شرع البرلمان التونسي الأربعاء، في جلسة عامة في التصويت على الحكومة المقترحة من إلياس الفخفاخ، وقد رافقت مفاوضات تشكيلها تجاذبات سياسية حادة بين الأحزاب.

وفي حال فشلها في نيل ثقة البرلمان، كما كان الأمر عليه مع حكومته الأولى في كانون الثاني/يناير الماضي، فإن الدستور التونسي يقر بحلّ البرلمان والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة.

وتتكون الحكومة التي قدمها الفخفاخ منذ أسبوع من 32 عضواً ما بين وزير وكاتب دولة من بينهم 17 مستقلا وستة عن حزب "النهضة" الأول في البرلمان من حيث عدد المقاعد بـ 54 (من أصل 217).

كما شارك فيها كل من حزب "التيار الديمقراطي" بثلاثة وزراء و"حركة الشعب" بوزارتين وبمثليهما لكل من حركة "تحيا تونس" حزب رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد ولكتلة "الإصلاح الوطني" في البرلمان.

وانطلقت جلسة البرلمان الأربعاء بحضور 180 نائبا.

"أول اختبار في البرلمان"

أسند الفخفاخ وزارات السيادة إلى شخصيات مستقلة هم رئيسة المحكمة الابتدائية والقاضية ثريا الجريبي (العدل) والمستشار القانوني في رئاسة الجمهورية الذي تم تعيينه وهو خبير في اللجنة الوطنية لمقاومة الفساد هشام المشيشي (الداخلية) والخبير في القانون الدولي عماد الحزقي (الدفاع) وخريج المدرسة القومية للإدارة بباريس والسفير السابق بسلطنة عمان نور الدين الريّ (الخارجية).

تأتي جلسة التصويت إثر قبول "النهضة" بحكومة الفخفاخ بعد رفضها التشكيلة الأولى التي قدمها.

وعنونت صحيفة "المغرب" الأربعاء "حكومة الفخفاخ اليوم أمام أول اختبار لها في البرلمان. ... الرجل يتجه اليوم إلى البرلمان مدعوما بأربع كتل برلمانية، النهضة والكتلة الديمقراطية وتحيا تونس والإصلاح مقابل معارضة ثلاث كتل هي قلب تونس والدستوري الحرّ وائتلاف الكرامة أي أن الحكومة مرشحة لنيل حوالي 120 نعم".

وكتبت صحيفة "الشروق": "اليوم الحسم في البرلمان، حكومة الفخفاخ بعد خمسة أسابيع من المناورات والصراعات".

أثير جدل واسع بعد رفض "النهضة" في مرحلة أولى حكومة الفخفاخ، الأمر الذي تطور إلى خلاف في تأويل الدستور بين راشد الغنوشي رئيس الحزب والرئيس التونسي الذي قال بوضوح إنه سيدعو إلى حلّ البرلمان ويدعو إلى انتخابات مبكرة إن لم تحصل الحكومة على ثقة البرلمان.

ويشترط الدستور غالبية 109 من الأصوات للمصادقة على الحكومة.

طالبت النهضة بتشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة الحزب الثاني في البرلمان "قلب تونس" (38 مقعدا)، لكن الفخفاخ عدل تشكيلته مستبعدا "قلب تونس" وقبلت "النهضة" بذلك.

علّل الحزب قبوله بتشكيلة الفخفاخ بالوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي تمر به البلاد والذي يتطلب حكومة في أقرب الآجال وكذلك بالوضع الإقليمي وخصوصا التصعيد العسكري في ليبيا وتداعياته على تونس.

فشل الحبيب الجملي الذي كلفته "النهضة" بتشكيل حكومة في نيل ثقة البرلمان في كانون الثاني/يناير الفائت وقد رفضت الأحزاب قبولها منتقدة استقلالية الوزراء المكلفين وخصوصا الذين تم اقتراحهم على وزارات السيادة.

يدير يوسف الشاهد حكومة تصريف الأعمال في البلاد منذ أربعة أشهر في انتظار حكومة جديدة تشرع في إيجاد حلول عاجلة لتراجع الاقتصاد وتدهور الوضع الاجتماعي.

والفخفاخ (47 عاماً) كان وزيراً للسياحة في أواخر 2011 قبل أن يصبح وزيراً للمالية في كانون الأول/ديسمبر 2012 وهو منصب استمرّ فيه لغاية كانون الثاني/يناير 2014.

ورئيس الوزراء المكلّف متخصّص بالهندسة الميكانيكية وإدارة الأعمال وحاصل على ماجستير بهذين الاختصاصين من فرنسا حيث بدأ حياته المهنية. 

وبعد ثورة 2011 انخرط الفخفاخ في السياسة في صفوف حزب "التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريّات" الذي تحالف مع حركة النهضة في حكومة "الترويكا"، وذلك لغاية 2014.

 "ملفات اقتصادية واجتماعية"

بقدر ما تضم حكومة الفخفاخ من تنوع حزبي يعكس التنوع السياسي والأديولوجي في البرلمان، بقدر ما يُخشى عودة التجاذبات السياسية وانتقالها من البرلمان إلى المجالس الوزارية خصوصا وأن أمام التشكيلة الوزارية تحديات اقتصادية واجتماعية شكلت معضلة لم تتمكن الحكومات المتعاقبة على البلاد منذ ثورة 2011 من حل أو حتى التخفيف من حدتها.

ويأتي في صدارة الاهتمام ملف التشغيل والتضخم والشروع في تنفيذ المشاريع الكبرى. وتبدو المهمة عسيرة مع تسجيل نسبة بطالة في حدود 14,9% وتضخم من 5,9%. في حين لم يتجاوز إجمالي النمو الاقتصادي 1% في 2019 في مجتمع يبلغ عدد سكانه 11,8 مليون شخص.

ويحذر خبراء من أن استمرار هذه المؤشرات قد يقود إلى احتجاجات اجتماعية خصوصاً داخل المناطق التي تشكو من تهميش تنموي منذ عقود ما يجعل الحكومة في مواجهة مطالب الشارع بدلاً من الدخول مباشرة في إنجازات تستجيب بها لتلك المطالب.

 كما أن الاستقرار السياسي عبر تشكيل حكومة يمثل مؤشرا مهما بالنسبة للمانحين الدوليين لتونس، الديمقراطية الفتية التي تسعى عبر القروض إلى تجاوز تعثر الاقتصاد. ومن المتوقع أن تحصل البلاد في نيسان/أبريل على آخر دفعة مساعدات اقتصادية من صندوق النقد الدولي (بدأت عام 2016)، على أن تبدأ بتسديدها في 2020.

كما أن الوضع الأمني في البلاد لم يستقر بعد، ولا تزال السلطات تدعو إلى اليقظة من هجمات مسلحين متمركزين في المناطق الغربية والحدودية مع الجزائر نفذوا هجمات استهدفت رجال أمن وسياحا.

وليل الثلاثاء الأربعاء أعلنت السلطات التونسية أنها قتلت جهاديا في المنطقة الجبلية في محافظة القصرين (غرب). 

أ ف ب