تُمعن سلطات الاحتلال الإسرائيلي في محاولة العبث بالنسيج الوطني الفلسطيني في القدس المحتلة، عبر تغريب المسيحيين وحملهم على الهجرة، مما يعرض الوجود المسيحي في المدينة المقدسة إلى خطر يُحدق بتاريخ المدينة وديمغرافيتها.

عرضت "المملكة"، السبت، وثائقي "أجراس المآذن" الذي يتحدث عن هجرة المسيحيين من القدس، والخطر الذي يُهددهم، ومحاولة سلطات الاحتلال الإسرائيلي العبث بديمغرافيا القدس، بعد أن أنذر جلالة الملك عبدالله الثاني العالم من خطر يُحدق بمسيحيي القدس المحتلة.

في أيلول/سبتمبر الماضي، خاطب الملك العالم من مقر الأمم المتحدة في نيويورك بصفته الوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، بقوله إن "المسيحية في المدينة المقدسة معرضة للخطر، وحقوق الكنائس في القدس مهددة، وهذا لا يمكن أن يستمر، فالمسيحية جزء لا يتجزأ من ماضي منطقتنا والأراضي المقدسة وحاضرها، ويجب أن تبقى جزءا أساسيا من مستقبلنا".

وأكد الملك التزامه بالدفاع عن الحقوق والتراث الأصيل والهوية التاريخية للمسيحيين في المنطقة، وخاصة في القدس.

كآبة وهجرة

يعاني المقدسيون المسيحيون من وضع "كئيب جدا" وهجرات متتالية بعد أن زرع الإسرائيليون في عقولهم أن الخارج أجمل وأكثر أمانا وديمقراطية، بحسب الناشط المقدسي نضال عبود.

"محاولة تحييد للمسيحيين بشكل كامل" وتهجيرهم، هكذا يرى خليل التفكجي مدير دائرة الخرائط في القدس الهدف الإسرائيلي من الإجراءات، وكذلك إظهار أن مدينة القدس هي فقط للإسرائيليين وأن المسلمين "طارئون".

تعتقد المديرة العامة للجنة الرئاسية لشؤون الكنائس أميرة حنانيا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي هي المسبب الرئيس لهجرة المسيحيين منذ 1948، وتقول إن ضرب الوجود المسيحي "استراتيجية إسرائيلية".

"إسرائيل تستهدفني كما تستهدفك بغض النظر عن دينك وإنما لوطنيتك وقوميتك وفلسطينيتك"، بحسب حنانيا التي وصفت الاحتلال الإسرائيلي بأنه "إحلالي" يريد تهجير الفلسطينيين وإحلال الإسرائيليين والمستوطنين.

ووصل عدد مسيحيي القدس إلى 12 ألفا نزولا من 55 ألفا في 1967، بعد أن كانوا يشكلون ثلث سكان القدس عند النكسة، وفق التفكجي.

تقر حنانيا بالانخفاض الكبير في عدد المسيحيين، وعزته إلى تسهيل إسرائيل لما يسمى بـ"اللجوء الديني" أو "اللجوء الإنساني" نحو دول أوروبا وكندا وغيرها.

يريد الجانب الإسرائيلي أن يخرج المسيحيين، وإظهار أن الصراع بين المسلمين واليهود وليس صراعا مع المسيحيين، بحسب التفكجي.

غريب في بلاده

يحاول الإسرائيليون إشعار المسيحي الفلسطيني بأنه غريب في بلاده، مع محاولة زرع فكرة أن المسيحي الفلسطيني ليس بالعربي، وفق عبود الذي تحدث أيضا عن محاولة الإسرائيليين إشعال النزاع والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد وبين المسلم والمسيحي في المدينة المقدسة، وبالتالي "زعزعة النسيج الاجتماعي الفلسطيني" خاصة في قلب القدس.

ويسترسل عبود بقوله إن الإسرائيليين يريدون إظهار المسلم بأنه العدو وليس الإسرائيلي، ويصورون أنفسهم بأنهم حماة المسيحيين من الإسلام، وهو ما يرفضه عبود بالمطلق.

ورفض الأب عبدالله يوليو راعي كنيسة الروم الكاثوليك في القدس الخضوع لهذه السياسة التضليلية للإسرائيليين الذين يحاولون ترويج فكرة أن المسيحيين غرباء.

حنانيا ترفض بدورها الادعاء الإسرائيلي بكونهم حماة الكنائس والوجود المسيحي، قائلة "ما تفعله هو العكس تماما ... دولة الاحتلال هي من تضطهدنا".

