قال مختصون في الشأن البيئي إن كلمة جلالة الملك عبد الله الثاني التي ألقاها، الاثنين، خلال افتتاح المؤتمر الثالث للأمم المتحدة للمحيطات، المنعقد في مدينة نيس الفرنسية، تعكس الاهتمام الأردني الكبير بالاقتصاد الأزرق وحماية البيئة بطرق مبتكرة قادرة على إيجاد حلول للتحديات البيئية التي باتت تواجه العالم بمجموعه.

وأكدوا، أن حديث ومشاركة جلالة الملك عبد الله الثاني في المؤتمر تُعد إعلانًا واضحًا عن انتقال الأردن من موقع المتلقي إلى موقع المبادر في القضايا البيئية العالمية، ومحطة بالغة الأهمية في تعزيز موقع الأردن دوليًا في القضايا البيئية والبحرية، خصوصًا في ظل التحديات المتزايدة المرتبطة بتغير المناخ والتدهور البيئي للموارد البحرية.

وقالت الرئيسة التنفيذية لجمعية العمل المناخي والخبيرة البيئية دعاء الديرباني، إن حديث الملك بعث في مضمونه رسالة واضحة للعالم مفادها بأن الأردن لديه رؤية وخطة واضحة فيما يتعلق بالقضايا البيئية المختلفة، ويدرك جيدًا أن المسطحات المائية ليست فقط مصدرًا مشتركًا للحياة، بل هي عصب حياة مليارات الكائنات الحية، وأن هناك تهديدات مباشرة للعالم أجمع الذي يُعد الأردن جزءًا منه، نتيجة التغير المناخي والتلوث، والاستغلال الجائر لموارد الطبيعة.

وأضافت أن جلالته اختار تسليط الضوء على قضية الشعاب المرجانية، مشيرًا إلى أن ثلثيها قد فُقد خلال جيل واحد فقط، مؤكدًا ضرورة استعادتها قبل فوات الأوان، لافتًا الأنظار إلى ميزة بيئية فريدة يتمتع بها الأردن، وهي مرونة الشعاب المرجانية في خليج العقبة وقدرتها على الصمود في وجه درجات الحرارة العالية، حيث قال جلالته: "إن هذه الظاهرة النادرة تجعل من خليج العقبة مختبرًا فريدًا يمكن تسخيره لإنقاذ الشعاب المرجانية حول العالم".

وبينت الديرباني أن إعلان جلالة الملك عن إطلاق الأردن لمبادرات العقبة للاقتصاد الأزرق والمركز العالمي لدعم المحيطات يسعى نحو اختبار وتطوير تقنيات قابلة للتطبيق عالميًا، بما في ذلك استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لإعادة بناء الشعاب المرجانية. وهي تقنية متقدمة تقوم على تصميم هياكل ثلاثية الأبعاد تُزرع في البيئة البحرية لتشكل مأوى للكائنات الحية، وتُسهم في إعادة تأهيل المناطق المتدهورة.

وأضافت أن هذه التقنية تتيح أيضًا بناء هياكل دقيقة تحاكي الشعاب المرجانية الطبيعية باستخدام مواد صديقة للبيئة، مما يسمح بترميم البيئات البحرية المتضررة بطريقة فعالة ومستدامة.

وأشارت الديرباني إلى أن البحر الأحمر، الذي يشكل المنفذ البحري الوحيد للأردن، يزخر بتنوع بيولوجي فريد ومناطق شعاب مرجانية تُعد من الأجمل والأكثر تنوعًا في العالم، وهذا يجعل من حماية البيئة البحرية في الخليج جزءًا من مسؤوليتنا الوطنية والإقليمية والدولية لتحقيق الهدف 14 من أهداف التنمية المستدامة، الذي يركز على حماية الحياة تحت الماء، فالتنمية المستدامة في الأردن لا تقتصر على البر، بل تمتد إلى البحر.

وأكدت الديرباني أنه في ظل هذه الرؤية الشمولية التي يقودها جلالة الملك، بات الأردن يخطو بثقة نحو بناء اقتصاد أزرق مبتكر، يُحاكي المستقبل ويستجيب لتحديات العصر، ويبرهن أن حماية البيئة ليست ترفًا، بل ركيزة للصمود الاقتصادي والاجتماعي وضرورة لبناء مستقبل مزدهر وآمن للأجيال المقبلة، وأن التزامه بالعمل البيئي ليس محليًا فقط، بل عالميًا، انطلاقًا من مسؤوليته الأخلاقية وموقعه الحيوي في قلب البحر الأحمر.

