أطلق الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته، خلال كلمته أمام الجمعية البرلمانية للناتو، نداءً صريحًا لتعزيز الجاهزية الدفاعية للحلف عبر زيادة الإنفاق العسكري والإنتاج الصناعي الدفاعي، مؤكداً أن التحالف يمر بمنعطف أمني خطير في ظل تزايد التهديدات العالمية، مشيرا إلى قرارات استراتيجية ستعلن في لاهاي تعيد رسم مستقبل التحالف.
وأكد روته أن الجمعية البرلمانية للناتو، التي تحتفل بعامها السبعين، تمثل دعامة أساسية للسلام والأمن والديمقراطية، ولتعزيز التفاهم بين الحلف وشعوبه. وقال: "أنتم تعززون الرابط بين الناتو والمجتمعات الديمقراطية... ولكم مني كل التقدير والامتنان".
أوضح روته أن العالم يواجه تحديات غير مسبوقة تشمل الحرب الروسية المستمرة ضد أوكرانيا، وغيرها من التهديدات الإرهابية، وتصاعد المنافسة بين القوى الكبرى، إضافة إلى بؤر التوتر الممتدة من الشرق الأوسط إلى آسيا.
وقال "روسيا لم تعد وحدها؛ لقد تحالفت مع الصين وكوريا الشمالية وإيران، ويعملون على توسيع قدراتهم العسكرية استعدادًا لمواجهة طويلة الأمد".
واستشهد روته بكلمات ونستون تشرشل عام 1936: "هل سيكون هناك وقت لوضع دفاعاتنا موضع التنفيذ، أم سُتسجَّل الكلمات المرعبة 'لقد فات الأوان'؟"، مشددًا على أن تأجيل الاستعدادات يعرض السلام للخطر، وأن تعزيز الدفاع يجب أن يبدأ فورًا.
"2% لم تعد كافية"
أشار الأمين العام إلى أن معظم الدول الأعضاء ستبلغ هدف 2% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي هذا العام، لكنه أكد أن هذا المستوى الذي تم الاتفاق عليه في 2014 "لم يعد كافيًا"، معلنًا أن العام 2025 سيشهد الانتهاء من خطة شاملة لرفع الإنفاق الدفاعي على مستوى الحلف.
وتهدف الخطة إلى زيادة التمويل المخصص للقدرات الدفاعية الصلبة، بالإضافة إلى استثمارات استراتيجية في البنية التحتية والمرونة الدفاعية، تحضيرًا لاعتمادها رسميًا في قمة لاهاي الشهر المقبل.
ودعا روته النواب إلى ممارسة دور فاعل في إقناع الرأي العام والحكومات الوطنية بأهمية رفع الإنفاق الدفاعي، مؤكدًا أن النقاشات قد تكون صعبة في بعض البرلمانات، لكنها ضرورية لضمان اعتماد الموازنات العسكرية في وقت حساس أمنيًا.
وأكد روته أن الناتو يسعى إلى توسيع قاعدته الصناعية الدفاعية، وتعزيز الإنتاج وتسهيل التعاون بين الدول الأعضاء، معلنًا أن قمة لاهاي ستوجه "رسالة طلب واضحة" إلى الصناعة الدفاعية لتلبية الطموحات المتزايدة للحلف.
كما شدد على أهمية الاستثمار المشترك في القدرات العسكرية الحيوية، مؤكدًا أن "زيادة الإنتاج الدفاعي تخدم الأمن، وتنعكس أيضًا بشكل إيجابي على اقتصادات الدول الأعضاء".
وفي معرض حديثه عن العدالة داخل الحلف، أكد الأمين العام أن "كل دولة يجب أن تؤدي دورها بالكامل"، معربًا عن ارتياحه لقيام دول أوروبية وكندا بزيادة مساهماتها الدفاعية، ما يسهم في إعادة التوازن داخل الناتو. وأضاف: "التحالف عبر الأطلسي القوي مفيد لأوروبا، ومفيد للولايات المتحدة".
أما عن الفاعلية، فقال روته إن تعزيز الردع وتزويد القوات بالقدرات المطلوبة ضروري لضمان عدم تجرؤ أي معتدٍ على اختبار صلابة الحلف. وأكد: "رغم أننا حلف دفاعي، إلا أننا سنقوم بكل ما يلزم لحماية أسلوب حياتنا... وإذا هوجمنا، سيكون ردنا مطلقًا".
وجدد الأمين العام دعمه القاطع لأوكرانيا، مدينًا الهجمات الروسية الأخيرة على المدنيين الأبرياء، ومعلنًا تأييد الحلف الكامل لجهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف القتال. وقال: "نحن بحاجة إلى سلام عادل ودائم، وهذا هدف مشترك بيننا جميعًا".
وأوضح أن دعم الناتو لأوكرانيا لا يهدف لإطالة أمد الحرب، بل لتمكينها من الدفاع عن نفسها ومنع تكرار العدوان. ولفت النظر إلى أن مقر قيادة الناتو في ألمانيا يقود جهود تنسيق الدعم والتدريب العسكري، بينما يساعد مركز جديد في بولندا على استخلاص الدروس من ساحة المعركة.
وأكد أن الحلفاء تعهدوا بأكثر من 20 مليار يورو من المساعدات الأمنية الإضافية لأوكرانيا هذا العام، ضمن إطار "تحالف الراغبين" بقيادة المملكة المتحدة وفرنسا، استعدادًا لتحمل مسؤوليات أكبر نحو إحلال السلام عندما يحين الوقت.
وختم روته خطابه بالتذكير بأن مدينة دايتون كانت شاهدة عام 1995 على توقيع اتفاق السلام الذي أنهى الحرب البوسنية، وأن الناتو دعم منذ ذلك الحين السلام والاستقرار في غرب البلقان. وأكد أن "السلام ممكن عندما تتوفر الإرادة السياسية"، لكنه حذر في الوقت ذاته من تجاهل الدروس التاريخية، قائلًا: "لحماية السلام، يجب أن نستعد للحرب".
وأضاف: "مليار إنسان على جانبي الأطلسي يعتمدون علينا. فلننهض للتحدي، ونقف معًا أقوياء في الناتو".
المملكة