لم تنحصر معاناة أم عمر بإصابتها بمرض التهاب الكبد "سي" المعدي لمدة 6 أعوام، بل عانت أيضا من تأمين دوائها الذي يبلغ سعر علبته الواحدة في الأردن 16 ألف دينار، بالرغم من أن الدواء تصنعه شركة أردنية في مصر، وتبيعه بـ 20 دينارا.

في بداية رحلة علاجها، جربت أم عمر أدوية كثيرة أوقفها أطباؤها بعد فشلها،بعد أن زادت فيروسات المرض في كبدها.

بشّرها الأطباء بعد ذلك بدواء جديد قالوا إنه قادر على تحقيق الشفاء بنسبة 99%، وأنها بحاجة إلى 6 علب منه للتخلص من المرض.

"فقدت الأمل واستسلمت للمرض ... عشت لحظات صعبة" تقول أم عمر، وهي أم لـ 4 أطفال.

فريق برنامج قناة المملكة الاستقصائي، "قيد التحقيق"، يحاول تفسير ذلك الفرق الشاسع في سعر الدواء بين الأردن ومصر، ومعرفة أسباب عدم تصنيعه في الأردن.

حمل وهمي وحبوب إجهاض

طال انتظار علا وهي تزور أطباء، وعيادات أطفال، ومراكز إخصاب سعيا للحمل. في يوم الأيام، أخبرها طبيب أن تتوقع طفلها الأول، بعد أن أعطاها حقنا هرمونية ومنشطات.

"طرنا أنا وزوجي من الفرحة،" تقول علا.

لكن بعد 3 أيام، أبلغها الطبيب بأن الحمل لم يحدث أصلا.

"أصبنا بصدمة. ماالذي حدث في 3 أيام ليتغير الأمر من إيجابي إلى سلبي؟" تتساءل علا.

لم يكن يعلم الزوجان أن تلك الحقن، التي قد تساعد على الحمل بنسبة ضئيلة، تعط نتائج إيجابية عند الفحص، لكن، واقعيا، لا يعني هذا حملا بالضرورة، الأمر الذي يعتبر "تضليلا من أجل الحصول على المال".

"قيد التحقيق" يوثق بكاميرته السرية صفقات بيع أدوية في عيادات، منها ما هو ممنوع، ومنها ما يوهم أزواجا بالحمل، ناهيك عن أدوية إجهاض.

سماسرة الدواء

قيد التحقيق: رشاوى تقدم لأطباء في الأردن ولبنان ... هكذا عنونت صحيفة "وول ستريت" في منتصف نيسان/ أبريل عام 2014 عندما نشرت تسريبات لبريد إلكتروني قدم لها من أحد المتعاونين.

بحسب الصحيفة، فإن شركة غلاسكو عملاقة الصناعة الدوائية في العالم تقدم رشاوى لأطباء من أجل صرف لقاحات وأدوية تخص الشركة مقابل امتيازات على شكل تذاكر سفر لهم ولعائلاتهم، إضافة إلى عينات مجانية من أدوية الشركة تباع داخل عيادات الأطباء المتعاونين.

محمد أبو عصب نائب نقيب الصيادلة: بحسب القانون بموجب المادة (30 أ) كل اتفاق يقضي أن يحصل من طبيب أو صيدلية أو شركة على حصة من عوائد بيع الدواء هذه تعتبر مخالفة لأحكام القانون، وتسميتها العالمية "رشوة هي رشوة" إذا ثبت حدوثها.

قيد التحقيق: كلمة "صفقة" هي أكثر كلمة ترددت على مسامعنا بين أوساط المجتمع الطبي والصيدلاني ... صفقة بين طبيب ومندوب شركة أدوية يسعى من خلالها المندوب إلى إقناع الطبيب على صرف أدوية الشركة التي يعمل بها للمرضى مقابل امتيازات ومبالغ نقدية.

مندوب أدوية: تلجأ شركات أدوية لإبرام صفقات مع أطباء؛ لأن الطبيب سوف يستفيد والشركة سوف تستفيد إذا تمت الصفقة بدون أخلاقيات.

زيد كيلاني نقيب الصيادلة: الأطباء لا يسوّقون الدواء، الأطباء يصفون الدواء للحالة المرضية. قد تجد حالات فردية في كل مكان في العالم، كما يمكن أن تجد حالات فردية في أي قطاع آخر، لا نقيس عليهم نهائيا.

قيد التحقيق: مايدور في الخفاء بين مندوبي شركات الأدوية والأطباء ... مهمة لم تكن يسيرة علينا ... المقايضة واضحة ... مقابلة في الظلام للإضاءة على مايدور في الغرف المغلقة.

