أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء، أن العالم يعيش في خضم اضطرابات متزايدة تشمل صراعات محتدمة، معاناة إنسانية متصاعدة، فوضى مناخية، وانقسامات جيوسياسية.
إلا أن غوتيريش أشار، في كلمة ألقاها بعنوان "الفرصة سانحة للتعجيل بعصر الطاقة النظيفة"، إلى بروز ملمح إيجابي يتمثل في بداية تشكل عصر جديد للطاقة النظيفة، ستكون له آثار عميقة على البشرية.
وأوضح أن البشرية عبر التاريخ قد شكلت مصيرها من خلال تحولات في مصادر الطاقة، بدءًا من التحكم في النار، وصولًا إلى تسخير البخار، وشطر الذرة.
وقال، إن الوقود الأحفوري بات يشرف على الاختفاء، بينما تشرق شمس عصر الطاقة النظيفة. وأشار إلى أن العالم أنفق العام الماضي تريليوني دولار على الطاقة النظيفة، بزيادة قدرها 800 بليون دولار عن العام السابق، أي ما يمثل نموًا بنسبة 70% في عشر سنوات.
وأشار غوتيريش إلى بيانات جديدة صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة تُظهر أن الطاقة الشمسية باتت أرخص بنسبة 41%، وطاقة الرياح البحرية أرخص بنسبة 53% مقارنةً بالوقود الأحفوري. كما أظهرت الأرقام أن أكثر من 90% من المشاريع الجديدة لإنتاج الكهرباء باتت تُبنى بتكلفة أقل من أي بديل جديد من الوقود الأحفوري.
وأكد أن التحول الجاري في قطاع الطاقة ليس فقط بيئيًا بل اقتصاديًا وأمنيًا وإنسانيًا، وأن الطاقة النظيفة تقلل انبعاثات الكربون بمقدار يوازي انبعاثات الاتحاد الأوروبي السنوية. وبدعم من عدة جهات دولية من بينها وكالات الأمم المتحدة، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، ومنظمة التعاون والتنمية، أُطلق تقرير خاص يُظهر ما تحقق منذ اتفاق باريس، ويسلط الضوء على الفوائد الهائلة للطاقة النظيفة والإجراءات اللازمة لتسريع الانتقال العادل عالميًا.
وبيّن أن مصادر الطاقة المتجددة باتت تضاهي الوقود الأحفوري من حيث القدرة الإنتاجية العالمية، وأن معظم القدرات الإنتاجية الجديدة التي أُنشئت العام الماضي جاءت من الطاقة المتجددة، التي أنتجت ما يقرب من ثلث الكهرباء عالميًا.
وشدد غوتيريش على أن هذا المستقبل لم يعد وعدًا أو خيارًا بيد الحكومات أو الصناعات أو المصالح الخاصة، مشيرًا إلى أن محاولات معرفته ستبوء بالفشل، لأن العالم تجاوز نقطة اللاعودة. وأوضح أن هذا التحول يستند إلى 3 دعائم: اقتصاد السوق، أمن الطاقة، وسهولة الوصول.
وقال، إن قطاع الطاقة النظيفة كان مسؤولًا عن 10% من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2023، بما في ذلك 6% في الولايات المتحدة، 5% في الهند، 20% في الصين، و33% في الاتحاد الأوروبي. كما أشار إلى أن عدد العاملين في قطاع الطاقة النظيفة بات يقارب 35 مليون شخص، ويتفوق على قطاع الوقود الأحفوري، بما في ذلك في ولايات مثل تكساس.
وحذر من أن دعم الوقود الأحفوري، بنسبة 1 إلى 9 على مستوى العالم، يمثل تشويهًا للسوق ويعزز كلفة الكوارث المناخية. كما أكد أن الدول التي تتمسك بالوقود الأحفوري تُضعف اقتصادها وتفوّت أكبر فرصة اقتصادية في القرن الحادي والعشرين.
وأضاف أن أكبر تهديد لأمن الطاقة حاليًا هو الاعتماد على الوقود الأحفوري، لما يسببه من تقلبات أسعار واضطرابات جيوسياسية، مستشهدًا بالحرب الروسية على أوكرانيا التي تسببت في أزمة طاقة عالمية عام 2022، رفعت فواتير الطاقة المنزلية بنسبة 20%.
وأكد أن مصادر الطاقة المتجددة تتيح للدول السيادة الحقيقية في مجال الطاقة، وأن كل دولة تقريبًا تمتلك ما يكفي من الشمس أو الرياح أو المياه لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
وأشار إلى أن من مزايا الطاقة المتجددة أيضًا سهولة إيصالها، حيث يمكن توصيل الألواح الشمسية إلى أبعد القرى، في حين أن الطاقة النووية لن تسد فجوات الانتفاع. وأكد أن إفريقيا يمكن أن تولد كهرباء من مصادر متجددة تفوق احتياجاتها بعشرة أضعاف بحلول 2040.
