فيما يلي نص كلمة جلالة الملك:

 

"بسم الله الرحمن الرحيم

أشكركم جميعاً.

أود أن أتحدث أولاً عمن هم دائماً في ذهني ووجداني، إنها الأسر الأردنية التي فُجعت بفقد أبنائها وبناتها في الفيضانات التي شهدها بلدي الأردن.

تعجز الكلمات عن وصف ألمي وألم كل الأردنيين وحزننا بما فقدناه بسبب حادثتين طبيعيتين متلاحقتين لم يفصل بينهما سوى أسبوعين. كما أود أن أحيّي، أمام العالم، جميع الأردنيين الذين هبوا للمساعدة وتلبية النداء، من جيران وكوادر طبية وفرق إنقاذ.

حين نواجه أحداثا مأساوية، سواء أكانت الفيضانات في الأردن أم حرائق الغابات في كاليفورنيا التي أدت لخسائر في الأرواح، نجد أنفسنا كبشر مرتبطين حقاً مع بعضنا البعض في الأخوة. وأطلب منكم أن تقفوا معي دقيقة صمت نستذكر فيها هؤلاء الضحايا وأسرهم.

عميد [الكاتدرائية ] هوليريث، أشكرك على ترحيبك الحار في كاتدرائية واشنطن الوطنية.

الشيخ حمزة [يوسف]، والبروفسور فولف، وصديقي العزيز الأمين العام [للأمم المتحدة] غوتيريس، أشكركم على كلماتكم الطيبة.

كما أتقدم بجزيل الشكر لهيذر تمبلتون ديل ولأسرة ومؤسسة تمبلتون. وأدعو الله أن يجزي السير جون تمبلتون كل الخير على الإرث العظيم الذي تركه في سبيل إثراء الجانب الروحي في حياتنا كبشر، ونشر القيم الإيجابية في العالم أجمع. كم أتمنى لو أتيح لي أن ألتقي الراحل السير جون شخصياً، ولكن لقاء أفراد أسرته، الذين يسيرون على خطاه، هو بمثابة لقائه، فهم يجسدون القيم الفضلى التي كان يعمل لأجلها.

واليوم، يسعدني أن أتلقى هذا التقدير الكبير منكم جميعاً. واسمحوا لي أن أؤكد لكم أن جميع الجوانب التي تحتفون بها اليوم هي تعبير عمّا يستمر الأردنيون بإنجازه وعن نهج الحياة الذي اختاروه، وهو مبني على الإحسان المتبادل، والوئام، والأخوة. لذا، فإنني أقبل هذه الجائزة العالية الشأن باسم الأردنيين جميعاً.

أصدقائي،

لطالما حرص الأردن على الاحترام المتبادل بين جميع الأديان. فأولو العزم من الرسل، كما وصفوا في القرآن الكريم، والذين حملوا رسالة التوحيد والدعوة إلى اليهودية والمسيحية والإسلام، قد باركوا، عليهم السلام أجمعين، أرض الأردن بمسيرهم فيها.

فقبر سيدنا نوح (عليه السلام) في الكرك. وسيدنا إبراهيم (عليه السلام) جاء من العراق عبر الأردن في طريقه إلى الخليل. وسيدنا موسى (عليه السلام) توفاه الله في جبل نيبو في الأردن. وعمّد سيدنا المسيح عيسى (عليه السلام) في الأردن على الضفة الشرقية لنهر الأردن على يد يوحنا المعمدان. والأردن يحرص أشد الحرص على المحافظة على هذا الموقع وغيره من المواقع، مرحّباً بزوارنا من حجاج مسيحيين وغيرهم من جميع أنحاء العالم.

رسول الله سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، قدم إلى الأردن مرتين. مرة في صغره برفقة عمه، وعندها رآه راهب بيزنطي وشهد أنه سيكون نبياً. وبعدها قدم إلى الأردن عندما كان تاجراً شاباً. لكن اللقاء الأول، الذي جرى تحت شجرة ما زالت باسقة في الصحراء الأردنية حتى يومنا هذا، هو لحظة التأسيس للعيش المشترك والوئام بين المسلمين والمسيحيين في الأردن.

