استأنفت قوات سوريا الديمقراطية، الجمعة، عملية إجلاء المحاصرين داخل الجيب الأخير "لتنظيم الدولة" الإرهابي المعروف بـ"داعش" شرق سوريا، في خطوة من شأن استكمالها أن تحدد ساعة الصفر لحسم المعركة، سواء عبر استسلام الإرهابيين، أو إطلاق الهجوم الأخير ضدهم.

وهي الدفعة الثانية التي يتم إجلاؤها من الباغوز، بعد خروج 3 آلاف شخص، الأربعاء، وفق ما أحصت قوات سوريا الديمقراطية، مشيرة إلى أن الخارجين من جنسيات مختلفة، وبينهم عراقيون ومن دول الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبيين.

وقرب الباغوز حيث بات التنظيم محاصراً في مساحة تقدر بنصف كيلومتر مربع، أفاد فريق وكالة فرانس برس عن خروج أكثر من 50 شاحنة الجمعة تقلّ غالبيتها نساء منقبات بالأسود، وأطفالاً من مختلف الأعمار، غطى الغبار وجوههم وملابسهم. وتمسكت عدد من السيدات، حملن حقائب على ظهورهن، بالجانب الحديدي للشاحنة حفاظاً على توازنهن.

وأقلت بعض الشاحنات رجالاً غطى غالبيتهم وجوههم بكوفيات، في حين وضع 3 رجال أيديهم على وجوههم لدى مرور شاحنتهم قرب المصورين. وصرخ عجوز ذو ذقن بيضاء كثة من إحدى الشاحنات "معنا مريض" طلباً للمساعدة.

وقدر المتحدث باسم حملة قوات سوريا الديمقراطية في دير الزور عدنان عفرين لفرانس برس عدد المحاصرين بأنه "يتجاوز الألفين أو أكثر"، وقال إنهم ينتظرون وصول الشاحنات لإخراجهم تباعاً.

ولا تتوافّر لدى هذه القوات راهناً أي تقديرات لعدد مقاتلي "داعش" الذين يتحصن عدد كبير منهم في أنفاق وأقبية تحت الأرض.

وأوضح عفرين أنه بعد "خروج المدنيين، يتبيّن لنا عدد عناصر "داعش" المتبقين في الداخل، وماذا يريدون أن يفعلوا".

وتابع "لا نعرف موقفهم حتى الآن، ولكن إذا لم يستسلموا فنهايتهم بالطبع الحرب"، مضيفاً "بمجرد أن تنتهي عملية خروج المدنيين، سيكون أمامهم: الحرب أو الاستسلام".

قرار الاقتحام

وأوقفت قوات سوريا الديمقراطية منذ أسبوع هجومها ضد الإرهابيين بعد تضييق الخناق حولهم، لإفساح المجال أمام المدنيين بالخروج، بعدما فاق عددهم توقعاتها.

وقال مدير المركز الإعلامي في قوات سوريا الديمقراطية مصطفى بالي "ننتظر إجلاء آخر المدنيين لاتخاذ قرار الاقتحام".

وأحصت هذه القوات وفق بالي، خروج ما يقارب "3 آلاف شخص وغالبيتهم أجانب من جنسيات مختلفة"، من الباغوز قبل يومين، لافتاً إلى أن "الغالبية من الجنسية العراقية، وجنسيات دول الاتحاد السوفياتي السابق، بالإضافة إلى أوروبيين".

ولا يسمح للصحافيين بإجراء مقابلات مع الخارجين في منطقة الفرز التي نقلوا إليها قرب الباغوز. 

وقال ديفيد يوبنك، مؤسس مجموعة "فري بورما راينجرز" التي تضم متطوعين غالبيتهم أميركيون يقدمون المساعدات الطبية، لوكالة فرانس برس إن هناك "العديد من الفرنسيات" بالإضافة إلى نساء من ألمانيا والنمسا وروسيا وسيدة من بريطانيا كنّ في عداد من خرجوا الأربعاء.

وأوضح أن النساء والأطفال وصلوا وهم يعانون من "جوع شديد".

