نص الكلمة التي ألقاها الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش خلال حفل تسليم جلالة الملك عبدالله الثاني جائزة تمبلتون.


"جلالة الملك عبد الله الثاني،

هناك الكثير من الأعمال التي يقوم بها أمين عام [للأمم المتحدة] مجبراً بحكم منصبه، ولكن، ولحسن الحظ، فإن هناك أموراً أستطيع أن أقوم بها بحماسة ومتعة حقيقيتين مثل وجودي هنا هذا المساء، في هذه الكاتدرائية البهية لأشيد بجهود وإنجازات الملك عبدالله، السياسي المميز، ورسول السلام، والصديق العزيز، إذا سمحتم لي، يا جلالة الملك، أن أصفكم بذلك.

وفي هذا العالم الذي نرى فيه، للأسف، الكراهية والفوضى في انتشار مستمر، هناك القليل ممن يمكن وصفهم بأعمدة الحكمة والتعاطف، والفائز بجائزة تمبلتون لهذا العام(جلالة الملك) هو أحد أهم هذه الأعمدة وأكثرها ثباتاً.

وهكذا، إنه لشرف عظيم أن نكون هنا هذه الليلة لنحتفي بجلالة الملك عبدالله الثاني. والحقيقة أن هذا التكريم لا يفاجئ من يعرف جلالة الملك كما أعرفه بنفسي. فجلالة الملك عبدالله الثاني يستحق هذه الجائزة المرموقة بجدارة.

تم تكريم الكثير من الفائزين بجائزة تمبلتون على أعمالهم في التوفيق بين الإيمان بالله من جهة والبحوث العلمية في العلوم والرياضيات من جهة أخرى. علما بأنني، ومن تجربتي الشخصية كدارس للهندسة ومؤمن بالله، لم أجد أبدا تناقضا بين هذه العناصر الأساسية للتجربة الإنسانية.

إلا أن جلالة الملك عبدالله يطبق مبادئ دينه في فضاء مختلف تماما ألا وهو القيادة السياسية والدبلوماسية العالمية.

إن النجاح في ميدان الشؤون الدولية يعتمد على التوصل لأرضية مشتركة ولمبادئ جامعة.

يدرك الملك عبدالله أن هذه العوامل المشتركة موجودة في القيم التي تجمعنا كأفراد البشرية الواحدة فهي موجودة في حياتنا الروحانية وفي أديان العالم.

كثيرا ما استخدم الدين ليفرق بيننا. غير أن ما ينبغي له هو أن يوفر السبل لجمع الناس باختلافاتهم وتعدديتهم.

ومن خلال السعي للوئام والتفاهم الديني فيما بين أتباع الإسلام وبين الإسلام والأديان الأخرى، قدم الملك عبدالله بشجاعة مثالا يبين لنا أنه عندما نؤمن بتلك القوة الكبرى فإنها ستجسّر الاختلافات وتخلق الوحدة وتسهم في تحقيق السلام والاستقرار والأمن.

أصحاب السعادة،

السيدات والسادة،

الأصدقاء الأعزاء،

إن جهود الملك عبدالله لتكريس السلام ضمن الإسلام وبين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى قد أسهمت بشكل كبير في السلم والتقدم العالميين.

وقد سمعنا إشارات مهمة هذه الليلة لرسالة عمّان والتي كانت مبادرة فذة أطلقها الملك عبدالله في 2004 عكست تعبيرا عن الوحدة والاحترام المتبادل والأخوّة بين جميع المسلمين وهي أيضا رسالة خير وصداقة وأمل للعالم أجمع. تشير هذه الرسالة إلى ما يعرّف المسلمين والمجتمع المسلم من قيم التعاطف والرحمة واحترام الآخر وحرية المعتقد. أما تأكيدها على أنه ليس للإرهاب والعنف مكان في الإسلام فقد كان جهدا لاقى ترحيبا كبيرا وقد جاء في وقته المناسب ليمنع من تصعيد التوترات الطائفية، كما ذكر هذا المساء.

كما أن دعم الملك عبدالله الثاني للمبادرات العلمية، مثل مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي قد عزز التفاهم المشترك والتعاون فيما بين المسلمين.

لقد سعت مبادرة كلمة سواء التي أطلقها الملك عبدالله عام 2007 والتي تمت الإشارة إليها عدة مرات هذا المساء إلى الحد من التوترات بين المسلمين والمسيحيين من خلال العمل بالقيم المشتركة بين الديانتين، والتي ذُكّرنا بها عدة مرات هذا المساء، ألا وهي حب الله وحب الجار.