مندوب أدوية سابق: التسويق الدوائي لا يدخل به أي أحد، اكتشفت بأننا نستطيع العمل مندوبين دعاية بمسمى "مبيعات" في شركات الأدوية. فتتجه إلى سوق التسويق الدوائي تسويق، ولا يمكن لأي شخص الدخول به تريد شخصا متكلما يستطيع التحدث بلباقة، أنت في سوق دع الدواء والطب والصيدلة جانبا، أنت في سوق تريد أن تبيع لديك منافسون، كلما بعت أفضل يكون وضعك أفضل.

قيد التحقيق: قادنا البحث إلى صيدلانية صاحبة مستودع، وتعمل في المجال منذ 30 عاما، أخبرتنا أن سوق الدواء في الأردن شابه الكثير من الخلل خلال الفترة الأخيرة، كما أنها زودتنا بتسجيل صوتي لإحدى الصفقات التي أجرتها مع طبيب لصرف منتوجها. هي الأخرى فضلت الحديث بعيدا عن الأضواء.

مالكة مستودع أدوية: نحن كسياسة مستودع أدوية لا نؤمن أن نعطي مالا لأحد، إلى أن جاء أحد الموظفين، واقترح بأنه يوجد طبيب تحدث معه وقال له إذا أعطيتنا مالاً سوف أزيد لك المبيعات، فقال لي بأنه أجرى معه اتفاقية على أن يعطيه 1000 دينار كل أربعة أشهر، فقلت للموظف موافقة بشرط أن تجري تسجيلا صوتيا لهذه الاتفاقية، وأريد منه التوقيع على شيك بالمبلغ.

قيد التحقيق: يثبت هذا التسجيل الذي حصلنا عليه قبول أحد الأطباء صرف دواء بعينه مقابل 1000دينار يتم تسجيل هذه المبالغ تحت اسم بدل بحث علمي حتى يكون بعيدا عن الشبهات. أما الوصولات التي حصلنا عليها فتثبت إيداع إحدى المستودعات مبالغ مالية لأطباء مقابل صرف علاجات لمصلحة الشركة، وعمولة الطبيب في هذه الحالة تصل أولا بأول على حسابه.

مالكة مستودع أدوية: تدفع لأجل زيادة المبيعات بهذا السوق، ولن يتوسع إذا لم يفعل ذلك.

مندوب أدوية سابق: لا توجد طريقة تثبت هذا الحديث؛ لأنه يجري في الخفاء.

الصيدلاني إبراهيم العجوري: صعب جدا أن نثبت أن هذا الطبيب قام بصفقة مع إحدى الشركات، أو أحد المندوبين؛ لأنها دائرة مغلقة صعب حصرها من قبل جهة الغذاء والدواء أو حتى بالقانون.

قيد التحقيق: للانتقال مما سمعناه من روايات قررنا النزول إلى السوق، وعمل صفقة لمعرفة مدى انتشار الصفقات استعنا بأحد المندوبين، وقررنا وضع اسم منتج وهمي، والدخول إلى أطباء، وعرض عليهم صرف هذا الدواء مقابل أي شيء هم يطلبونه. محطتنا الميدانية الأولى كانت نتائجها على النقيض تماما، فبينما نبحث عن أولئك الأطباء المتعاونين، وجدنا من يرفض دخول المندوبين.

الدكتور عبد المالك عبد المالك استشاري نسائية وعقم: المندوب وظيفته الأساسية أن يقدم المنتج الذي يحمله للطبيب يقدمه بناحية علمية مثبت بدراسات علمية عالمية تظهر مدى نجاعة هذا العلاج لعلاج مرض معين. يبدأ المندوب في بعض الأحيان وفي قلة قليلة منهم بعرض إغراءات للطبيب من أجل ترويج هذا الصنف.

قيد التحقيق: في عيادة أخرى لاتوجد عبارات تمنع دخولنا كمندوبين مفترضين... بشكل عشوائي تحدثنا إلى طبيب لحثه على صرف منتج دوائي بعينه غير أن هذا العرض اصطدم بثلاث قواعد للصفقة... أي منها لا علاقة له بروح قسم "أبقراط" الطبي.

تسجيل سري: دكتور أنت أطلب ما تريد، ولك ما تريد.

الطبيب تسجيل سري: عندي ثلاث قواعد، وهي لا أكتب للمندوب من أول زيارة، القاعدة الثانية لكل مجتهد نصيب، القاعدة الثالثة بعد أن تشاهد الشركة عملي تاتي المكافأة، وإن لم تات المكافأة، يلغى الاتفاق.