وبين الخبير في التنوع الحيوي البري والبحري إيهاب عيد أنه، واستنادًا إلى الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالة الملك عبد الله الثاني في المؤتمر الثالث للأمم المتحدة للمحيطات، يتجلى بوضوح الدور الريادي الذي اضطلع به الأردن في حماية البيئة البحرية والمحافظة على النظم البيئية الطبيعية، حيث أشار جلالته إلى أهمية المحيطات باعتبارها موارد مشتركة لا غنى عنها لحياة البشرية، مؤكدًا ضرورة العمل الجماعي لمواجهة التحديات البيئية التي تهدد هذه النظم الحيوية، حيث يأتي هذا التوجه امتدادًا لرؤية هاشمية راسخة في حماية الطبيعة بدأت منذ ستينيات القرن العشرين، حين كان الأردن من أوائل الدول في المنطقة التي تبنت نهجًا مؤسسيًا لحماية التنوع الحيوي، وهو ما تُوّج بإنشاء محمية العقبة البحرية عام 2020، بتوجيه من جلالة الملك عبد الله الثاني، لتكون نموذجًا وطنيًا يعكس التزام الأردن العملي بحماية بيئته البحرية ومصادرها الطبيعية.

وأشار إلى أن منطقة العقبة تمتاز، رغم صغر مساحتها الجغرافية، بثراء استثنائي في تنوعها الحيوي والأنظمة البيئية التي تحتضنها، فهي تضم بيئات بحرية متعددة تتكامل فيما بينها لتشكل منظومة بيئية متكاملة تشمل الحيود المرجانية، ومروج الأعشاب البحرية، والقيعان الرملية، والنظم العميقة، مبينًا أنه جرى في خليج العقبة تسجيل نحو 157 نوعًا من المرجان الصلب، وثلاثة أنواع من الأعشاب البحرية، وأكثر من 508 أنواع من الأسماك، يعيش أكثر من نصفها ضمن نطاق الشعاب المرجانية، إلى جانب أربعة أنواع من السلاحف البحرية، وما لا يقل عن تسعة أنواع من الثدييات البحرية بما فيها الدلافين، ونحو 16 نوعًا من أسماك القرش، إضافة إلى آلاف الأنواع من اللافقاريات.

وقال إنه، ومن الملامح الفريدة للبحر الأحمر وخليج العقبة تحديدًا، ارتفاع نسبة التوطن فيه، إذ تصل إلى 6 و7 بالمئة، وهي نسبة تتجاوز بكثير مثيلاتها في باقي محيطات العالم التي لا تتعدى 2 إلى 3 بالمئة. ويعني ذلك أن نسبة كبيرة من الكائنات البحرية الموجودة في البحر الأحمر لا توجد في أي مكان آخر في العالم، وهو ما يضفي على العقبة أهمية عالمية بصفتها موئلًا طبيعيًا لكائنات نادرة مهددة، حيث تشير الدراسات إلى أن نحو 65 بالمئة من الأنواع المتوطنة من المرجان الصلب المعروفة في البحر الأحمر، والبالغ عددها 23 نوعًا، توجد في المياه الأردنية من خليج العقبة، ما يعزز من مكانة الأردن كمركز رئيس لحماية التنوع الحيوي في هذا الجزء من العالم.

وأفاد الخبير عيد بأن من العوامل التي تجعل العقبة موقعًا بيئيًا فريدًا، الخصائص الفيزيائية التاريخية لمياه خليجها مثل درجات الحرارة، والملوحة، ومستويات الأكسجين التي بقيت مستقرة وضمن المعدلات الطبيعية على مدار آلاف السنوات، مشيرًا إلى أن النماذج البيئية المستقبلية أظهرت أن هذه الخصائص ستظل ثابتة تقريبًا حتى الأعوام 2025 و2070 و2100، على عكس مناطق عديدة من العالم ستتأثر سلبًا بتغير المناخ.

وأكد أن هذا الاستقرار يجعل من خليج العقبة ما يُشبه "مستودعًا جينيًا عالميًا" يمكن الاعتماد عليه مستقبلًا في ترميم واستعادة الشعاب المرجانية المتدهورة في باقي البحار والمحيطات.

وأشار عيد، الذي يعد ناشطًا في المجال البحثي البيئي، إلى أن الشعاب المرجانية في خليج العقبة تمنح الأمل العلمي لتطوير تقنيات مقاومة لتأثيرات الاحترار العالمي، وهو ما شدد عليه جلالة الملك في خطابه، حين دعا إلى تحويل هذه المعرفة البيئية إلى حلول تطبيقية قابلة للنقل عالميًا.

بترا