لم تتمالك النازحة أم محمد النمس نفسها وهي تجوب خيام النازحين في مواصي خان يونس، بحثا عن كسرة خبز، أو أي نوع من المعلبات لتطعم بها أطفالها، الذين لم يعرفوا طعم الخبز منذ أسبوعين.

حال النازحة النمس كحال آلاف النازحين الذين ضاقت بهم سبل الحياة، في ظل شح المواد الغذائية جراء استمرار الاحتلال إغلاق المعابر، ومنع إدخال المساعدات للقطاع منذ شهرين، ضاربا بعرض الحائط كافة النداءات الدولية التي تنذر بحدوث مجاعة حقيقة ستؤدي إلى موت الآلاف في قطاع غزة المحاصر، وكأن لسان حالهم يقول: من لم يمت بالرصاص وشظايا الصواريخ، سيموت جوعا.

وبدت النمس (45 عاما) متعبة جراء تحملها مسؤولية تربية خمسة أطفال لم يتجاوز أكبرهم (10 أعوام)، وزوج طريح الفراش جراء إصابته بشظية في الظهر، ألزمته الفراش، يتهدده الموت كحال آلاف المصابين، لعدم توفر الدواء أو الطعام، وفي معظم الأحيان فقدان الاثنين معا.

وأقسمت الأم المكلومة التي نهش الفقر وهموم النزوح جسدها النحيف أنها لم تكن تتناول الطعام ليوم كامل وأحيانا ليومين، من أجل أن تطعم زوجها المصاب، وأطفالها.

وتابعت النازحة النمس أنها تقوم صباح كل يوم بتوزيع المهام بينها، وبين أطفالها، لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة من مياه، ووجبة غداء من العدس أو المعكرونة من إحدى التكايا، التي تبعد نحو كيلو متر عن مكان نزوحهم، حيث تواجه صعوبة بالغة في ظل الازدحام الكبير في الطوابير المنتظرة للحصول على الوجبة.

ومنذ بدء الحرب على القطاع قبل أكثر من عام ونصف، عانى النازحون الأمرين بسبب تكرار عمليات النزوح من ناحية، وموجات ارتفاع الأسعار من ناحية أخرى، أدت إلى استنزاف جيوبهم، نتيجة إغلاق المعابر، وسياسة العقاب الجماعي التي اعتاد عليها الاحتلال الإسرائيلي.

ويتجول النازح أبو أيمن (57 عاما) بين البسطات، بحثا عن بديل للدقيق الذي ارتفع سعره بشكل خيالي، حيث تجاوز ثمن الكيلو الواحد (60 شيكلا)، ما يعادل 17 دولارا، في حين بلغ سعر كيلو الأرز 40 شيكلا، ما يعادل 11 دولارا، ومثله كيلو المعكرونة، الذي لم يتجاوز سعرها في الوضع الطبيعي شيقلين.

وأضاف: لم يتبق أمامه سوى العدس والفاصولياء ليقوم بطحنهما معا، ليصنع منهما الخبز لأطفاله، وإقناعهم على تناول وجبة واحدة في اليوم، بدلا من ثلاث وجبات.

وفرغت كافة المحال التجارية والبسطات من المواد الغدائية بأنواعها، ولم يتبق في الأسواق إلا القليل من معلبات البازلاء والفاصولياء.

ويخشى النازحون في ظل رفض الاحتلال الاستجابة لكافة الضغوطات الدولية لإدخال المساعدات، أن يصل بهم الحال كما وصل بأهالي مدينة غزة وشمالها العام الماضي، عندما وجدوا أنفسهم تحت ضغط الحصار والحرمان مضطرين إلى أكل "علف الحيوانات".

وطالب النازحون المجتمع الدولي المنظمات الحقوقية والصليب الأحمر بالضغط على حكومة الاحتلال، وإجبارها على فتح المعابر، قبل حدوث كارثة إنسانية، وموت الآلاف بسب المجاعة، وفقدان مقومات الحياة.

وأشارت إحصائيات وزارة الصحة إلى استشهاد 57 طفلا بسبب المجاعة، وسوء التغذية، وكان آخرهم الطفلة جنان السكافي، التي استشهدت يوم أمس.

وأكدت مصادر طبية في غزة، أن سلطات الاحتلال تواصل منع إدخال حليب الأطفال، والمكملات الغذائية، وجميع أشكال المساعدات الإنسانية، مما أدى إلى وصول أكثر من 70 ألف طفل إلى المستشفيات، بسبب سوء التغذية الحاد.

وأضافت المصادر ذاتها، "أن أكثر من 3 آلاف و500 طفل دون سن الخامسة يواجهون خطر الموت الوشيك جوعا، فيما يقف نحو 290 ألف طفل على حافة الهلاك، في وقت يفتقر فيه 1.1 مليون طفل يوميا إلى الحد الأدنى من الغذاء اللازم للبقاء على قيد الحياة".

وفا