لقي 73 شخصاً على الأقل مصرعهم في كارثة غرق مركب يقل مهاجرين غير شرعيين قبالة السواحل السورية، في حصيلة تُعدّ الأعلى منذ بدء ظاهرة الهجرة غير الشرعية انطلاقاً من لبنان الغارق في أزماته.

وليست الهجرة غير الشرعية ظاهرة جديدة في لبنان الذي شكّل منصة انطلاق لللاجئين خصوصاً السوريين باتجاه دول الاتحاد الأوروبي. لكن وتيرتها ازدادت على وقع الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بلبنان منذ نحو ثلاث سنوات والذي دفع لبنانيين كثر الى المخاطرة بأرواحهم بحثاً عن بدايات جديدة.

وعثرت السلطات السورية الخميس على عشرات الجثث قبالة مدينة طرطوس الساحلية، بينما تم إنقاذ عشرين شخصاً، من ركاب المركب الذي أبحر من شمال لبنان، وتراوحت التقديرات بشأن عدد ركابه بين 100 و150 شخصاً، من دون أن تتضح بعد ملابسات غرقه.

وأعلن وزير الصحة السوري حسن الغباش في بيان أن عدد ضحايا غرق المركب بلغ 73 شخصاً "في حصيلة غير نهائية"، موضحاً أن عدد "من يتلقون العلاج في مشفى الباسل (في طرطوس) 20 شخصاً".

وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إن هناك تقارير تفيد بوجود عدد من اللاجئين الفلسطينيين على القارب الذي غرق قرب السواحل السورية.

وأضافت أونروا عبر تويتر أن "الوصول إلى قرار ركوب قوارب الموت هذه ليس أبداً بالقرار السهل. هو دلالة أُخرى عن الوضع المزري الذي وصل إليه الناس في لبنان حيث أصبحوا يعرضون حياتهم للخطر بحثاً عن الأمان والكرامة لهم ولعائلاتهم".

وكان وزير الأشغال والنقل في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية علي حمية أفاد وكالة فرانس برس في وقت سابق عن مقتل 61 شخصاً، موضحاً أن غالبية الركاب الذين تجاوز عددهم المئة هم من اللبنانيين واللاجئين السوريين.

وكان المركب يقل، وفق التلفزيون السوري الرسمي، ما لا يقلّ عن 150 شخصاً، ما يعني أن العشرات ما زالوا في عداد المفقودين.

ولم يتم التعرف بعد، وفق حمية، على هوية غالبية الجثث لعدم العثور على أوراق ثبوتية.

وقال المسؤول في وزارة النقل السورية سليمان خليل لوكالة فرانس برس "نتعامل مع إحدى أكبر عمليات الإنقاذ، على مساحة تمتد على كامل الساحل السوري"، مشيراً إلى أن عمليات البحث مستمرة لكنها "تصبح أصعب مع مرور الوقت بسبب ارتفاع الأمواج".

وعصر الخميس، عثر على شاب قرب السفن الراسية قبالة ميناء جزيرة أرواد السورية، فتم إرسال زورق إلى المكان، ليتم العثور بعدها على جثة طفل، قبل أن تبدأ "جثث الضحايا بالظهور"، وفق ما قال مدير عام الموانئ السورية سامر قبرصلي في بيان الخميس.

وعُثر على غالبية الضحايا قبالة جزيرة أرواد وشواطئ طرطوس.

وبدأت عائلات في لبنان الجمعة تشييع قتلاها، بينهم عائلة التلاوي، التي تمّ إنقاذ ابنها وسام وهو يتلقى العلاج حالياً في أحد مشافي طرطوس، فيما توفيت ابنتاه (خمس وتسع سنوات) ولا تزال زوجته مع طفلين آخرين في عداد المفقودين.

وتسلمت العائلة، وفق ما يروي أحمد، شقيق وسام، جثة الطفلتين وجرى تشييعهما في مسقط رأسيهما في منطقة عكار (شمال).

ويقول أحمد لفرانس برس عبر الهاتف "استيقظنا ولم نجد شقيقي، العامل في شركة تنظيفات"، مضيفاً "لم يقو على تأمين قوت يومه"، فذهب بحثاً عن حياة أخرى.

- "هجرة منظمة" -

وأعلن التلفزيون الرسمي السوري وصول القائم بأعمال السفارة اللبنانية إلى مستشفى الباسل في طرطوس، حيث نقل الناجون، ومنهم من يرقد في العناية المشددة.

ونشطت ظاهرة الهجرة غير الشرعية من شمال لبنان خلال السنوات الأخيرة. وغالباً ما تكون وجهة الزوارق قبرص، الدولة الأوروبية الواقعة قبالة السواحل اللبنانية.

وقد بدأ الأمر مع لاجئين سوريين وفلسطينيين لا يترددون في القيام بهذه الرحلة الخطيرة بحثاً عن بدايات جديدة، قبل أن ينضم إليهم لبنانيون على وقع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ قرابة ثلاث سنوات وصنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم.

وتكرر خلال العام الحالي غرق زوارق في عرض البحر بعد انطلاقها من شمال لبنان، ما أودى بعشرات الأشخاص. وأثار غرق مركب بقل العشرات في نيسان/أبريل استياء واسعاً في لبنان. وتم العثور في مرحلة أولى على ستة قتلى بينما لا تزال جثث آخرين في عمق البحر ولم تنجح محاولات انتشالها.

ولم تثمر التدابير التي اتخذتها القوى الأمنية في الحد من الظاهرة التي باتت وفق حمية "هجرة غير شرعية منظمة". وتُعلن الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية مراراً عن إحباط محاولة هجرة غير شرعية خصوصاً من منطقتي طرابلس وعكار شمالاً، الأكثر فقراً في لبنان.

ووفقاً للأمم المتحدة، غادر أو حاول ما لا يقلّ عن 38 زورقاً يحمل أكثر من 1500 شخص مغادرة لبنان عن طريق البحر في الفترة الممتدة بين كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر 2021.

أ ف ب