شددت روسيا، الثلاثاء، على أن أي قمة محتملة بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره فولوديمير زيلينسكي سعيا لإنهاء النزاع في أوكرانيا، يجب أن يتم التحضير لها "بشكل دقيق للغاية".
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلة مع محطة "روسيا 24" التلفزيونية إن "كل تواصل بين القادة يجب أن يتم التحضير له بشكل دقيق"، وذلك غداة تأكيد الكرملين استعداد بوتين للقاء زيلينسكي، عقب القمة التي جمعت الأخير وقادة أوروبيين بالرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ويبحث حلفاء أوكرانيا الثلاثاء الخطوات المقبلة ونتائج المباحثات التي عقدها دونالد ترامب في البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني وقادة أوروبيين، بعد تأكيد الرئيس الأميركي أنه سيبدأ الإعداد لجمع نظيريه زيلينسكي وبوتين في قمة يؤمل أن تؤدي إلى تحقيق السلام بين موسكو وكييف.
وتمحور اللقاء الذي عقد في واشنطن الاثنين على الضمانات الأمنية التي تطالب بها كييف في أي اتفاق سلام ينهي الحرب التي بدأت بهجوم روسي مطلع العام 2022.
وهو أتى بعد أيام من قمة جمعت ترامب وبوتين في ولاية ألاسكا.
وعلى هامش الاجتماع الأميركي الأوروبي، أجرى ترامب اتصالا هاتفيا ببوتين، أبلغه فيه الأخير باستعداده للقاء نظيره الأوكراني.
وستكون هذه القمة في حال حصولها، الأولى بين الرئيسين الروسي والأوكراني منذ بدء الحرب.
وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية، إن رئيسها كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيرئسان "اجتماعا افتراضيا لتحالف الراغبين صباح اليوم (الثلاثاء) لإطلاع القادة على مخرجات النقاشات في واشنطن والبحث في الخطوات التالية".
وأوضح ماكرون أن الاجتماع الذي يُعقد عبر تقنية الاتصال، سيشارك فيه نحو 30 من قادة الدول الحليفة لأوكرانيا.
واقترح الرئيس الفرنسي أن تستضيف القمة المحتملة مدينة جنيف بسويسرا.
وقال في مقابلة بثّت الثلاثاء على محطة "إل سي أي" ردّا على سؤال عن مكان عقد اللقاء "هذه ليست مجرّد فرضية بل هي إرادة جماعية... سيكون بلدا محايدا وعلى الأرجح إذن سويسرا. وأنا أؤيّد جنيف، أو حتّى أيّ بلد آخر".
إلا أن ماكرون وجّه انتقادات لاذعة إلى نظيره الروسي، معتبرا أن بوتين "نادرا ما وفى بتعهّداته منذ 2007-2008.
وهو ما انفكّ يزعزع الاستقرار ويعيد النظر في الحدود لبسط نفوذه".
ورأى أن بوتين يحتاج "إلى مواصلة الافتراس، بما في ذلك لضمان بقائه. وهو تاليا مفترس، وغول على أبوابنا. وأنا لا أقول إن فرنسا ستتعرّض للاجتياح غدا، لكنه تهديد للأوروبيين في نهاية المطاف. وينبغي ألا نكون ساذجين".
انفتاح على عقد لقاء
ومنذ عودته إلى الرئاسة مطلع العام الحالي، يدفع ترامب (79 عاما) نحو تسوية تنهي النزاع الأعنف في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
وكتب الرئيس الأميركي على منصته تروث سوشال ليل الاثنين "الجميع سعداء للغاية باحتمال إبرام سلام بالنسبة لروسيا وأوكرانيا".
وأضاف "في ختام الاجتماعات (في البيت الأبيض)، اتصلتُ بالرئيس بوتين، وبدأتُ الترتيبات لعقد اجتماع، في مكان سيتمّ تحديده، بين الرئيس بوتين والرئيس زيلينسكي".
وأضاف "بعد هذا الاجتماع، سنعقد اجتماعا ثلاثيا أنا والرئيسان".
وقال المستشار الألماني فريدريش ميرتس الذي حضر اجتماع البيت الأبيض، إنّ ترامب وبوتين "اتّفقا على عقد اجتماع بين الرئيسين الروسي والأوكراني في غضون الأسبوعين المقبلين".
بدوره، أكّد زيلينسكي أنّه "مستعدّ" للقاء بوتين لإنهاء حرب أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف في روسيا وأوكرانيا.
