تفرض الهجمات التي تعرضت لها وحدات معالجة نفطية رئيسية في السعودية على العالم اختبار قدرته على التعامل مع أزمة في الإمدادات؛ إذ يواجه فقدان أكثر من 5% من الإمدادات العالمية من أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم بصفة مؤقتة.

أعلنت جماعة الحوثي المدعومة من إيران في اليمن مسؤوليتها عن الهجمات التي أدت إلى إغلاق وحدتين في منشأة بقيق، قلب صناعة النفط في السعودية، وقال بيان من شركة "أرامكو" السعودية، إن إنتاج المملكة سينخفض بمقدار 5.7 مليون برميل يوميا، أي بأكثر من نصف الإنتاج السعودي.

وقد ترتفع أسعار النفط الخام عدة دولارات للبرميل عندما تفتح الأسواق ليل الأحد، إذ إن تعطل الإمدادات لفترة طويلة قد يدفع الولايات المتحدة، ودولا أخرى للسحب من مخزوناتها النفطية الاستراتيجية لزيادة الكميات المتاحة تجاريا على مستوى العالم.

وقالت وزارة الخزانة الأميركية السبت،إنها على استعداد للسحب من المخزون الاستراتيجي، إذا اقتضت الضرورة. المخزون الاستراتيجي الأميركي يبلغ الآن نحو 644 مليون برميل تعادل ما يقرب من إنتاج الولايات المتحدة في 52 يوماً،ويتألف من 395 مليون برميل من الخام الثقيل عالي الكبريت، و250 مليون برميل من الخام الأميركي الخفيف.

وتدير وزارة الطاقة الأميركية الاحتياطي الاستراتيجي النفطي المحفوظ في خزانات تحت الأرض تخضع لحراسة مشددة على سواحل ولايتي تكساس ولويزيانا.

وكان وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر طالب بإنشاء الاحتياطي الاستراتيجي في 1975، بعد الحظر النفطي العربي الذي رفع أسعار الوقود وأضر بالاقتصاد الأميركي.

وبمقتضى القانون الأميركي يمكن للرئيس أن يأمر ببيع كميات من الاحتياطي الاستراتيجي، إذا واجهت البلاد تعطلا في الإمدادات بما يهدد الاقتصاد. وقد استخدم الاحتياطي الاستراتيجي لهذا الغرض 3 مرات كان آخرها في 2011 بعد تفجر العنف في ليبيا.

وسبق أن شاركت واشنطن في عمليات سحب منسقة من المخزون الاستراتيجي مع وكالة الطاقة الدولية التي تتخذ من باريس مقرا، وتُنسق سياسات الطاقة في دولها الأعضاء الـ30.

وقال جيسون بوردوف المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا في نيويورك "أسعار النفط ستقفز بفعل هذا الهجوم، وإذا طال أمد تعطل الإنتاج السعودي؛ فسيبدو السحب من المخزون الاستراتيجي ... مرجحا ومنطقيا".

ومن السابق لأوانه معرفة مدى الضرر الذي لحق بوحدتي المعالجة وسلسلة الإمداد السعودية التي تنقل النفط الخام من حقول الإنتاج إلى منشآت التصدير.

وقال أمين الناصر الرئيس التنفيذي لأرامكو في بيان، إن الشركة سيكون لديها مزيد من المعلومات خلال 48 ساعة في الوقت الذي تعمل فيه على إعادة الإنتاج المتوقف.

وفي العام الماضي، تجاوزت صادرات أرامكو 7 ملايين برميل يوميا من النفط الخام مع تسليم ثلاثة أرباع هذه الصادرات لزبائن في آسيا. وتملك السعودية احتياطيات تبلغ نحو 188 مليون برميل، أي ما يعادل طاقة المعالجة في بقيق لمدة 37 يوما تقريبا، وفق ما ورد في مذكرة يوم السبت من رابيدان إنرجي جروب.

ويشهد فائض الطاقة الإنتاجية لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، وهي القدرات الإنتاجية غير المستغلة التي يمكن اللجوء إليها لتزويد المستهكين في حالة نقص الإمدادات، تراجعا منذ عشرات السنين بفعل تقادم حقول النفط.

وفي آب/أغسطس كانت الطاقة الفائضة الفعلية لدى السعودية التي تبلغ 2.3 مليون برميل يوميا تشكل أكثر من ثلثي الطاقة الفائضة لدى أوبك والبالغة 3.2 مليون برميل يوميا، وفقا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية. وتسهم الكويت والإمارات بمعظم الفارق.

وقال محللون، إن روسيا ربما تملك قدرة فائضة في أعقاب الاتفاق العالمي بين أوبك وحلفائها للحد من الإنتاج بهدف دعم الأسعار.

وإذا طال أمد تعطل الإمدادات فقد يدفع ذلك لزيادة الإنتاج والصادرات من الولايات المتحدة، لكن محللين ومتعاملين في النفط قالوا، إن استجابة الشركات الأميركية للتغيرات السعرية قد تستغرق شهورا؛ بسبب قيود لوجستية.

ويتجاوز الإنتاج الأميركي الآن 12 مليون برميل يوميا، وتتجاوز الصادرات 3 ملايين برميل يوميا، لكن ليس من الواضح ما إذا كان بإمكان منشآت التصدير الأميركية استيعاب الشحنات الإضافية.

وقال أندي ليبو رئيس ليبو أويل أسوشييتس "كل يوم تظل فيه المنشأة مغلقة يفقد العالم 5 ملايين برميل أخرى من إنتاج النفط. والطاقة الفائضة في العالم ليست 5 ملايين برميل يوميا".

وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قال الأحد، إن انفجارات تعرض لها معملين تابعين لشركة آرامكو النفطية، أدت إلى توقف إنتاج كمية من الغاز المصاحب تقدر بنحو ملياري قدم مكعّب.

وتعرضت منشأتين تتبعان شركة أرامكو السعودية لهجمات تبناها الحوثيون، باستخدام 10 طائرات مسيرة فجر السبت. وأدى الهجوم لاشتعال حرائق تمت السيطرة عليها في منطقتي خريص وبقيق.

وأضاف في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية، أن هذه الانفجارات أدت إلى "توقف إنتاج كمية من الغاز المصاحب تقدر بنحو ملياري قدم مكعّب في اليوم، تستخدم لإنتاج 700 ألف برميل من سوائل الغاز الطبيعي؛ مما سيؤدي إلى تخفيض إمدادات غاز الإيثان وسوائل الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى نحو 50%".

"تعويض العملاء" 

وعلى الصعيد السعودي، قال الوزير، إن الهجمات "لم تؤثر على إمدادات الكهرباء والمياه من الوقود، أو على إمدادات السوق المحلية من المحروقات". وأكد رئيس شركة أرامكو أمين الناصر: "إنه لا توجد إصابات ... بين العاملين".

وتسببت الهجمات "بتوقف عمليات الإنتاج في معامل بقيق وخريص بشكل مؤقت" وفقا للوزير الذي قال، إن "تقديرات أولية تشير إلى توقف كمية من إمدادات الزيت الخام تقدر بنحو 5.7 مليون برميل، أو نحو 50% من إنتاج الشركة، إلا أنه سيتم تعويض جزء من الانخفاض لعملائها من خلال المخزونات".

وقال الوزير، إن شركة أرامكو "تعمل حاليًا على استرجاع الكميات المفقودة، وستقدم خلال الـ 48 ساعة المقبلة معلومات محدثة".

استئناف الإنتاج خلال أيام

مصدر مطلع قال لرويترز، إن الإغلاق الجزئي لإنتاج النفط السعودي كان إجراء احترازيا، مضيفاً أن استئناف معظم طاقة الإنتاج المفقودة سيكون خلال أيام.

وكانت 3 مصادر مطلعة قالت، إن الإنتاج النفطي السعودي وصادرات السعودية تعطلت بعد هجمات بالطائرات المسيرة على منشأتين لشركة أرامكو السبت أحدهما أكبر معمل لتكرير النفط في العالم.

وذكر أحد المصادر أن الهجمات تؤثر على إنتاج 5 ملايين برميل من النفط يوميا أي قرابة نصف الإنتاج الحالي للسعودية. ولم يخض في تفاصيل.

تدير أرامكو أكبر مصفاة لتكرير النفط، ومعالجة الخام في العالم في بقيق في المنطقة الشرقية. وتزيد الطاقة التكريرية للمصفاة عن 7 ملايين برميل من النفط الخام يوميا.

وكالة الأنباء السعودية قالت، السبت، إن فرق الأمن التابعة لشركة أرامكو سيطرت على حريقين في معملين تابعين للشركة النفطية في محافظتي بقيق وهجرة خريص، نتيجة استهدافهما بطائرات بدون طيار. 

ونقلت الوكالة الرسمية، عن متحدث في وزارة الداخلية السعودية، أن الهجوم وقع "عند الساعة 4 صباحاً الموافق 15 / 1 / 1441هـ".

وأضاف أن حريقين اندلعا في "معملين تابعين لشركة (أرامكو) في محافظة بقيق وهجرة خريص نتيجة استهدافهما بطائرات بدون طيار تم السيطرة على الحريقين والحد من انتشارهما، وقد باشرت الجهات المختصة التحقيق في ذلك". 

المتحدث باسم الحوثيين، قال، إن الحوثيين مسؤولون عن هجمات بطائرات مسيرة على "مصفاتين" تابعتين لشركة أرامكو السعودية في المنطقة الشرقية.

وأضاف: "سلاح الجو المسير نفذ عملية واسعة بـ 10 طائرات مسيرة استهدفت مصفاتي بقيق وخريص شرقي السعودية".

وذكر التلفزيون السعودي نقلا عن مراسله أن صادرات المملكة النفطية مستمرة.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبلغ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال اتصال هاتفي "استعداد بلاده للتعاون مع السعودية في كل ما يدعم أمنها واستقرارها".

وأضافت الوكالة أن ترامب "شدد على التأثير السلبي للهجمات على الاقتصادين الأميركي والعالمي".

ونقلت الوكالة عن الأمير محمد تأكيده أن السعودية "لديها الإرادة والقدرة على مواجهة هذا العدوان الإرهابي والتعامل معه".

التحالف يحقق

وقال التحالف بقيادة السعودية الذي يقاتل جماعة الحوثي في اليمن، إنه يحقق في هجمات بطائرات مسيرة على المنشأتين.

وقال العقيد الركن تركي المالكي المتحدث باسم التحالف في بيان، إن "التحقيقات ما زالت جارية لمعرفة وتحديد الجهات المسؤولة عن التخطيط والتنفيذ لهذه الأعمال الإرهابية".

وأضاف أن التحالف العسكري سيتخذ الإجراءات اللازمة "للحفاظ على المقدرات الوطنية، وكذلك أمن الطاقة العالمي وضمان استقرار الاقتصاد العالمي".

المملكة + رويترز