اختتم فريق من خبراء صندوق النقد الدولي، برئاسة رون فان رودن، زيارة إلى العاصمة السورية دمشق، امتدت من 1 إلى 5 حزيران 2025، في أول مهمة من نوعها منذ أكثر من 16 عاماً، بهدف تقييم الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد، ومناقشة أولويات السياسات الاقتصادية وبناء القدرات مع السلطات السورية، ووضع خارطة طريق لدعم صياغة وتنفيذ السياسات الاقتصادية.
وأكد بيان صادر عن فان رودن في ختام الزيارة أن سوريا تواجه تحديات هائلة بعد سنوات من الصراع الذي تسبب بمعاناة إنسانية واسعة النطاق، وأدى إلى تقلص الاقتصاد إلى جزء يسير من حجمه السابق، حيث نزح نحو ستة ملايين شخص إلى الخارج، معظمهم إلى دول الجوار، بالإضافة إلى سبعة ملايين نازح داخلياً.
وأشار إلى أن الإنتاج الاقتصادي تراجع بشدة، وانخفضت الدخول الحقيقية، وارتفعت معدلات الفقر، فيما ضعفت المؤسسات الحكومية وتدهورت خدمات الصحة والتعليم والبنية التحتية الأساسية في أجزاء واسعة من البلاد، مؤكداً أن الحاجات الإنسانية وإعادة الإعمار تتطلب تحركاً عاجلاً لتحقيق تعافٍ اقتصادي مستدام يستوعب أيضاً الأعداد المتزايدة من اللاجئين العائدين.
وأضاف البيان أن السلطات السورية عازمة على استعادة النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة للسكان، وتسعى لاعتماد سياسات اقتصادية رشيدة.
وركزت المناقشات بين الفريق الفني والمسؤولين السوريين على مجموعة من الأولويات القريبة المدى، منها إقرار موازنة لبقية عام 2025، وتحديد الموارد المحلية والخارجية المتاحة، مع ضمان تلبية الإنفاق على الأولويات الأساسية، بما يشمل الرواتب الحكومية، وخدمات الصحة والتعليم الأساسية، ودعم الفئات الأكثر هشاشة.
وشملت الأولويات أيضا تحسين تعبئة الإيرادات من خلال تحديث النظامين الضريبي والجمركي، وتعزيز إدارات الضرائب والجمارك، وجعلها تحت إشراف وزارة المالية، إضافة إلى تعزيز إدارة المالية العامة لتطوير تنفيذ الموازنة ومراقبتها.
وشملت تمكين البنك المركزي من تحقيق الاستقرار السعري واستعادة الثقة بالعملة الوطنية، ووضع إطار للسياسة النقدية يحقق هذه الأهداف، وأيضا إعادة تأهيل نظام المدفوعات والمصارف، إلى جانب تعزيز نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT)، بما يعزز كفاءة المعاملات، ويعيد الثقة بالنظام المصرفي، ويمهد لاستئناف الوساطة المالية والارتباط بالنظام المالي الدولي.
كما ضمت هذه الأولويات إزالة العقبات الفورية أمام تنمية القطاع الخاص وفق آليات السوق، وتحسين مناخ الاستثمار، وتعزيز منظومة الإحصاءات الاقتصادية من حيث جمع البيانات ومعالجتها ونشرها، بشكل مستقل عن التخطيط الاقتصادي، لتوفير قاعدة بيانات داعمة لصياغة السياسات وتقييمها.
وشدد البيان على أن سوريا بحاجة إلى دعم دولي كبير لمساندة جهودها، سواء عبر التمويل الميسر جداً في ظل محدودية القدرة التمويلية والخارجية، أو عبر مساعدات واسعة النطاق لبناء القدرات وتحديث المؤسسات والأنظمة التقنية المتقادمة.
ورغم التحديات التي خلفتها سنوات الحرب والنزوح على القدرات الإدارية، فقد أظهر موظفو وزارة المالية والبنك المركزي التزاماً قوياً وفهماً عميقاً للسياسات الاقتصادية، حسب ما أفاد فريق صندوق النقد.
وأكد الفريق مجدداً التزام صندوق النقد الدولي بدعم سوريا في مسار التعافي الاقتصادي، مشيراً إلى إعداد خارطة طريق تفصيلية لتحديد أولويات السياسات وبناء القدرات في المؤسسات الاقتصادية الأساسية، بما في ذلك وزارة المالية، والبنك المركزي، ودائرة الإحصاءات، بالتنسيق مع الشركاء التنمويين، ومع الأخذ بعين الاعتبار محدودية قدرة الاستيعاب المؤسسي.
وفي ختام البيان، أعرب فريق الصندوق عن شكره العميق للسلطات السورية على النقاشات الصريحة والبنّاءة، وعلى ما لقيه من حفاوة استقبال خلال هذه المهمة التاريخية الأولى منذ عام 2009، والتي شملت لقاءات مع وزير المالية يسر برنية، ومحافظ البنك المركزي عبد القادر حسريه، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين وممثلي القطاع الخاص والمصارف المملوكة للدولة.
المملكة