وفي موسكو، قال المستشار الدبلوماسي لبوتين يوري أوشاكوف أنّ بوتين منفتح على "فكرة" نقل المحادثات مع أوكرانيا "إلى مستوى أعلى".
ولم تثمر الجهود الدبلوماسية التي بذلت على مدى الأشهر الماضية، في تحقيق اختراق بشأن إنهاء الحرب.
وصحيح أن القمة بين ترامب وبوتين لم تثمر اتفاقا على وقف لإطلاق النار، إلا أنها دفعت باتجاه تحقيق خطوات ملموسة، خصوصا مع تأكيد الرئيس الأميركي بعدها ضرورة الدفع نحو اتفاق سلام شامل عوضا عن هدنة فقط، وحديثه عن إمكان تقديم ضمانات أمنية لكييف مستلهمة من معاهدة حلف شمال الأطلسي.
وتواصل ترامب هاتفيا مع زيلينسكي وقادة أوروبيين عقب لقائه بوتين.
ورافق الرئيس الأوكراني إلى البيت الأبيض الاثنين، زعماء كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفنلندا، إضافة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية والأمين العام للناتو.
وعقد ترامب وزيلينسكي لقاء في المكتب البيضوي بداية، طبعته حفاوة الاستقبال من الرئيس الأميركي، في مشهد مغاير تماما للقاء المتشنج بينهما في شباط، حين وبّخ ترامب ونائبه جاي دي فانس زيلينسكي أمام الصحفيين، في مشادة حادة أثارت صدمة في العالم ولدى الحلفاء الأوروبيين.
وأكد زيلينسكي أن لقاء الاثنين كان "الأفضل" له مع ترامب إلى الآن.
ضمانات أمنية
وتشكّل الترتيبات الأمنية التي تطالب بها أوكرانيا، وتريدها ضمانة لعدم تجدد الهجوم الروسي بعد أي اتفاق سلام، محورا أساسيا في النقاشات الهادفة لإنهاء الحرب بين الطرفين.
وأكد ترامب أنه تمّ خلال لقاء الاثنين، البحث في هذه الضمانات، وأن بوتين وافق عليها، علما بأن الرئيس الأميركي استبعد أن تنال كييف مبتغاها الطويل الأمد، وهو الانضمام إلى حلف الأطلسي.
وقال ترامب إن أوروبا يمكن أن تقدم بالتنسيق مع واشنطن ضمانات أمنية لأوكرانيا ضمن اتفاق سلام مع روسيا.
وكتب على منصته تروث سوشال "ناقشنا خلال الاجتماع ضمانات أمنية لأوكرانيا، ستقدمها مختلف الدول الأوروبية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة".
وأكد الأمين العام للناتو مارك روته أن اجتماع واشنطن الاثنين كان "ناجحا للغاية" وأسهم في "كسر الجمود" بشأن إنهاء الحرب.
وأضاف "اليوم نركز على الضمانات الأمنية. الولايات المتحدة ستكون ضالعة بشكل أكبر، وسيتمّ إنجاز التفاصيل خلال الأيام المقبلة".
وأوردت صحيفة فاينانشل تايمز استنادا إلى وثيقة اطلعت عليها، أن أوكرانيا تعهدت بشراء أسلحة أميركية بقيمة 100 مليار دولار تموّلها أوروبا، لقاء توفير واشنطن ضمانات أمنية لها.
وقال زيلينسكي إنّ حلفاء بلاده سيقدّمون إليها "خلال 10 أيام" قائمة بهذه الضمانات الأمنية، موضحا "سيقرّرها على الأرجح شركاؤنا، وسيكون هناك المزيد والمزيد من التفاصيل لأنّه سيتمّ تدوين كلّ شيء على الورق وإضفاء الطابع الرسمي عليه (...) وذلك في غضون أسبوع إلى عشرة أيام".
وشدد ماكرون على أن من بين الضمانات الواجب تقديمها، عدم تحجيم الجيش الأوكراني، مشددا على ضرورة أن يكون الأخير "قويا" وقادرا على "التصدّي لأيّ محاولة هجوم وردعها، وبالتالي لا قيود على العديد أو القدرات أو التسليح".
أما ميرتس، فرفض تخلي أوكرانيا عن أراضٍ، معتبرا أن "الطلب الروسي بأن تتخلّى كييف عن الأجزاء الحرّة من دونباس يعادل... اقتراحا بأن تتخلّى الولايات المتحدة عن فلوريدا".
أ ف ب