وحذر غوتيريش من أن التحول لا يتم بالسرعة أو العدالة الكافيتين، مشيرًا إلى أن 80% من القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة تتركز في دول التعاون والتنمية والصين، مقابل 10% للبرازيل والهند، و1.5% فقط لإفريقيا. وفي الوقت نفسه، تُزهق أزمة المناخ الأرواح وتدمر سبل العيش، حيث تخسر الدول الجزرية الصغيرة أكثر من 100% من ناتجها المحلي الإجمالي جراء الكوارث المناخية.
وشدد على ضرورة تسريع التحول إلى الطاقة النظيفة للحفاظ على هدف حصر الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية، مستفيدين من انخفاض الأسعار وتطور القدرات التقنية، واقتراب موعد مؤتمر الأطراف الثلاثين في البرازيل، موضحا أن ذلك يتطلب التحرك في ستة مجالات:
أولًا، تقديم خطط مناخية وطنية جديدة طموحة ومنسقة، خاصة من مجموعة العشرين التي تمثل 80% من الانبعاثات. ودعا غوتيريش جميع الدول إلى تقديم مساهمات محددة وطنياً جديدة خلال الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة في أيلول/سبتمبر. وينبغي أن تشمل هذه الخطط الاقتصاد بأكمله، وأن تتواءم مع هدف 1.5 درجة، وأن تدمج أولويات المناخ والتنمية في رؤية واحدة، وتفي بالوعد بمضاعفة كفاءة الطاقة وزيادة إنتاج الطاقة المتجددة بثلاثة أضعاف بحلول 2030، وأن يسري التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
ثانيًا، الاستثمار في بناء نظم الطاقة الحديثة، بما يشمل الشبكات الكهربائية الرقمية، وتوسيع نطاق التخزين، والبنية التحتية للمركبات الكهربائية، وزيادة الكفاءة في المباني والصناعة.
ثالثًا، تلبية الطلب العالمي المتصاعد على الطاقة بأساليب مستدامة، خاصة في ظل توسع التبريد وازدياد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتمويل الرقمي. وأشار إلى أن مراكز البيانات للذكاء الاصطناعي قد تستهلك كهرباء بحجم استهلاك اليابان بحلول 2030 إن لم تُضبط. ودعا الشركات التقنية الكبرى إلى تشغيل مراكزها باستخدام الطاقة المتجددة 100% بحلول 2030.
رابعًا، تحقيق تحول عادل يضمن الحماية الاجتماعية والفرص للعاملين في قطاع الوقود الأحفوري، والشعوب الأصلية، والبلدان النامية ذات الدخل المنخفض. كما طالب بوضع حد للاستغلال المرتبط باستخراج المعادن الحرجة في دول الجنوب، وتنفيذ توصيات فريق الأمم المتحدة المعني بالمعادن الحرجِة.
خامسًا، تكييف التجارة الدولية لدعم الطاقة النظيفة، من خلال خفض الرسوم الجمركية، وتعزيز التعاون بين بلدان الجنوب، وإصلاح أنظمة تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول التي تستغلها مصالح الوقود الأحفوري لإبطاء التحول.
سادسًا، إطلاق التمويل بكامل طاقته لدعم الدول النامية. وأكد أن إفريقيا، رغم امتلاكها 60% من أفضل موارد الطاقة الشمسية، لم تتلق سوى 2% من استثمارات الطاقة النظيفة في 2024. وأشار إلى ضرورة رفع الاستثمارات في هذه الدول بأكثر من خمسة أضعاف بحلول 2030، مع إصلاح الهيكل المالي العالمي، وتوسيع قدرة مؤسسات التنمية على الإقراض، واعتماد أدوات تخفيف عبء الديون مثل مقايضة الديون بالمناخ.
وانتقد غوتيريش النماذج القديمة لتقييم المخاطر، التي تؤدي إلى تضخيم تكلفة رأس المال في الدول النامية، داعيًا وكالات التصنيف والمستثمرين إلى اعتماد نهج جديد يأخذ في الاعتبار فوائد الطاقة النظيفة وتكاليف أزمة المناخ وتعطل أصول الوقود الأحفوري.
وقال غوتيريش، إن عصر الوقود الأحفوري يتداعى، وإن العالم يقف على أعتاب عصر جديد من الطاقة الوفيرة والنظيفة والرخيصة.
وأضاف: "هذا عالم في متناول أيدينا، لكنه لن يتحقق من تلقاء نفسه، ولا بالسرعة الكافية، ولا بالعدالة الكافية. فذلك نحن الذين نحققه. إننا نملك الأدوات اللازمة لدفع عجلة المستقبل لصالح البشرية. دعونا نحقق أقصى استفادة منها. إن هذه فرصتنا التي يتعين ألا نفوتها".
المملكة