قدّم نواب الجمعة اقتراحين لحجب الثقة عن الحكومة الفرنسية الغارقة في أزمة سياسية غداة تمرير قانون إصلاح نظام التقاعد من دون تصويت في الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تفاقم الغضب الاجتماعي وإلى اضطرابات في مناطق عدة في البلاد.

وستنظر الجمعية الوطنية الفرنسية الاثنين ابتداءً من الساعة 16:00 بالتوقيت المحلي (15:00 بتوقيت غرينتش) بالاقتراحين، بحسب ما قالت مصادر برلمانية لوكالة فرانس برس.

قدّم أحد المقترحين الجمعة نواب مجموعة "ليوت" المستقلة و"تشارك فيه أحزاب عدة". وشارك نواب من ائتلاف "نوبس" اليساري في التوقيع على هذا اقتراح حجب الثقة.

ثم قدم نواب من حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بدورهم اقتراحًا آخر بحجب الثقة، وندد الحزب "بإصلاح غير عادل وغير مجدٍ".

ويأتي الاقتراحان بمنزلة رد على قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي استند الخميس إلى المادة 49.3 من الدستور، التي تسمح بتبنّي نصّ من دون التصويت عليه في الجمعية الوطنية، ما لم يؤدِّ اقتراحٌ بحجب الثقة إلى الإطاحة بالحكومة.

وقالت النائبة عن اليمين المتطرف لور لافاليت، "سنصوت لصالح كل اقتراحات حجب الثقة المقدمة"، في حين يتوقع أن يجمع اقتراح "ليوت" أصوات أطراف مختلفة بخلاف اقتراح "التجمع الوطني".

ولإسقاط الحكومة يجب أن تصوت الأكثرية المطلقة في الجمعية الوطنية على اقتراح لحجب الثقة، أي 287 صوتًا. ويتطلب ذلك أن يصوت قرابة ثلاثين نائبًا يمينيًا من حزب الجمهوريين (من أصل 61) على الاقتراح، وهي فرضية تبدو غير مرجحة.

منذ 19 كانون الثاني/يناير، تظاهر ملايين الفرنسيين مرات عدة للتعبير عن رفضهم هذا الإصلاح الذي ينص البند الرئيسي فيه على رفع سن التقاعد القانونية من 62 إلى 64 عاما. ويثير هذا البند الغضب الأكبر.

مواصلة الإضراب في قطاع سكك الحديد

ودعت النقابات الأربعة الممثلة لقطاع سكك الحديد في فرنسا الجمعة إلى "مواصلة الإضراب" الذي بدأ في 7 آذار و"التحرك بكثافة في 23 مارس" لمعارضة إصلاح نظام التقاعد.

كما دعت النقابات موظفي سكك الحديد إلى "مضاعفة الإجراءات والمبادرات الموحدة اعتبارًا من نهاية هذا الأسبوع في جميع المناطق" بعد قرار الحكومة بتبني الإصلاح من دون تصويت في الجمعية الوطنية.

وتم التخطيط لتحركات مختلفة خلال عطلة نهاية الأسبوع أمام مراكز المحافظات ومكاتب النواب في جميع أنحاء فرنسا.

إلغاء رحلات

وطلبت المديرية العامة للطيران المدني من شركات الطيران أن تلغي الإثنين 30% من رحلاتها في باريس-أورلي و20% في مرسيليا-بروفانس جنوب شرق البلاد، بسبب إضراب مراقبي الحركة الجوية احتجاجًا على رفع سن التقاعد.

وقالت المديرية العامة للطيران المدني الجمعة إنه "على الرغم من هذه الإجراءات الوقائية، من المتوقع حدوث اضطرابات وتأخيرات".

تظاهرات

وشهدت مناطق مختلفة في فرنسا اضطرابات الجمعة.

وتجمع قرابة 2500 متظاهر مساء الجمعة في ساحة الكونكورد في باريس، مثل اليوم السابق، للاحتجاج أمام الجمعية الوطنية ضد الإصلاح.

وفي باريس، تجمّع قرابة مئتي متظاهر بدعوة من نقابات الاتحاد العمّالي العام (CGT) النافذ، وعرقلوا حركة المرور صباح الجمعة على الطريق الدائري غداة أمسية شهدت أعمال عنف. فقد خرجت مساء الخميس تظاهرة عفوية شارك فيها آلاف الأشخاص في محيط ساحة الكونكورد. وتمّ اعتقال أكثر من 300 شخص بينهم 258 في باريس وحدها، وفق ما أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان.

وجرت تظاهرات متفرّقة تمّ خلالها قطع طرق مؤدّية إلى مدارس.

ويخطّط الاتحاد النقابي لـ"تجمّعات محلية" في نهاية هذا الأسبوع، بالإضافة إلى يوم تاسع من الإضرابات والتظاهرات الخميس 23 آذار، فيما حذّر مسؤولون نقابيون من حصول تجاوزات.

واختارت الحكومة الفرنسية رفع سنّ التقاعد القانوني استجابة للتدهور المالي الذي تشهده صناديق التقاعد ولشيخوخة السكان.

وفرنسا من الدول الأوروبية التي تعتمد أدنى سن للتقاعد من دون أن تكون أنظمة التقاعد قابلة للمقارنة مع غيرها من الدول بشكل كامل.

ويبرز شبه إجماع على اعتبار اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور لتبنّي مشروع القانون من دون تصويت في الجمعية الوطنية، نكسة بالنسبة إلى ماكرون الذي رَهَن رصيده السياسي في سبيل هذا الإصلاح جاعلاً منه أبرز مشاريع ولايته الرئاسية الثانية.

وتُظهر مختلف استطلاعات الرأي أنّ غالبية الفرنسيين تعارض هذا الإصلاح، رغم أنّ عدد المتظاهرين في الشوارع والمضربين عن العمل انخفض مع مرور الوقت.

ويبرز الغضب في باريس أيضاً عبر تراكُم النفايات في عدد من الشوارع، إذ لم يتم جمعها منذ عدّة أيام بسبب إضراب العاملين.

في هذه العاصمة التي تعدّ وجهة سياحية عالمية، تستمرّ الروائح الكريهة في الانبعاث من أكوام القمامة، فيما تستعدّ السلطات لاستدعاء طواقم لإزالة جزء منها.

أ ف ب