وصال الهقيش مدير مديرية الغذاء والدواء: ورد بقانون الدواء والصيدلة مادة 36، أنه يعتبر مخالفة في حال كان هناك اتفاق بين أي طبيب ومستودع أدوية حتى المكتب العلمي، وأحيانا تكون على الأرباح أو كتابة دواء معين يعتبر مخالفة، وله عقوبات".

قيد التحقيق: يحظر الدستور الطبي لنقابة الأطباء أي اتفاق بين شركات الأدوية والطبيب. تنص المادة 10/ه: "يحظر على الطبيب ممارسة أي عمل يتنافى مع كرامة المهنة، وعدم إتيان أي عمل من الأعمال التالية: طلب أو قبول مكافأة أو أجر مهما يكن، لقاء التعهد بوصف أدوية أو أجهزة معينة للمرضى، أو لقاء إرسالهم إلى مستشفى أو مصح علاجي، أو دور للتمريض أو صيدلية أو مختبر محدد في داخل الأردن أو خارجه.

نقيب الأطباء د. علي العبوس: بالتأكيد هذا الشيء مرفوض جملة وتفصيلا قضية الصفقات حتى هذا شيء مرفوض ضمن نقابة الأطباء والدستور الطبي الأردني.

ناصر الخشمان مدير مديرية الترخيص والمهن والمؤسسات الصحية في وزارة الصحة: بالنسبة للصفقات التي يقال عنها لا يوجد في القانون والأنظمة والتعليمات ما يسمح بهذا الشيء.

قيد التحقيق: أما قانون الدواء والصيدلة فقد نص صراحة في المادة 36: 

أ‌. يعتبر مخالفة لأحكام هذا القانون:

1- كل اتفاق يقضي بأن يحصل الطبيب من مالك مستودع الأدوية أو من مالك الصيدلية العامة أو من الشركة الصانعة أو المكتب العلمي أو أي من العاملين لديهم على أي حصة في الأرباح الناجمة عن بيع الأدوية بشكل مباشر أو غير مباشر.

2- كل اتفاق بين الصيدلي في الصيدلية العامة والطبيب أو بين المستودع والطبيب على كتابة الوصفات الطبية بطريقة خاصة أو رموز متفق عليها.

مندوب أدوية سابق: نحن نعتبرها رشوة، نحن نعرف أنها رشوة؛ لأنه لو لم أقدم هذا، دوائي لن يكتب، ولن أستطيع تسويقه.

قيد التحقيق: رغم أن القوانين واضحة وربما صارمة، إلا أن أحدا لا ينفي اعتماد عدد من الأطباء على هذة التجارة، غير أن محاسبة من يقومون بذلك تحكمهم محددات عدة أهمها، عدم قدرة المريض على اكتشاف لماذا عليه تناول هذا الدواء دون غيره.

نائب نقيب الصيادله محمد أبو عصب: لا أذكر أن أحدا قدّم شكوى بصفقة أو اتفاق، يوجد لدينا حالات لممارسات خاطئة بشكل عام أشياء أخرى لكن موضوع الصفقات لا أذكر ذلك.

وصال الهقيش مدير مديرية الغذاء والدواء: منذ بداية عملي لم ترد شكوى بخصوص اتفاق بين طبيب أو مستودع أو أي مكتب علمي، لكن نحن دائما نحدث الأسس والتعليمات، ونعمم بالتزام الأخلاقيات في المهنة، ومعظم الأطباء والصيادلة ملتزمون بذلك.

نقيب الأطباء د. علي العبوس: اعتقد أن النقابة لا تستطيع بنفسها أن تقوم بذلك، إلا إذا كان هناك تفاعل إيجابي من قبل أطراف أخرى تعرضت لهذه المخالفة. إذا أتتنا شكوى من مريض أو أهل مريض نحن على استعداد بإنصاف أي طرف.

قيد التحقيق: أن يكتب الطبيب وصفة طبية لدواء بعينة رغم وجود بدائل أقل سعرا لم يكن سوى نصف حكاية التجاوزات ... النصف الآخر يتجسد ببيع أدوية داخل العيادات وهو ما يحضره القانون.

وصال الهقيش مدير مديرية الغذاء والدواء: قانون الدواء والصيدلة المادة 66 خولت للمدير العام ومدير الدواء التفتيش على مؤسسات صيدلانية وعيادات طبيبة، ونحن نقوم بتفتيشها بناءً على أي شكوى تصلنا نقوم بالتفتيش.

