طبع العظيم ليونيل ميسي نجمة ثالثة للأرجنتين في كأس العالم لكرة القدم، عندما تلاعب وأرهق الخصوم بفنياته الخارقة وعبقرية توّجها بنهائي دراماتيكي الأحد أمام فرنسا حاملة اللقب، فيما شهد مونديال قطر 2022، الأكثر جدلية في التاريخ، مفاجأة سعيدة لإفريقيا والعرب جسّدها المغرب ببلوغه نصف النهائي.

ختامها مسك في نهائي ملعب لوسيل أمام نحو تسعين ألف متفرّج وقف معظمهم مع الأرجنتين: حُبست الأنفاس، ارتجفت الأصوات، خفقت القلوب، انهمرت الدموع، فحمل ميسي أخيراً كأس العالم للمرّة الأولى في مسيرته الزاخرة، بركلات الترجيح بعد التعادل 3-3 في سيناريو جنوني دراماتيكي.

قلبت فرنسا تأخرها بهدفين إلى تعادل 2-2، ثم 3-3 في الوقت الإضافي، ولم تنجح ثلاثية نجمها كيليان مبابي، هداف البطولة (8) بفارق هدف عن ميسي، بتجنيبها فقدان اللقب والتتويج مرّة ثالثة، بعد أن عضّت على جرح إصابات وفيروسات طاردتها، أبرزها انسحاب حامل الكرة الذهبية كريم بنزيمة عشية البطولة.

ميسي ينضمّ إلى مارادونا

انضمّ ميسي (35 عاماً)، في موندياله الأخير على الأرجح، إلى أساطير اللعبة، البرازيلي بيليه بطل العالم ثلاث مرات ومواطنه الراحل دييغو مارادونا الذي قاد بمفرده منتخب "ألبيسيليستي" إلى لقبه الثاني في 1986 بعد الأول عام 1978.

قال ميسي الذي كشف أنه سيواصل مسيرته الدولية لبعض المباريات "إنه لأمر مدهش أن تنتهي بهذه الطريقة. لقد قلت سابقًا، إن الله سوف يمنحني هذا (اللقب)، لا أعرف لماذا، ولكني شعرت أنها ستكون هذه المرة".

بتتويج الأرجنتين، توقفت هيمنة أوروبية لأربع نسخ منذ 2006، وقلّصت أميركا الجنوبية الفارق معها إلى 10-12، مع توجّه الأنظار إلى نسخة 2026 المقامة لأول مرة في ثلاث دول في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

جدلية الاستضافة

أسدلت الستارة على أول مونديال في الشرق الأوسط والعالم العربي أنفقت على تنظيمه الدولة الخليجية الغنية بالغاز نحو 300 مليار دولار وفق تقديرات مختلفة.

طوت قطر، ربما، صفحة انتقادات انهالت عليها منذ منحها حق الاستضافة، بسبب مواضيع شتّى تتراوح من شراء الأصوات، مناخ الإمارة الحارّ، سجلّها في مجال الحريّات، وحقوق الإنسان وخصوصاً التعامل مع العمال المهاجرين من جنوب القارة الآسيوية ومجتمع الميم. إلا أنها كرّرت دوماً ترحيبها بالجميع وتعزيز معايير السلامة وحماية حقوق الرواتب للعمال.

سبق البطولة تغيير تقديم الانطلاق بيوم واحد ليخوض "العنابي" المباراة الافتتاحية، قبل أن يودّع باكراً في أسوأ نتيجة لمنتخب مضيف، ثم مُنع بيع الجعة في محيط الملاعب قبل يومين من الافتتاح، ما ولّد حملة انتقادات غربية ضد قطر التي استقبلت مليون زائر خلال شهر المونديال.

ارتدى مسؤولون أوروبيون ألوان قوس القزح لدعم المثليين والمناهضة للتمييز في الملاعب بعد منع فيفا اللاعبين من القيام بذلك والتلويح بعقوبات، فقام لاعبو ألمانيا بحركة كم الأفواه قبيل مباراتهم مع اليابان؛ احتجاجاً على رفض فيفا السماح لهم بارتداء شارات دعم المثليين.

وجاء الختام بمشهد أثار جدلاً إضافياً، عندما ألبس أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني البشت التقليدي لميسي قبل استلامه كأس العالم، علماً أن "البعوضة" يحمل راهناً ألوان باريس سان جرمان الفرنسي المملوك قطرياً منذ 2011.

ولم تغب السياسة عن المونديال، فالتقت الولايات المتحدة مرة ثانية مع إيران بعد 1998، وفازت 1-0 على منتخب رفض لاعبوه تأدية النشيد الوطني في مباراتهم الافتتاحية، على وقع الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في بلادهم إثر وفاة الشابة مهسا أميني.

حكمة وسبعة تغييرات

شهدت مباراة ألمانيا وكوستاريكا محطة تاريخية، بعد أن أصبحت الأولى في تاريخ كأس العالم تقودها حكمة هي الفرنسية ستيفاني فرابار البالغة 38 عاماً.

ارتفع عدد التغييرات، من ثلاثة سابقاً إلى خمسة بفعل تداعيات فترة فيروس كورونا، فيما استفادت فرنسا في النهائي من سبعة تغييرات، مع سادس لإصابة؛ بسبب ارتجاج دماغي وسابع لخوضها التمديد.

صُعقت ألمانيا مجدداً وودعت من دور المجموعات، بعد خسارة افتتاحية أمام اليابان، ومثلها خسرت الأرجنتين أمام السعودية قبل أن يرتّب ميسي أوراقها، ويحسم كل مباراة تالية بمثابة النهائي، ويحرز جائزة أفضل لاعب ومواطناه إيميليانو مارتينيس وإنسو فرنانديس جائزتي أفضل حارس وأفضل لاعب شاب.

ودّعت البرازيل حاملة اللقب خمس مرات من ربع النهائي أمام كرواتيا بركلات الترجيح، على وقع بكاء نجمها نيمار العائد من إصابة بكاحله في الدور الأول والذي عادل أهداف بيليه مع "سيليساو" (77)، ومثله بكى البرتغالي كريستيانو رونالدو، الوحيد يسجل في خمس نسخ من البطولة، بعد خيبة مشاركته بديلاً وخسارته أمام المغرب في ربع النهائي.

مفاجأة المغرب

كان المغرب المفاجأة السعيدة في البطولة محققاً إنجاز بلوغ أول منتخب إفريقي وعربي نصف النهائي، بتخطيه أمثال بلجيكا وإسبانيا والبرتغال، قبل أن ينحني بسبب الإرهاق والإصابات أمام فرنسا 0-2 في نصف النهائي، في ظل دعم جماهيري غير مسبوق.

برز مدربه وليد الركراكي كأحد نجوم هذا المونديال بخطابه اللافت وتحفيزه المستمر للاعبيه مطالباً إياهم بمقارعة الكبار، ومتوقعاً منافسة إفريقيا على اللقب بعد 15 أو 20 عاماً.

أنهى "أسود الأطلس" مشوارهم في المركز الرابع وراء كرواتيا المخضرم لوكا مودريتش التي واصلت تألقها بعد حلولها وصيفة للمرة الأولى في تاريخها عام 2018.

أ ف ب