لم يكن ناصر (21 عاما) يعلم أن شعوره بالفراغ والفضول سيدفعانه لإدمان مخدرات لمدة 3 سنوات، تدهورت خلالها صحته وحياته المهنية، مؤثرة على عقله لدرجة أنه تطاول على والده.

من الحشيش الطبيعي إلى الصناعي، مثل ما يعرف بـ "الجوكر"، وحتى حبوب "ترامادول" المسكنة، التي يطلق عليها "فراولة" بسبب لونها الأحمر، ناصر بدأ تعاطي هذه المخدرات منذ أن كان مراهقا، وبعد رسوبه في امتحان الثانوية العامة، كما يقول لـ "المملكة".

المخدرات بأنواعها تسبب اضطرابات لـ 29 مليون شخص، وتقتل 190 ألفا حول العالم سنويا، بعد ارتفاع نسبة الوفيات؛ بسبب التعاطي إلى 60% في 2015، مقارنة بعام 2000، وفقا لتقرير المخدرات العالمي الصادر عام 2017 عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. ولم تتوافر إحصائيات محلية حول وفيات ناجمة من تعاطي المخدرات. 

"شعرت بفراغ وفضول بعد رسوبي في التوجيهي (2016)، وبدأت بتدخين نصف سيجارة حشيش يوميا حصلت عليها من شخص أعرفه، ثم أصبحت أشتري سجائر حشيش بـ 30 دينارا يوميا"، يبين ناصر، الذي يقول إن عائلته ميسورة الحال.

"ذهبت إلى المخدرات بنفسي. لم أعرف السجائر قبل تدخيني الحشيش، لكنني بدأت بعد ذلك بتعاطي أنواع أخرى من المخدرات، مثل الجوكر وفراولة"، يضيف ناصر.

يُنتج الحشيش الطبيعي من صمغ بعض أنواع نبات القنب، أما الصناعي فهو مصمم من عدة مواد كيميائية، ويباع بزعم أن له تأثيرات الحشيش نفسه، ومن أنواعه "الجوكر"، إشارة إلى شخصية خيالية شريرة في قصص مصورة. أما حبوب "الترامادول" فتصنف من "الأفيونيات" الصناعية، نسبة إلى الأفيون، المستخرج من نبات الخشخاش.

بدأ ظهور "الجوكر" في الأردن عام 2011، لكنه أدرج ضمن المواد التي يحاسب عليها القانون في 2015. وبلغت قضايا حيازة وتعاطي المادة المخدرة في 2018 نحو 3118، في حين بلغت قضايا الاتجار بها في العام  نفسه نحو 571 قضية، وفق إحصائيات نشرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

"مشكلة متنامية"

سرعان ما ظهرت تأثيرات المخدرات على ناصر.

"بسبب المخدرات لم أتمكن من الاستقرار، أو الحفاظ على عملي. بعد رسوبي في التوجيهي، عملت في فندق، ثم في محل ملابس ومصنع أدوية، وكنت أتقاضى نحو 500 دينار، إلا أن المخدرات دمرت حياتي المهنية"، يشرح ناصر.

"في نفس الوقت، زادت عزلتي، وأصبت برعشة، وأرق منعني من النوم. مكثت فترة في أحد المستشفيات بعد فقدان شهيتي ووزني"، يقول ناصر.

إدارة مكافحة المخدرات تعاملت في عام 2017 مع نحو 14 ألف قضية مخدرات، نصفها كان في العاصمة، وارتفع العدد في 2018، ليصبح 18 ألفا، بحسب ما أفاد مدير إدارة مكافحة المخدرات، أنور الطراونة.

الطراونة قال في تصريحات سابقة لـ "المملكة"، إن 47% من المضبوطين في قضايا مخدرات هم من الفئة العمرية (18-27) عاماً، لكنه لم يذكر العدد الكلي لهؤلاء.

"أصبحت أمي تخجل من جلوسي بين الضيوف، فقد كنت أرتعش، وأمشي بطريقة غير سليمة، وأتصرف وكأن في عقلي خللا ما. افتعلت مشاكل، وكسرت أثاث المنزل، وكانت أختي الصغيرة تخاف مني"، يضيف ناصر.

"أنا لست شخصا سيئا، لكنني لن أنسى يوما تطاولت فيه على أبي وشتمته! لن أنسى دموعه التي ذرفت بعد أن شهد ما فعلته المخدرات"، يتذكر الشاب والحزن يبدو على وجهه. 