أصدقائي،

إن أولي العزم من الرسل كانوا في رحلة كفاح داخلية وذاتية مضوا فيها طاعة لأوامر الله. وأولى خطوات هذه الرحلة تبدأ بجهاد النفس داخل كل شخص فينا، سعياً لنكون على أفضل صورة.

وهذا الجهاد الأكبر الذي بذله الرسل أولي العزم كان نبراسا أنار الطريق لنا جميعاً. لذا، وكمسلم أقف معكم اليوم في هذه الكاتدرائية، أود أن أتحدث إليكم عن الجهاد.

إنني واثق أنكم لم تعتادوا سماع حديث كهذا في مثل هذا المكان، ولكن فهم حقيقة الجهاد أمر في غاية الأهمية.

إن الجهاد الأكبر لا يمت بصلة إلى الكذب المليء بالكراهية، والذي يفتريه الخوارج أمثال داعش ومن هم على شاكلتهم، أو الكذب الذي يدعيه أولئك الذين يخافون الإسلام ويشوهون ديننا الحنيف. الجهاد الأكبر هو الصراع الداخلي للتغلب على  حب الذات والغرور، وهو الصراع الذي نتشارك فيه جميعاً سعياً لعالم ينعم بالسلام والوئام والمحبة.

ففي الإسلام، يعتبر حب الله وحب الجار وصيتين جوهريتين. وكما أشار الشيخ حمزة في كلمته، فإن رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

هذا هو الإسلام الذي تعلمته ونشأت عليه في الأردن:

إسلام الإحسان والرحمة، لا انعدام العقل والقسوة.

الإسلام الحنيف الأصيل، لا التطرف المُحدث. إسلام التسامح والسلام، لا العدوانية  وتصيد  الأخطاء.

الإسلام المبني على الأصول الراسخة، لا المغالاة في التفاصيل حد التطرف.

إسلام النظرة الشمولية التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية، لا الإنتقائية عبر اجتزاء تفسير الآيات القرآنية والأحاديث لخدمة أجندات سياسية.

هذا هو الإسلام الحنيف الذي يؤمن به أغلبية المسلمين حول العالم، وهم 1.8 مليار من الجيران الطيبين والمواطنين الصالحين الذين يساهمون في بناء المستقبل في الأردن والشرق الأوسط وفي الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا، وغيرها. ونحن نسعى ونعمل في كل قارة للدفاع عن الإسلام، ضد أقلية هامشية لكنها خبيثة وحاقدة، تستغل ديننا لأغراضها الخاصة. وغايتنا في ذلك ليست نيل رضا أصدقائنا أو رضا العالم، بل غايتنا هي رضا الله. وسنستمر في هذا الجهد ما حيينا، وما دام الإيمان عامرا في قلوبنا، إن شاء الله.

ونحن لسنا وحدنا في مسعانا هذا، فوصيتا حب الله وحب الجار نجدهما مراراً وتكراراً في اليهودية والمسيحية والإسلام والديانات الأخرى حول العالم. إن هاتين الوصيتين تبعثان رسالة عميقة إلى كل واحد فينا، تدعوه إلى الخروج من دائرة الأنا وتجاوز مصالحنا الخاصة الضيقة. وهذه البصيرة المنفتحة هي مصدر الوئام بين الجميع والأمل باستمراره.

وعندما نتحدث عن الأمل والوئام، فما من مسألة أكثر أهمية من القدس الشريف، وهي المدينة المقدسة لدى أكثر من نصف سكان العالم، من مسلمين ومسيحيين ويهود. والقدس للمسلمين هي أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين مع مكة والمدينة المنورة. ويربطني ويربط كل الأردنيين واجب جليل تجاه القدس الشريف ضمن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها.