يتهم الأب يوليو سلطات الاحتلال الإسرائيلي باستهداف التمييز وتفريق وتقسيم الشعب الفلسطيني، مما يستدعي اليقظة والاهتمام والوحدة والتضامن.

"جميع أبناء الكنائس المتواجدة على أرض فلسطين ورثة النصارى العرب ... الشعب هو هو ... وبين النصرانية العربية والإسلام العربي تواصل وتداخل وتكامل"، بحسب الأب يوليو.

ذات الوجع والفرح

الناشط المقدسي عبود يرفض محاولة الإسرائيليين شيطنة الإسلام في نظر المسيحيين، وقال إن "الإسلام لم يكن يوما عدونا".

"لم أشعر يوما بالعنصرية وجاري مسلم وأتناول طعامي في الصحن ذاته مع أخي المسلم ... تربيت معه بكيت على نفس الوجع وضحكنا على نفس الفرحة".

يرى عبود في جنازة الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة "الدليل الأكبر" على الوحدة الفلسطينية بين الطوائف الدينية.

تصر حنانيا على أن دور الفلسطينيين المسيحيين أولا ثم المسلمين هو نقد الرواية الإسرائيلية والدعاية المغلوطة التي تحاول إسرائيل ترويجها وتنميطها، مضيفة "نحن منذ قرون ومنذ الأزل من 1400 عام نعيش مع بعضنا".

الأب يوليو يعتبر أن إسرائيل تريد الوصول إلى تجريد المسيحي من انتمائه العربي وأن يشكك المسلم في عروبة المسيحي، قائلاً إن الفلسطينيين بتعاملون مع "كيان خبيث".

التفكجي يصر بدوره على وجود المسلم والمسيحي في خانة واحدة أمام العنصرية الإسرائيلية، وأكد أن الوعي المسيحي الإسلامي يحيد المحاولات الإسرائيلية التي تريد إبراز فكرة أن المسلمين يضطهدون المسيحيين.

"أرنونا" وخرقٌ لـ"الستاتسكو"

تتحدث حنانيا عن محاولة إسرائيلية لتغيير الوضع القائم في المدينة المقدسة (ستاتسكو)، في ظل محاولة البلدية الإسرائيلية في القدس منذ سنوات فرض ضريبة مسقفات على الكنائس والمؤسسات التابعة لها،

استمر تطبيق العرف عثماني منذ العهد العثماني ويقضي بإعفاء الكنائس من أي ضرائب أو رسوم، إلى أن حاول الإسرائيليون نقضه، مما دفع كنيسة القيامة إغلاق أبوابها ووقوف الأردن والفلسطينيين ضد القرار.

تقول حنانيا إن 45% من العقارات والأراضي والأملاك الموجودة في البلدة القديمة تعود ملكيتها للكنائس وللمسيحيين، والإسرائيليون يستهدفون الكنائس وأملاكها والمؤسسات التابعة لها كالمدارس والجامعات والمستشفيات والمؤسسات الخدمية والأديرة والفنادق التي لا تخدم المسيحيين وحدهم.

يشتكي عبود بدوره من حرمان الإسرائيليين للمسلمين من حضور بعض المناسبات الدينية المسيحية، بقوله إن "المسلم ممنوع أن يحضر معنا سبت النور، والمسلم ممنوع عليه أن يدخل من باب جديد (أحد أبواب القدس) ...".

التفكجي وصف السياسية الإسرائيلية بـ"العنصرية"، في ظل منع الإسرائيليين لمسيحيين عند مسيرة المسيح في عيد الفصح وفي سبت النور من الصلاة.

"كالمسلمين ... هم عرب هم فلسطينيون"

يؤكد الأب عبدالله يوليو أن المسيحيين كالمسلمين في القدس هم عرب وهم فلسطينيون يعيشون تحت الاحتلال وبالتالي من يعيش تحت الاحتلال لا يتمتع بالحرية وحقوقه مهضومة وبالتالي هذا هو الوضع المسيحي في القدس المحتلة.

ولم تعد المدينة المقدسة بعد احتلالها عام 1967 للمسيحيين أو للمسلمين لأن أهل المدينة محرومون من حقوقهم، وبدون أهل المدينة من المسلمين والمسيحيين تتحول جميع بيوت العبادة إلى متاحف، بحسب الأب يوليو.

المملكة