صدرت الخميس دراسة جديدة للبنك الدولي تتيح لواضعي السياسات "شواهد قاطعة" على أن من شأن تحسين النواتج المتصلة بصحة الأطفال وتعليمهم أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في مستويات دخل الأفراد والبلدان، وستكون له ثمار في المستقبل.

وأوضح بيان للبنك الدولي أن مؤشر رأس المال البشري "يقيس مقدار رأس المال البشري الذي يمكن لطفل يولد اليوم أن يتوقع اكتسابه ببلوغه سن 18 عاماً، بالنظر إلى مخاطر تدنِّي الظروف الصحية والتعليمية السائدة في البلد الذي يعيش فيه".

ويقيس المؤشر المسافة التي تفصل كل بلد عن الوصول إلى حدود التعليم الكامل والصحة الكاملة لطفل يولد اليوم"، وفقاً للبيان.

ويشتمل هذا القياس على،"البقاء على قيد الحياة، هل سيبقى الأطفال الذين يولدون اليوم على قيد الحياة حتى سن دخول المدرسة؟، والمدرسة، كم سيكملون من مراحل التعليم وما مقدار ما سيتعلمونه؟، والصحة، هل سينهون دراستهم وهم بصحة جيدة ومستعدون لمواصلة التعلُّم و/أو العمل؟". 

ويظهر التقييم تراجع الأردن بشكل طفيف في مؤشر رأس المال البشري من 0.57 في 2012، إلى 0.56 في 2017؛ مما يعني حدوث تراجع في أوضاع الصحة والتعليم وفرص العمل للأفراد، أو إحداها، ومن ثم انعكاسه على مستويات الدخل في المستقبل. 

ويظهر المؤشر أن متوسط عدد سنوات الدراسة التي يمكن للطفل بلوغها في الأردن حتى سن 18 عاماً، إذا بدأت في سن ما قبل المدرسة (4 سنوات)، قد بلغت 11 عاماً و6 أشهر، في تراجع بلغ شهرين عن عام 2012 حيث سجل المتوسط آنذاك 11 عاماً و9 أشهر. 

أما فيما يتعلق بالصحة، فقد شهد مؤشر "البيئة الصحية العامة"، الذي يقيس فرص بقاء الأطفال في سن 15 عاماً على قيد الحياة حتى سن 60، تحسناً طفيفاً؛ إذ ارتفع من 0.88 نقطة في 2012، إلى 0.89 نقطة في 2017. 

وبخصوص مستويات "التقزم"، أي الظروف والصدمات الصحية للأطفال دون سن 5 اعوام، فقد ثبت الأردن عند 0.92 نقطة بين 2012 و 2017، ما يشير إلى بقاء الأردن ضمن مستويات جيدة في هذا المجال.  

وبحسب البنك الدولي، يُصنِّف مؤشر رأس المال البشري إنتاجية طفل يولد اليوم حينما يصبح عاملاً في المستقبل بالمقارنة بمستواه إذا كان يتمتع بكامل الصحة وأتم تعليماً عالي الجودة على مقياس من صفر إلى واحد، بحيث يكون الرقم واحد تعبيراً عن أعلى تقدير ممكن.

ويشرح البيان، "على سبيل المثال إذا كان تقدير أداء بلد ما 0.5 نقطة، فإن هذا يعني أن الأفراد، والبلد بأسره، يخسرون نصف إمكانياتهم الاقتصادية في المستقبل، وإذا احتسب الأداء على مدى 50 عاما، فإن هذا يترجم إلى خسارة اقتصادية شديدة: خسارة سنوية قدرها 1.4% من إجمالي الناتج المحلي".

 ويُظهِر مؤشر رأس المال البشري الذي أُطلِق الخميس في الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن 56% من الأطفال الذين يولدون اليوم في أنحاء العالم سيخسرون أكثر من نصف الدخل الذي يمكنهم تحقيقه طوال حياتهم؛ لأن الحكومات لا تقوم حالياً باستثمارات فاعلة في شعوبها لضمان أن يتمتع السكان بموفور الصحة والتعليم والقدرة على مواجهة التحديات والأزمات والاستعداد لتلبية متطلبات سوق العمل في المستقبل. 

 ويأتي هذا المؤشر في إطار مشروع رأس المال البشري لمجموعة البنك الدولي الذي يعتبر رأس المال البشري محركا للنمو الشامل للجميع، وبالإضافة إلى المؤشر، يشتمل مشروع رأس المال البشري على برنامج لتدعيم البحوث والقياس بشأن رأس المال البشري، وكذلك على مساندة البلدان لتسريع وتيرة ما تحرزه من تقدم في نواتج رأس المال البشري.

