس شورى في بيت يطلق عليه "منقع دم"، ملزما الجد الرابع بدفع مبلغ مالي يسمى "بعير النوم" أو "ناقة المرتع" دلالة على ثمن الجمل، المترواح بين 500-2000 دينارمن أجل السماح للجد الرابع بالعودة.

أما الجد الثالث فيغادر المنطقة ولا يعود إلا بموافقة أهل المعتدى عليه، بينما يرحّل الجدان الثاني والأول لفترة يحددها اتفاق عشائري.

أصبحت الجلوة صعبة التطبيق لصعوبة التنقل بعد تحول الناس من الخيام إلى المباني ومن البادية إلى القرى،" يقول القاضي العشائري دحيلان بن هداية، قاضي عشائري

"اتفقنا قبل 3 سنوات مع وزارة الداخلية على أن لا تتجاوز مدة الجلوة السنة الواحدة، إلا في حالات استثنائية. وطول إجراءات التقاضي في المحاكم لسنوات يدفع الناس إلى البحث عن إجراء فوري، وهنا تكون الجلوة الخيار الأنسب لحقن الدماء والحد من العنف المجتمعي خلال فورة الدم" يضيف بن هداية.

أما القاضي العشائري، موفق الحجايا، فيوضح أن "الجلوة تكون على قضايا القتل والعرض ... القانون العشائري لا يزال يسيطر على أغلب الأمور المتعلقة بالصلح والمدة الزمنية للجلوة والأفراد المشمولين، في حين تبقى محاكمة الجاني في يد المحاكم المدنية".

وطالب الحجايا بتخفيف شروط الجلوة "من أجل تجنب ترحيل مجموعات كبيرة من الناس من مناطق سكنهم".

40 عاما من النقاش

في شهر أبريل، التقت لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان في مجلس النواب، وزير الداخلية سمير مبيضين.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية، بترا، عن رئيس اللجنة، الدكتور المحامي عواد الزوايدة، قوله إن موضوع الجلوة نوقش "على مدى 40 عامًا نظراً لحجم الأضرار التي لحقت بالمواطنين جراء ذلك" مطالبًا باتخاذ "خطوات جادة تعالج هذه القضية ضمن ضوابط ومعايير محددة بحيث يتم حصرها بدفتر عائلة الجاني فقط".

الجلوة نوقشت على مدى 40 عامًا نظراً لحجم الأضرار التي لحقت بالمواطنين جراء ذلكالنائب الدكتور المحامي، عواد الزوايدة، رئيس لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان في مجلس النواب

وأوضح مبيضين، حسب بترا، "أنه سيكون هناك تعديلات عليها، إذ تشمل فقط الأفراد الموجودين في دفتر العائلة، وتكون من لواء إلى لواء آخر" لافتًا إلى أن هذه "التعديلات جاءت بعد اجتماعات مكثفة مع جميع الجهات ذات العلاقة بما فيها لجنة الحريات العامة النيابية وصدور وثيقة رسمية بذلك".

وتنصّ المادة (9) من الدستور الأردني بأنه "لا يجوز أن يحظر على أردني الإقامة في جهة ما، أو يمنع من التنقل، أو أن لا يلزم بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون".

وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تنصّ المادة (13) بأنه "لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة، ويحق لكل فرد أن يغادر أي بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليها" فيما نصّت المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، على أنه "يحظر النقل الجبري الجماعي، أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم (...) أياً كانت دواعيه".

كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون. لا يجوز أن يحظر على أردني الإقامة في جهة ما، أو يمنع من التنقل، أو أن لا يلزم بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون.الدستور الأردني: 7/2، 9

وفقا للطروانة، "السياسات العامة في الدولة تضع في أولوياتها حقوق الإنسان ومنها الجلوة والأعراف الاجتماعية" موضحاً أن "الأردن حريص دائما على الموائمة بين تطبيق التشريعات الوطنية وعدم الإخلال بالالتزامات الدولية، ولذلك فإنه متقدم في هذا الإطار على هذا المستوى".

مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني دعا في تقرير له وزارة الداخلية لوقف "فرض الجلوة بشكلها الحالي على أهالي الجاني تفعيلاً لمبدأ سيادة حكم القانون واحتراما للمادة (2/7) من الدستور التي تنصّ على أن "كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون".

المملكة