ويتوجب علينا جميعا المحافظة على القدس الشريف، بتاريخها العريق المبني على تعدد الأديان، كمدينة مقدسة تجمعنا وكرمز للسلام. ولجائزة تمبلتون جزيل الشكر على المساهمة في دعم هذه الجهود. إذ سيتم تخصيص جزء من قيمة الجائزة لدعم مشاريع ترميم المقدسات في القدس ومن بينها كنيسة القيامة. وسيتم التبرع بباقي قيمة الجائزة لدعم الجهود الإغاثية والإنسانية ومبادرات إرساء الوئام بين أتباع المذاهب والأديان في الأردن وحول العالم.

أصدقائي،

قال الله تعالى في القرآن الكريم: " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ." (سورة الأحقاف،  الآية 13)

وقال رسول الله سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ." (صحيح مسلم)

لقد آن الأوان لنعمل كل ما في وسعنا لتعظيم الخير في عالمنا ولتقريب الناس على أسس الود والتفاهم. وبداية هذه الطريق تكون بجهاد النفس داخل كل شخص منا، لنكون بأفضل صورة ممكنة.

أستذكر معكم الحكمة التي تقول إن الشر يستبد عندما يعجز الصالحون عن العمل. ولكننا إن عملنا معاً، بمشيئة الله، سنتمكن من إنجاز أمر جوهري، وهو الوصول إلى مستقبل يسوده الوئام، وهو ما تنشده وتحتاجه البشرية. فلنمض إذا في هذا الكفاح، في هذا الجهاد الحقيقي.

شكراً لكم."

 

وقال رئيس وعضو هيئة التدريس في  كلية الزيتونة في جامعة بيركلي بكاليفورنيا، الشيخ حمزة يوسف إن التعاليم النبيلة التي تحث عليها الأديان السماوية هي التي صاغت مبادرات جلالة الملك عبدالله الثاني في تعزيز السلم، لاسيما وأننا نعيش في عالم موسوم بكثرة اللبس وسوء الفهم، وممزق بحروب غير شرعية وثورات.

وأضاف أن الجهود الدؤوبة التي يبذلها جلالة الملك في خدمة السلام والتعاطف والوئام، "حَرِيَّةً وجَديرة بأن تُكرّم وأن يحتفى بها، كما نفعلُ الليلةَ".

وأعرب عن قناعته بأن الفائز هذا العام بجائزة تمبلتون القيمة (جلالة الملك)، يستحقها بامتياز، حيث كان السير جون وهو بحق صاحب رؤية، يعي العبء الأخلاقي العظيم المنوط بهذا الامتياز.

وقال يوسف إن القرآن الكريم يذكرنا أن هناك غاية ومقصدا في كون أي شخص صاحب امتياز ورفعة، ويمكن القول بأن السّير جون ممن نجح في هذا الامتحان، بتسخيره ما له والمكانة التي حظي بها في تشجيع الآخرين ليبذلوا قُصارى جهدهم في سبيل ما فيه الخير والنفعُ للجميع، وفي الحديث أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ".

وأكد يوسف أن الاحتفال اليوم يتم بشخصية لها ميزة نادرة، فجلالة الملك حذا حذو والده، (الملك الحسين) الرجل الاستثنائي، في تسخير جاهه وعلو مقامه في خدْمة أبناء وطنه وجيرانه.

وقال "خاض جلالة الملك معركةَ القلوب، في منطقة غارقة في مستنقع من الأزمات، متسلحا بالكرم والشجاعة والحكمة والكَلِمات؛ فتصدّى بروح التّعدّدية لوباء التطرف والعنف والغلوّ، سَعْيا إلى استعادة المنْهَج المعتدل الحكيم، منْهَجِ النّبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول: "إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".

وأشار إلى رسالة عمان التي أصدرها جلالة الملك في شهر رمضان من سنة 2004 لتذكير المسلمين بتراثهم العظيم في التعددية والرحمة والتسامح، ومجددا علم "آداب الاختلاف"، حيث يتم معاملة الجميع بالكرامة التي يستحقونها.