تُظهر إحصائيات مديرية الأمن العام أن قضايا المخدرات بلغت في عمّان 7168 قضية في 2017، بينها 841 قضية اتجار، وأما في إقليم الوسط، فبلغ مجموع قضايا المخدرات 2893، وفي إقليم الشمال بلغ 1853، وفي إقليم العقبة بلغ مجموع القضايا 663، وإقليم الجنوب 602، و 772 في إقليم البادية.

"مشكلة المخدرات متنامية ومتصاعدة ..." يقول فواز المساعيد، رئيس مركز علاج الإدمان الذي تأسس في عام 1993 تحت إدارة مكافحة المخدرات، ويوفر علاجا مجانيا للمدمنين.

في السنة الأولى من تأسيسه، عالج المركز نحو 194 شخصا. 

"قد لا يكون ارتفاع عدد متلقي العلاج في المركز عائدا فقط إلى ارتفاع عدد قضايا المخدرات ... بعض الأشخاص يكررون علاجهم، ويشكلون ثلث المجموع السنوي للحالات التي يعالجها المركز"، يضيف المساعيد.

عام 2016، عالج المركز 1436 شخصا، و 1321 عام 2017، و 2105 عام 2018، أما منذ بداية 2019، فبلغ عدد الذين لجأوا إلى العلاج 217 شخصا، وفق المساعيد. وبلغ عدد من عالجهم المركز من العرب منذ تأسيسه 350 شخصا، بحسب المساعيد، الذي أوضح أن كلفة علاج الفرد في اليوم الواحد تبلغ نحو 35 ديناراً.

عزلة واكتئاب ثم انتحار

"لم أتصور أنني سأصبح مدمنا، لكنني خسرت حالي، وقطعت دراساتي العليا في لندن؛ بسبب الإدمان"، يقول خليل، الذي بدأ إدمانه قبل نحو 4 سنوات، بعد أن أنهى درجة البكالوريوس في دراسة القانون.

"قطع أهلي عني المصروف، بعد أن زاد عن حده بسبب الإدمان، الذي بدا واضحا علي. عدت إلى عمّان، وتابعت تعاطي الحشيش، ثم جربت كريستال ميث"، يضيف خليل (29 عاما)، في إشارة إلى "ميثامفيتامين كريستالي"، أحد العقاقير ذات التأثير العقلي.
إدمان خليل تضاعف بعد أن أودت المخدرات بحياة صديقه. "لم يحتمل قلب صديقي المواد المخدرة فتوفي ... وزادت عزلتي وإدماني".

مصعب وريكات، مختص في الصحة النفسية والإرشاد في مركز علاج الإدمان يقول، إن مدمن المخدرات يصبح شخصاً عدوانياً، إما تجاه نفسه، أو تجاه الآخرين، وقد تدفع به العزلة، والاكتئاب إلى الانتحار.

"الإدمان يمر في 4 مراحل: الرغبة في التجربة، تناول كل ما يعرض على المتعاطي، الانتظام في الحصول على مادة مخدرة، وأخيراً المرحلة القهرية"، وفق وريكات.

إدارة مكافحة المخدرات تحبط بشكل دوري محاولات تهريب إلى الأردن، وتلقي القبض على مروجين، فيما أطلقت مؤخرا عدة وزارات وأجهزة حكومية، إضافة إلى مبادرات شعبية، حملات وطنية لمكافحة المخدرات، وتوعية الناس بمخاطرها.

"كنت أدخن 6 سجائر جوكر يوميا، وأحيانا كان يكلفني المخدر 50 دينارا يوميا"، يقول أوس، الذي ينتمي إلى عائلة متوسطة الدخل، وكان يعمل على حافلة صغيرة يملكها والده، الذي اكتشف بقايا مخدرات في السيارة فضرب أوس، الذي تعاطى المخدرات 8 أعوام تقريبا.

"حاولت تدخين التبغ، وتعاطي الكحول عوضا عن الجوكر، لكن دون فائدة ... مرضت، ودبت الرعشة في بدني"، يضيف أوس (26 عاما)، الحاصل على شهادة بكالوريوس في الرياضة.

ارتكب طلبة في الأردن عام 2018، 340 جريمة حيازة وتعاطي مواد مخدرة، إضافة إلى 27 جريمة اتجار بالمخدرات، بحسب دراسة صدرت في ديسمبر الماضي عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، لم تذكر الفئة العمرية لهؤلاء الطلبة.

