حذّرت باريس الثلاثاء من رد أوروبي "قوي" على الولايات المتحدة، إذا فرضت رسومًا جمركية على منتجات فرنسية مهمة بينها النبيذ والجبنة وحقائب اليد، في إطار خلاف تزداد حدته على خلفية فرض ضرائب على شركات أميركية عملاقة في مجال الإنترنت ما يزيد مخاطر اندلاع حرب تجارية جديدة.

وسارعت بروكسل لدعم موقف باريس إذ قال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية دانيال روزاريو "كما هو الحال في جميع الأمور المرتبطة بالتجارة، سيتحرك الاتحاد الأوروبي ويرد بصوت واحد وسيبقى موحداً".

وأفاد روزاريو أن المفوضية الأوروبية التي تتولى شؤون أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ28 التجارية "تنسّق عن قرب مع السلطات الفرنسية بشأن الخطوات المقبلة".

وأثار البرلمان الفرنسي حفيظة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر تمرير قانون يفرض ضرائب على العائدات التي تحققها الشركات الرقمية العملاقة على غرار غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون داخل البلاد.

وفشلت المحادثات لحل المسألة وديًا حتى الآن وهددت الولايات المتحدة الاثنين بفرض رسوم جمركية بنسبة تصل إلى مئة بالمئة على منتجات فرنسية بقيمة 2,4 مليار دولار على غرار النبيذ الغازي واللبن وجبنة الروكفور.

وقال وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير لإذاعة "راديو كلاسيك" "تواصلنا بالأمس مع الاتحاد الأوروبي لضمان أنه في حال تم فرض رسوم أميركية، سيكون هناك رد أوروبي قوي".

وقال "هذا ليس السلوك الذي يمكن توقعه من الولايات المتحدة حيال أحد حلفائها الرئيسيين، فرنسا، وأوروبا عمومًا"، مضيفًا أنه يرغب بتجنّب الدخول في دوامة "العقوبات والرد الانتقامي" عليها.

الطريقة الخاطئة

وتشير فرنسا، مدعومة من بريطانيا، إلى أن على عمالقة العالم الرقمي دفع ضرائب على العائدات التي يحققونها في البلد ولو كان مقرّهم الفعلي في الخارج. لكن واشنطن ترى أنه تم استهداف الشركات الأميركية على وجه الخصوص.

ويحمل النزاع خطر فتح جبهة جديدة للولايات المتحدة في إطار النزاعات التجارية التي انخرطت فيها إدارة ترامب.

وقال الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر في بيان إن القرار "يبعث برسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة ستتحرّك ضد أنظمة الضرائب الرقمية التي تميّز أو تشكّل عبئًا لا مبرر له على الشركات الأميركية".

وتشمل اللائحة الكاملة للمنتجات الفرنسية المعرّضة لرسوم محتملة مواد التجميل والخزف والصابون وحقائب اليد والزبدة وأنواع أجبان عدة بينها روكفور وإيدام وغريير.

لكن رغم تهديدات ترامب المتكررة باستهداف أنواع النبيذ الفرنسية بالإجراءات الانتقامية، إلا أن القائمة الأميركية لم تتطرق سوى إلى النبيذ الغازي.

وحذّر لايتهايزر من أن واشنطن تفكّر في توسيع تحقيقها للنظر في ضرائب أخرى مفروضة في النمسا وإيطاليا وتركيا.

والثلاثاء، قال متحدث باسم وزارة الشؤون الرقمية والاقتصادية النمسوية إن بلاده تأخذ إعلان الحكومة الأميركية "على محمل الجد".

وأضاف في بيان أرسله لفرانس برس عبر البريد الإلكتروني "لدينا عمومًا موقفًا منتقداً للعقوبات ونعتقد أنها الطريقة الخاطئة" للتعامل مع الخلافات التجارية.

وأضاف "نظراً للمناخ الاقتصادي الحالي، على أوروبا والولايات المتحدة العمل على تخفيف النزاعات التجارية بشكل مستدام بدلاً من التأثير على المزاج العام عبر تبادل التهديد بالعقوبات". 

وينص القرار الفرنسي على فرض ضريبة نسبتها ثلاثة بالمئة على عائدات شركات التكنولوجيا في فرنسا، والتي تدرها عادة الإعلانات عبر الإنترنت وغيرها من الخدمات الرقمية.

وتؤثر الضريبة على شركات تبلغ عائداتها السنوية عالميًا الناجمة عن أنشطتها الرقمية 750 مليون يورو (830 مليون دولار) على الأقل.

وتستهدف الضريبة الفرنسية العائدات بدلاً من الأرباح، التي تعلن عنها عادة شركات تكنولوجيا عملاقة في دول تفرض ضرائب منخفضة على غرار إيرلندا، في ممارسة أثارت حفيظة الحكومات.

"عبء"

وخلص تقرير الممثل التجاري الأميركي إلى أن "+ضريبة الخدمات الرقمية+ الفرنسية بحق الشركات الأميركية لا تتواءم مع المبادئ السائدة لسياسة الضرائب الدولية، وتشكل عبئًا غير عادي على الشركات الأميركية المتأثرة".

وقرر الممثل التجاري الأميركي عقد جلسات علنية لمناقشة اقتراح فرض "رسوم تصل إلى مئة بالمئة على منتجات فرنسية معيّنة" واحتمال "فرض رسوم أو قيود على الخدمات الفرنسية".

وتم تحديد موعد 14 كانون الثاني/يناير كمهلة نهائية لتقديم التعليقات على الخطوات المقترحة ويتوقع الممثل التجاري الأميركي "المضي قدمًا في هذا الاتجاه بشكل مستعجل بعد ذلك".

ورحبت مجموعات صناعية بالتقرير إذ أفادت "مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والإبداع" في بيان أن الضريبة الفرنسية "تهدف على نحو ضيّق وبشكل لا يتناسب للحصول على عائدات فقط من أكبر الشركات ضمن مجموعة صغيرة من القطاعات، والكثير منها أميركية".

وجاء الإعلان قبل ساعات فقط من اجتماع مرتقب بين ترامب ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في لندن الثلاثاء.

وقال الرئيس الفرنسي بعد استقباله ترامب في قمة مجموعة الدول السبع في آب/اغسطس إن التوصل إلى اتفاق بشأن النزاع المرتبط بالضرائب هذا العام هو أمر ممكن، إلا أنه لم يتحقق بعد.

وقدمت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية اقتراحات أولية في تشرين الأول/أكتوبر لاتّخاذ "نهج موحد" على أمل التوصل إلى اتفاق العام المقبل. 

أ ف ب