وبين أنه في سنة 2006 التي تصاعدت وقتها التوترات واشتعلت الصدامات بين المسلمين والمسيحيين، أطلق جلالة الملك مبادرة "كلمةٌ سواء بيننا وبينكم"، أكد فيها أن المسلمين جزء من العائلة الإبراهيمية، وأن القرآن الكريم يأمر باحترام الآخرين وحمايتهم، وقال الشيخ يوسف "لدينا إيمان مشترك بأنبياء الكتاب المقدّس وبعيسى وميلاده المعجز من مريم البتول، ناهيك عن إيماننا الجازم بالحياة الآخرة والحساب وما فيه من العقاب والثواب".

كما أشار إلى دعوة جلالة الملك في الأمم المتحدة إلى أسبوع عالمي للوئام بين الأديان، يعمل على توسيع مفهوم "محبّة الله" بإضافة معاني "حب الخير" و"حب الجار"، ويهدف إلى تعزيز الوئام بين البشر بغَضّ النظر عن خلفياتهم العقائديّة.

وقال يوسف علينا أن لا ننسى، أن الأردن احتضن مِليونَي لاجئ ووفّر لهم ملاذا آمنا، "لكن جلالة الملك ما فتئ، ببراعة ومهارة مُلوكِيّتَيْن، يقود سفينته في تيّار الأمواج المتلاطمة في منطقة تعاني من حروب أزمات مستمرة، وتتسم قيادته لهذه الأزمات بالشجاعة وثبات المبادئ، حيث يتطلع جلالته إلى المستقبل في ثقافة كثيرا ما تتغنى بماضيها المجيد".

وأضاف "جلالة الملك، بتفاؤله الصادق، يعيد النور في أرجاء الظلام ويبث الأمل في وسط اليأس وينشر السلام في أتون الحرب".

واختتم بالاستشهاد بالمستشرق الأميركي الكبير دنكان ماكدونالد الذي ما يزال تراثه محل عناية وتقدير في كلية هارتفورد، حيث كَتب منذ ما يربو على مئة عام: "إن الإسلام واقع حاضر والعقيدة الإسلامية كائن حي، ومعرفة لمن بوسع تشريعاتهم أن تكون حياة أو موتا بالنسبة لنا نحن الذين نقع في المعسكر الآخر. فما من شكّ أن الحضارات الثلاثة العظيمة المتناقضة والمناضلة في العالم هي الحضارات المسيحية والإسلامية والصينية. حينما تتّحد هذه الحضارات أو تصل إلى مستوى من الفهم المتبادل، وحينئذ فقط، تصبح قضية الحضارة الإنسانية في أمان."

وقال بروفيسور علم اللاهوت في جامعة ييل، ومؤسس ومدير مركز ييل للأديان والثقافة، ميروسلاف فولف، إن الإنجازات في المجال الديني التي قادها جلالة الملك عبدالله الثاني "كبيرة وجليلة".

وأشار إلى أهمية الجهود التي بذلها جلالته، لتوضيح صورة الإسلام السمح واحتواء ردات الفعل على كثير من القضايا التي أثارت الشارع المسلم، حيث أسهمت مبادرة "كلمة سواء بيننا وبينكم" التي أطلقها جلالته في رسم مسار يقود إلى حوار بين الأديان وتعزيز القيم الدينية والإنسانية التي تدعو لها الديانات السماوية.

وبين أن مركز الإيمان والثقافة بجامعة ييل قدم ردا على مبادرة كلمة سواء عرف بـ (رد ييل) الذي أيده مئات من كبار رجال الدين المسيحي من كل أنحاء العالم، "وكانت هذه أولى مئات المبادرات لبناء الجسور التي أطلقها المسيحيون مستلهمين فكرتها من مبادرة (كلمة سواء).

وقال البروفيسور فولف إن الإنجازات في المجال الديني التي قادها جلالة الملك كبيرة وجليلة، بعد أن أدت أحداث 11 أيلول إلى تدهور العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، وتبعتها الحرب على العراق التي أشعلت الغضب في صدور الكثير من المسلمين، وتلاها نشر الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية في أيلول 2005.