ناصر الخشمان مدير مديرية ترخيص المهن: جاء في قانون الصحة العامة والغذاء والدواء يمنع بيع الأدوية داخل العيادات؛ لأنه يوجد لها أماكن مخصصة لبيعها وهي الصيدليات.

قيد التحقيق: لا يكتفي بعض الأطباء ببيع منتوجات دوائية عبر صفقات سرية في عياداتهم، بل وصل الأمر لدى البعض إلى صرف علاج لمرضى لا يحتاجونه أساسا. قرر أحد أعضاء فريق العمل الخضوع لفحص b12 تبين أنه في المستويات الطبيعية، وليس بحاجة لأي جرعات منه ... ومع هذا قرر أحد الأطباء إعطاءه إبرة b12. ثلات مخالفات رصدناها من هذه التجربة التي تمت عبر تصوير سري: (1) إعطاء علاج لمريض دون تشخيص، (2)، عدم إجراء أو طلب أي فحوصات قبل إعطائه العلاج، (3) بيع دواء داخل عيادة.

الصيدلاني يوسف أبو ملوح: تباع داخل العيادات إبر المضاد الحيوية، وإبر المسكنات، هذه كارثة أخرى دعنا نتحدث في موضوع آخر، وهو إبر الإخصاب تباع بشكل كبير ومخالف للقانون داخل العيادات تباع من الشركات للطبيب بشكل مباشر.

قيد التحقيق: قد يكون منح مريض إبرة b12 دون الحاجة إليها أقل إيلاما،من إيهام أزواج بالقدرة على الإنجاب؛ فالأمر لا يتعلق بفاعلية دواء، بل بصفقة تجارية تتجاهل المشاعر الإنسانية.

مندوب أدوية سابق: تـأتيك حالة تعرف أنها لا تنجب فيبدأ معها طبيبها باستخدام إبر وهرمونات معينة.

علا: بدأت ببرنامج الحقن، ووصف لي الطبيب نوعا من المنشطات، أعطاني إبرتي تفجير وبعد عشرة أيام أجرينا تحليلا وأخبرنا الطبيب بنجاح الحمل ... طرنا من الفرحة.

الدكتور مازن رواشدة: هذه الإبر تبقى لوقت، من سبعة إلى عشرة أيام، وإذا أعطينا السيدة إبرة تفجير وزرعنا لها الأجنة، وفحصت بعد ثمانية أيام فإن بقايا الهرمون تعطي بالفحص نفس هرمون الحمل.

مندوب أدوية سابق: من يومين إلى ثلاثة أيام يعطيها طبيبها أدوية كي توقف الدورة لتعطي أعراض الحمل، وبعد فترة أخرى يعطيها هرمونا آخر يعيد الدورة الشهرية لها فتتصل مع طبيبها فيخبرها أنها أجهضت.

قيد التحقيق: الوثيقة التي حصلنا عليها هي شكوى من نقابة الصيادلة موجهة للغذاء والدواء تقدمت بها النقابة لمخالفة عيادة بيع أدوية، وإبر الإخصاب في إحدى العيادات. وفيما وصلت سوداوية هذه التجارة إلى الحد الذي يمنح فيها البعض أمومة مزيفة، أو أبوة مؤقتة؛ فإن صفقات العيادات تمتد إلى النقيض تماما. دواء سيباع هذه المرة للإجهاض، ويتم بصورة مخالفة للقوانين ... مرة أخرى نخوض تجربة الحصول على هذا الدواء. لا يحتاج الأمر هذه المرة إلى أم حامل، بل إلى من يذهب إلى العيادة، ويحمل في جيبة ثمن تلك الأدوية.

تصوير سري مع طبيب يبيع أدوية إجهاض: متى سوف تأخذهم؟ أنا أنصحك أن تجري لها عملية إجهاض ... أسعاري أرخص أسعار، وأنا شعبي. 

الطبيب عبد المالك عبد المالك: أدوية الإجهاض ممنوعة في الأردن، وغير متوافرة الآن في الوقت الحالي في وزارة الصحة والقطاع الخاص، وهي ما نسميها أدوية إجهاض هي حبوب استعمالاتها أساسا تؤدي لانقباض الرحم في حالة النزيف الشديد، وتساعد على تقليل النزيف والحبوب غير موجودة في الأردن الآن للأسف بعض المرضى يستطيعون الحصول عليها من مصادر مختلفة.