رحلة التعافي

حاليا، يتلقى ناصر، وخليل، وأوس، مساعدة طبية في مركز علاج الإدمان، الذي يقول المساعيد إن التوجه إليه اختياري؛ للتخلص من جميع أنواع الإدمان، بما في ذلك الدوائي، وحالات معينة من إدمان الكحول.

"لا تتجاوز مدة العلاج في المركز 3 أشهر، ولا يلاحق طالب العلاج قضائيا؛ إذ يضمن المركز سرية العلاج المجاني، وعدم المساءلة القانونية"، يوضح المساعيد.

بموجب المادة 9 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 2016: "لا تقام دعوى الحق العام على من يتعاطى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، أو يدمن عليها إذا تقدم قبل أن يتم ضبطه من تلقاء نفسه، أو بوساطة أحد أقربائه إلى المراكز المتخصصة للمعالجة التابعة لأي جهة رسمية، أو إلى إدارة مكافحة المخدرات، أو أي مركز أمني طالباً معالجته".

"ساعدتني أمي، واستعنت بصديق لي ... في بداية علاجي أحسست برغبة شديدة في المخدرات، وشعرت بقوة أعراض انسحاب المخدرات من جسمي، لكنني الآن في طريقي إلى التعافي، وسأغادر المركز بعد حوالي أسبوع، كما أبلغني الأطباء"، يقول ناصر، مُصراً: "سأعمل مجدداً بائعاً في محل ملابس، وأكمل تعليمي، وسأظل ملتزما بالعبادات. لن أعود مجددا إلى طريق المخدرات".

وريكات يحذر، أن من يتعالج من الإدمان "قد ينتكس لأسباب بسيطة جداً لها علاقة بالمثيرات؛ فقد يشتاق للمادة المخدرة بسبب رفاق السوء، أو ارتباطها بمكان محدد للتعاطي".

"ينبغي على الأهل متابعة أبنائهم بعد مغادرتهم مركز العلاج، ويجب على متلقي العلاج امتلاك إرادة قوية"، ينصح وريكات.

إضافة إلى الاضطرابات النفسية والعصبية التي قد تكون حادة، تشمل أعراض انسحاب المخدر الجسدية آلام العظام، والظهر، والجهاز الهضمي، وارتفاع معدل ضربات القلب وضغط الدم، ودرجة حرارة الجسم؛ مما قد يسبب جلطة قلبية أو دماغية، اضطرابات تنفسية، ورعشة في اليدين، وفق أطباء ومختصين.

يقول المساعيد، إن المركز يزود متلقي العلاج ببرنامج دوائي يساعد على التخلص من سموم المخدرات وأعراض انسحابها، ويوفر برنامج مراجعة يمتد 6 أشهر بعد انتهاء العلاج.

"في المركز برامج توعية، وإرشاد لدعم الراغبين بالعلاج، ويتضمن البرنامج العلاجي الرياضة، وتعلم الخياطة، وحرفة تشكيل الصلصال والرسم ... تعلم مهارات ترفع من قدرات متلقي العلاج، وتساعده على الانتباه البصري والتركيز؛ لأن بعض المواد المخدرة تسبب الهلوسة، وتؤثر على القدرات العقلية للشخص"، بحسب المساعيد.

خليل استعان بزوجته لمساعدته على العلاج من الإدمان.

"زوجتي متفهمة، وساعدتني بالرغم أنها لم تكن تعلم بإدماني عند زواجنا. لأجلها ولأجل طفلي، الذي أصبح عمره 6 أشهر، ولا أذكر وجهه بسبب تأثير المخدرات، قررت العلاج، ولأجل نفسي، قررت ترك الإدمان دون عودة"، يقول خليل.

أما أوس، فيُصر: "لن أعود للعيش في نفس المكان، حتى لا أرى أصدقائي المدمنين، سأسكن في مكان آخر، وأتعلم مهنة الحلاقة حتى أعمل فيها".

يقول بعضهم، إن أسباب تعاطي المخدرات تشمل فضولا يدفع للتجربة، أو تقليدا للآخرين، أو الاعتقاد بمفاهيم مغلوطة، كالاعتقاد بأن المادة المخدرة تمنح نشاطاً.

"لا تجربة، ولا فضول في المخدرات؛ لأن التجربة قد تكون قاتلة منذ أول مرة، أو تؤدي إلى إدمان يصعب الخلاص منه، والمخدرات لا تفرق بين جاهل ومتعلم، غني أو فقير، ولا أنثى أو ذكر"، يقول المساعيد.

المملكة