وقال البروفيسور فولف إنه رسم مسارا يقود إلى الخروج من هذا الصدام، كانت هناك حاجة لرؤية ثاقبة ومعرفة عميقة بالدين. "وبالفعل، تطلب مثل هذا الجهد الكثير من الشجاعة السياسية والحنكة الدبلوماسية لحمل 150 من كبار علماء المسلمين على سلوك هذا الطريق، وقد حقق هذا الإنجاز جلالة الملك عبد الله الثاني الذي نحتفي به اليوم وفريقه من خلال نص واحد قصير، وأنا أشير هنا إلى مبادرة (كلمة سواء بيننا وبينكم)".

وأكد أن من أهم أهداف مبادرة "كلمة سواء" هو تغيير الطريقة التي يتعامل بها المسلمون والمسيحيون مع بعضهم البعض، ويلخص عنوان هذه الوثيقة طابع هذا التغيير؛ فهي مقتبسة من آية من القرآن الكريم تقول: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" (سورة آل عمران آية ٦٤).

وأشار إلى أن المبادرة تدعو للحوار بدلا من التهديد والوعيد، فهي تحث الطرفين على التقارب من بعضهما ليتجاوزا هذا البعد الجاف الذي تخلقه نظرة "قومنا ضد قومهم" وتدعو لحوار جدي للبحث عن الحقيقة بدلا من التناحر عملا بنص الآية، وتدعو للتركيز على ما هو مشترك بين الطرفين "الكلمة السواء" مع الإبقاء على هوية كل منهما، والابتعاد عن اجترار الاختلافات الكبرى والظلم الذي ألحقوه ببعضهم البعض في الماضي.

وقال البروفيسور فولف إن هذه الدعوة تصدر عن إيمان راسخ بأن التناحر ليس حلا، وأن الأدوات الوحيدة التي تستطيع حل الخلافات بين المسلمين والمسيحيين هي الحوار، على الرغم من أن البعض يعتقد أن هذا مجرد كلام لا يفيد ولا ينفع، بينما الأسلحة هي التي في الحقيقة لا تنفع.

وأضاف أن أبرز ما جاءت به المبادرة هي الدعوة لحوار يبتغي الحقيقة، إلا أن العبقرية الحقيقية في هذه الوثيقة تكمن في بُعد آخر، حيث إن الحوار ليس بالأمر الجديد وليس حكرا على أي زمان أو مكان.

وأكد أن الطرح الرئيس في وثيقة كلمة سواء هو أن ما يجمع بين الدينين في وصيتي حب الله وحب الجار هو الأمر المهم فعلا بالنسبة لأتباعهما، وكان الاقتراح البسيط والذكي هو أن نضع ما يعتبره الدينان مسائل محورية في صدارة الحوار بينهما.

وقال إن المبادئ التي تقوم عليها المبادرة تقود للفهم الحقيقي لمعنى أن تحب الله وتحب الجار واسهامات ذلك في قيادة التصدي لمسائل شائكة في العلاقة بين الطرفين.

وأضاف أن مبادرة كلمة سواء عالجت كبرى الصراعات الدينية في زمننا وهي مسائل تعني نصف البشرية تقريبا، إلا أن التوترات العالمية الكبرى لا تتعلق بالدين بل بالقومية. 

وأكد أن مبادرة "كلمة سواء"، تكتسب في تركيزها على حب الله وحب الجار، أهمية إضافية في وقتنا الراهن؛ لأنه عندما يصبح حب الله وحب الجار قيمة عليا عند الإنسان، فإنه يتبنى فكرا جامعا للبشرية كلها، فالله الواحد هو -حكماً- إله البشرية جمعاء، والجار هو أي إنسان في أي مكان.

وقال البروفيسور فولف "إن التحدي الأكبر في زماننا، والذي نغفله كثيرا، هو نسياننا لما هو مهم حقا وانصرافنا عن الحياة التي تستحق بالفعل أن نعيشها. وكانت هذه المسألة في صميم التقاليد الدينية والفلسفية العظيمة على مر قرون من الزمن، غير أننا انشغلنا اليوم بتجميع موارد العيش وبالسعي وراء المال والمهارة والشهرة وغفلنا عن الغرض الأساسي من حياتنا.