 وقد عبَّر نحو 28 بلداً في مختلف المناطق ومستويات الدخل، من بينها الأردن، عن اهتمامها بالمشاركة في المشروع، وعيَّنت مسؤولين للاتصال داخل حكوماتها للعمل مع مجموعة البنك الدولي، بحسب البنك الدولي.

وبدأت هذه البلدان العمل من أجل النهوض بحوار السياسات بشأن رأس المال البشري فيما بين الوزارات الرئيسية، وتحديد الأولويات الوطنية لتسريع وتيرة التقدم في تعزيز رأس المال البشري على أساس خطط التنمية الخاصة بكل بلد.

 ويأتي ذكر المؤشر في عدد وشيك الصدور من مطبوعة "تقرير عن التنمية في العالم 2019: الطبيعة المتغيرة" للعمل يناقش أهمية الاستثمار في رأس المال البشري من أجل إعداد القوى العاملة للعمل في المستقبل.

 البلدان الـ28 بالإضافة للأردن، أرمينيا وبوتان وكوستاريكا ومصر وإثيوبيا وجورجيا وإندونيسيا والعراق وكينيا والكويت وليسوتو ولبنان وملاوي والمغرب وباكستان وبابوا غينيا الجديدة وبيرو والفلبين وبولندا ورواندا والمملكة العربية السعودية والسنغال وسيراليون وتونس وأوكرانيا والإمارات العربية المتحدة وأوزبكستان. 

 وأوضحت الدراسة أن رأس المال البشري، أي المعارف والمهارات والقدرات الصحية التي تتراكم لدى الأشخاص على مدار حياتهم، كان عاملاً رئيسيا في معدلات النمو الاقتصادي والحد من الفقر التي حققتها الكثير من البلدان في القرن العشرين على نحو مستدام، ولاسيما في شرق آسيا.

 وقال رئيس مجموعة البنك الدولي جيم يونغ كيم: "بالنسبة لأشد الناس فقراً، يعد رأس المال البشري في أحوال كثيرة رأس المال الوحيد الذي يمتلكونه، وهو مُحرِّك رئيسي للنمو الاقتصادي المستدام الشامل للجميع، بيد أن الاستثمار في صحة الناس ومستويات وتعليمهم لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه".

"يُنشِئ المؤشر خطاً مباشرا بين تحسين النواتج الصحية والتعليمية من جهة، والإنتاجية والنمو الاقتصادي من جهة أخرى. ويحدوني الأمل في أن يحفز هذا المؤشر البلدان على اتخاذ إجراءات عاجلة وزيادة حجم وفاعلية الاستثمار في شعوبها."

 وأضاف كيم: "التحدِّي يزداد صعوبةً على الجميع. ويكتسي بناء رأس المال البشري أهمية بالغة لجميع البلدان على كل مستويات الدخل حتى يمكنها المنافسة في اقتصاد المستقبل."

ويُصنِّف المؤشر كل بلد من حيث إنتاجية الجيل القادم من العمال الآن، وفي بلدان مثل أذربيجان وإكوادور والمكسيك وتايلند أظهر المؤشر أن الأطفال الذين يولدون اليوم ستزيد إنتاجيتهم 40% حينما يصبحون عمالاً في المستقبل إذا أتموا تعليمهم وتمتعوا بموفور الصحة، وفي بلدان مثل المغرب والسلفادور وتونس وكينيا ستزيد إنتاجيتهم 50%.

 وتتوافر حاليا بيانات مُصنَّفة حسب نوع الجنس عن 126 بلداً من بين 157 بلداً يغطيها المؤشر، وبالنسبة لهذه المجموعة الفرعية من البلدان، "مازال رأس المال البشري للفتية والفتيات بعيدا عن حد الكمال للتراكم المحتمل لقدرات رأس المال البشري".

في معظم البلدان تزيد فجوة رأس المال البشري بالنسبة لكل من الفتية والفتيات للاقتراب من حد الكمال عن الفجوة بين الفتية والفتيات.

 وتُظهِر الشواهد المتاحة أنه من الممكن تحقيق تقدم، فقد طبَّقت بولندا إصلاحات في النظام التعليمي بين عامي 1990 و2015 وسجلت واحدا من أسرع التحسينات في درجات اختبارات برنامج التقييم الدولي للطلاب في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.

وتجاوزت فيتنام في الآونة الأخيرة متوسط درجات برنامج التقييم الدولي للطلاب في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ونجحت ملاوي في خفض معدلات التقزُّم في أطفالها بنحو 20 نقطة مئوية في أقل من 20 عاما.

بيد أن المؤشر يظهر أن هناك الكثير الذي ينبغي عمله.

المملكة