وقد تم تبني اقتراح الملك عبدالله لتخصيص أسبوع عالمي للوئام بين الأديان بالإجماع، ويحتفل العالم بهذا الأسبوع كل عام.

ينحدر الهاشميون من نسل النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ولهم تاريخ طويل في احترام الأديان الأخرى، وهذه السلالة النبيلة تضم منذ زمن الأوصياء على المواقع الإسلامية والمسيحية في القدس. وقد واصل الملك هذا التقليد بكثير من الوسائل، حيث موّل بناء الكنائس المسيحية في الضفة الشرقية من نهر الأردن ومد يد العون للمسيحيين الذين تعرضوا لتهديد داعش في سوريا والعراق.

بالإضافة إلى الملايين من اللاجئين الفلسطينيين، لقد استقبل الشعب الأردني مئات الآلاف من السوريين وعشرات الآلاف من اللاجئين العراقيين بمنتهى الكرم الذي يجب الإشادة به في عالم كثيراً ما يُنسى فيه اللاجئون أو يتم نبذهم.

وعلي أن أعترف لكم بأمر ما. ففي أثناء عملي مفوضاً سامياً لشؤون اللاجئين، زرت الأردن عدة مرات. كان الأردن يدفع ثمناً باهظاً بسبب الصراع في سوريا جراء أثر الحرب المباشر على أمنه، وبسبب وجود عدد كبير من اللاجئين الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان. ولكنني كمفوض للاجئين كنت أجد نفسي مضطراً للطلب من الحكومة الأردنية أن تفعل المستحيل وما يتعداه. وكان المسؤولون في الحكومة يقولون لي إن ما أطلبه فعلاً غير ممكن. ولكنني عندما كنت ألتقي جلالتكم، سرعان ما يصبح المستحيل واقعاً.

فأنتم، يا جلالة الملك، رمز استثنائي للكرم والتكافل في عالمنا هذا، ولن أنسى ذلك أبداً، لأنني عشت خلالها بعضاً من أصعب اللحظات في حياتي. وأنا أدرك أنكم تستلهمون كرمكم هذا من الإسلام ومن قيم التكافل مع أخواتك وإخوانك من البشر.

إن استثمار الملك عبدالله في الإنسانية والتضامن كان واضحا دائما من خلال عمله مع الشباب في الأردن وفي الأمم المتحدة وفي أنحاء العالم. فهو يقوم بدور قيادي في توعية الشباب بقيمتهم وأهميتهم ووجوب احترامهم.

وتأتي هذه كجزء من جهود الملك الأوسع في تعزيز حرية المعتقد والتماسك الاجتماعي والاحترام المتبادل وإشراك الجميع وبثّ الأمل.

لقد تحمل الملك عبدالله مسؤولية التصدي لجذور المشاكل التي يمكن أن تقوّض التماسك الاجتماعي وأن تخلق بيئة يزدهر فيها التطرف.

لقد بيّن جلالته كيف تكون القيادة الحقة في زمننا هذا ولعالمنا هذا.

الأصدقاء الأعزاء،

إننا نواجه مشاكل عصيّة تتعلق بانعدام الأمن والاستقرار في كثير من أنحاء العالم. وتشهد المجتمعات انقسامات وصعودا للعنصرية والخوف من الآخر ومعاداة السامّية والخوف من الإسلام (إسلاموفوبيا).

لقد أسهمت الديانات التوحيدية الثلاث بإثراء عالمنا والحضارة العالمية، وكلها تعطي قيمة كبرى للتضامن والإنسانية.

لكن لا يمكننا أن نقف متفرجين وسط محاولات لتحريض أتباع هذه الأديان ضد بعضهم البعض بهدف تمرير أجنداتهم الساعية إلى الهيمنة والتخويف.

إن قيادة الملك عبدالله المبنية على مبدأ حب الله وحب الجار هي الترياق الذي يلقى صدى في كل مكان على نطاق المجتمعات والساحة الدولية.

وأؤكد هنا أن هذه الرسالة لا تتعلق بالتسامح فحسب وذلك لأن التسامح وحده غير كافٍ، بل إن جلالته يدعونا لما هو أكثر من ذلك، إن رسالته هي رسالة حب وتضامن.

إنني أتمنى أن تساعد هذه الجائزة المرموقة في نشر رسالته أكثر وأكثر.

أهنئك يا جلالة الملك على هذه الجائزة وأتمنى لك النجاح في كل مساعيكم المستقبلية.

شكرا جزيلاً".