وأضاف في ظل هذه التهديدات العالمية، أصبحنا بحاجة ملحة للبحث عن الحقيقة من خلال إحياء الحوار حول ما هو مهم فعلا وأولويتنا في حياتنا. فالقضية تمسنا على المستوى الشخصي لأنها تتعلق بالمعنى والغاية من حياتنا، وتمسنا أيضا على المستوى السياسي لأنها تتعلق بمستقبل البشرية".

وأكد أن مبادرة "كلمة سواء" بينت الحقيقة جليا، والتي علينا أن لا ننساها أبدا وهي أنه لا يمكن للسلام بين الأديان أن يكون منفصلا عن الحوار حول حب الله وحب الجار؛ فالحوارات التي تبتغي الحقيقة حول ما هو مهم فعلا ليست ترفا، بل هي ضرورة ثقافية، وبدونها لن نتمكن نحن شعوب وسكان هذا الكوكب وخلق الله الواحد من العبور لمستقبلنا البشري المشترك.

كما أكد أنه على المسلمين والمسيحيين نشر هذه الحوارات، حول ما هو مهم فعلا، في مساجدنا وكنائسنا، غير أننا لا يجب أن نبقيها ضمن دائرة الدين والإيمان فحسب، بل ينبغي أن تكون منطلق مشاركاتنا الوطنية وعلاقاتنا الدولية وتبادلاتنا التجارية وأسس عمل وسائل الإعلام، وأنه لا يمكن أن ينجح أي عمل عظيم إلا بالكفاح الطويل والعمل الدؤوب، فليكن هذا دأبنا، ولننذر لهذه القضية العظيمة وقتنا وفكرنا ومواردنا.

وكان عميد كاتدرائية واشنطن الوطنية، القس راندولف مارشال هوليريث، قد رحب بجلالة الملك، في بداية الحفل، مشيدا بجهود جلالته في تعزيز الحوار بين الأديان والسعي نحو تحقيق السلام.

وقال” يسعدني ويشرفني أن أرحب بكم جميعا، بصفتي عميد كاتدرائية واشنطن الوطنية، وخاصة بجلالة الملك عبدالله الثاني والأمين العام غوتيريس، ونحن ممتنون لهيذر تمبلتون ديل وأمناء مؤسسة جون تمبلتون على منحنا الفرصة لاستضافة هذه الاحتفالية في دار العبادة المفتوحة أبوابها للجميع.

وأضاف أن للكاتدرائية أولويات أساسية هي الترحيب بكل الناس، وتعميق علاقتنا بالله وببعضنا البعض، وخدمة جميع خلق الله، وتشجيع الحوار حول أهم المسائل التي تخص عيشنا المشترك.

وقال القس هوليريث مخاطبا جلالة الملك "أنتم رحبتم أيضا بجميع الأطراف ليجلسوا على طاولة الحوار، فقد جمعتم القادة في مساعيكم لتحقيق السلام في الأراضي المقدسة، وأدت جهودكم إلى إرساء العلاقات بين الأديان، وبأفعالكم ومبادراتكم قدمتم خدمة جليلة للإنسانية ولوجه الله الذي خلقنا جميعا.

وأضاف أنه في إحدى زوايا هذه الكاتدرائية "تجدون تمثالا لأبراهام لينكولن، والذي ذكرنا في عام 1865 بأن إرادة الله تنعكس في أعمالنا الصالحة، والعمل في سبيل السلام والتفاهم المشترك هو ما ينال رضا الله، ويقدم جلالة الملك في جهوده مثالا لنا جميعا في العمل لنيل رضا الله في هذا المجال".

وفي دعاء للقس راندولف مارشال هوليريث، في اختتام حفل تسليم جلالة الملك عبدالله الثاني جائزة تمبلتون، قدم الحمد والشكر لله على نعمه التي عمت شعوب العالم، ودعا إلى مجتمع متحاب ينعم الفقير والغني فيه بنفس الفرص لحياة كريمة ومنتجة.

المملكة