ويعيش المحاصرون في جيب "داعش" الأخير في ظروف بائسة في ظل نقص الطعام والمياه والأدوية. ويصلون إلى مواقع قوات سوريا الديمقراطية في حالة يرثى لها.

وطالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية في بيان، الجمعة، بأن تكون "حماية المدنيين أولوية رئيسية لدى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية".

وقال مدير برنامج مكافحة الإرهاب في المنظمة نديم حوري، إن "مغادرة المدنيين الباغوز تبعث على الارتياح، لكن لا ينبغي أن يحجب ذلك حقيقة أن هذه المعركة قد تم شنّها دون اعتبار كاف لسلامتهم".

وأضاف "مجرد كونهم عائلات أعضاء "داعش" أو متعاطفين معهم لا يعني حرمانهم من الحماية التي يستحقونها".

بدورها أعلنت اللجنة الدولية للإغاثة الجمعة أن الأشخاص الذين يفرون من الجيب الأخير لـ"داعش" الإرهابي شرق سوريا "جائعون" ويحتاجون إلى "علاج طبي عاجل" وأشارت إلى وفيات جديدة بين الأطفال.

وقالت ميستي بوسويل المسؤولة في المنظمة غير الحكومية للشرق الأوسط "الآلاف الذين وصلوا اليوم بحاجة عاجلة للمياه والطعام والعديد منهم لعلاج طبي عاجل".

وارتفع عدد المتوفين في طريقهم إلى مخيم الهول أو بعد الوصول إليه إلى 69 كما قالت المنظمة. ومعظمهم الأطفال تقل أعمارهم عن السنة بينهم رضيع توفي الجمعة خلال رحلة دامت 6 ساعات.

 "قوة سلام" أميركية

ومن شأن حسم المعركة ضد الإرهابيين أن يسرّع تطبيق قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية المقدرة بألفي جندي من شمال شرق سوريا.

وأعلن البيت الأبيض، الخميس، أن الجيش الأميركي سيبقي "مجموعة صغيرة لحفظ السلام قوامها نحو مئتي جندي" في سوريا، الأمر الذي رحب به الأكراد.

وقال رئيس مكتب العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية عبد الكريم عمر في تغريدة على تويتر، إن بقاء هذه القوة "مهم للغاية من أجل الحفاظ على الاستقرار، وحماية منطقتنا من التهديدات التركية، وضمان عدم عودة الإرهاب".

وتأمل واشنطن أن يحفز وجود هذه القوة الحلفاء الأوروبيين على إرسال قوات للقيام بمهمة مماثلة في سوريا، إلا أنها فشلت حتى اللحظة بإقناعهم بذلك.

وإلى جانب التباين الأميركي الأوروبي إزاء وجود القوات في سوريا، قابلت دول أوروبية عدة بفتور دعوة وجهها إليها ترامب قبل أيام لاستعادة مواطنيها المقاتلين المعتقلين لدى الأكراد.

لكن بموازاة دعوته هذه، أوعز ترامب إلى وزير خارجيته مايك بومبيو بـعدم السماح لهدى مثنى، وهي شابة أميركية 24 عاماً تتحدر من ولاية ألاباما، بالعودة إلى الولايات المتحدة. وكانت مثنى دخلت سوريا في العام 2014، وعبرت عن ندمها ورغبتها بالعودة إلى بلدها لتحاكم هناك.

وبرر بومبيو الخميس قرار ترامب بالقول "قد تكون ولدت هنا، لكنها لا تحمل الجنسية الأميركية ولا يحق لها امتلاكها"، باعتبار أن والدها كان دبلوماسياً يمنياً لجأ إلى الولايات المتحدة.

وعرض محامي الشابة حسن شلبي لفرانس برس شهادة ميلاد تظهر أن موكلته مولودة في نيوجيرزي في العام 1994. وأوضح أن والدها غادر منصبه الدبلوماسي قبل "أشهر" من ولادتها.

ويشكل ملف الإرهابيين الأجانب عبئاً على الإدارة الذاتية الكردية التي تطالب الدول التي يتحدرون منها باستعادتهم لمحاكمتهم على أراضيها. 

أ ف ب