نائب نقيب الصيادلة محمد أبو عصب: الآن نتكلم عن إزهاق روح، ونتكلم عن جريمة فيها إزهاق روح، ويوجد لها عقوبة في القانون، ونتكلم عن خطر داهم في استخدام الدواء، وخطر على هذه الحامل.

قيد التحقيق: عقد صفقات بين الطبيب والمندوب وبيع أدوية في العيادات وصرف وصفات لمرضى لا يحتاجونها جميعها مخالفات ضحيتها الوحيد هو المريض الذي يعاني أصلا من ارتفاع أسعار الدواء... أردنيا، وبعيدا عن ممارسات بعض الأطباء والشركات فإن الدواء بأسعاره المرتفعة أرهق المواطن وحتى الحكومات المتعاقبة. في عام 2015، اعتبر البنك الدولي الأردن من الدول ذات الإنفاقِ العالي على الدواء؛ إذ إن نسبة استهلاك الدواء في الأردن من الناتج المحلي 2.2% وهي ضعف ما تستهلكه من الناتج المحلي في بلد مثل بريطانيا.

محمد عبيدات من جمعية حماية المستهلك: السنة الماضية أجرينا دراسة في 12 دولة عربية طلبنا منهم إعطاءنا أسعار الدواء بهذه القائمة الموجودة هنا وجدنا أن الأردن أعلى أسعار في المنطقة، والمشكلة الأخرى التي أود الحديث عنها والتي ستغضب البعض أن الحكومة تشتري منهم بأسعار مرتفعة الثمن؛ مما يعني أن المحتكرين يفرضون السعر على الوزارة.

لمى الحمود مدير سابق لمديرية الصيدلة في وزارة الصحة: كثير من الزملاء عندما ناقش لماذا أسعار الأدوية في الأردن مرتفعة يكون الجواب أن سوق الأردن صغير … ولأن التشريعات يضعها أصحاب المصالح، يجب أن يكون ضمن هذه اللجان أشخاص حياديون؛ لا يوجد لديهم أي مصلحة مثل جميعات المرضى جميعة حماية المستهلك الخبراء خبراء الاقتصاد الصيدلاني يراجعون الأسس ويعدلون عليها.

قيد التحقيق: يقسم الدواء إلى أصيل ويعني أنه اخترع من شركة أدوية تمتلك براءة اختراعه، آو جنيس أي مثيل ويعني أنه انتهت حماية بيانته وأصبحت الشركات الأخرى حول العالم تستطيع إنتاج نفس التركيبة الدوائية بنفس المادة الفعالة، والاسم العلمي لكن باسم تجاري آخر. معادلة تسعير الدواء معقدة للغاية ... يُسعر الدواء الأصيل أي ذلك الذي لديه براءة اختراع بإحدى الطرق التالية لكن بشرط أخذ الأقل منها:

1- سعر المصنع مضافا له كلف الرسوم الجمركية، وأرباح المستودع والصيدلية والنفقات الإدارية.

2- يحسب من خلال سعر بيعه في صيدليات بلد المنشأ، ويخصم من هذا السعر سعر الأرباح والضرائب في بلد المنشأ.

3- وسيط السعر الناتج من أسعار الجمهور في 16 بلدا على أن لا يقل عدد البلدان عن 4. ترتب هذه الدول حسب سعر البيع للجمهور تصاعديا من الأقل سعرا إلى الأعلى، ثم يأخذ الرقم الأوسط في قائمة الأرقام ويتم تحديد السعر بناءً عليه.

4- سعر تصدير الدواء للسوق السعودي.

بعد تطبيق كافة الطرق، يتم أخذ أقل سعر نتج من تطبيقها ثم يحدد سعر الدواء. الدواء الجنيس أو المثيل للدواء الأصلي الذي يحمل نفس التركيبة الدوائية فيسعر بنفس الأسس الأربعة بشرط ألا يزيد السعر عن 80% من الدواء الأصيل.

صلاح المواجدة رئيس اتحاد منتجي الأدوية: عندما يكون هناك دواء وحيد ليس له بديل؛ فإن سعره لن ينزل، إلا إذا أنتجته شركة أردنية فإن المؤسسة العامة للغذاء والدواء تقوم بتسعير هذا الدواء بنسبة 80% من المستورَد بالتالي تحصل على 20% تخفيض.

طاهر الشخشير مالك مستودع أدوية وممثل عن مستوردي الأدوية: لا يجوز أن تقارن الدواء المحلي بالدواء الأجنبي، وتقول أنا أريد أن أسعر تحت 20% منه الأصل عندما أعطيك تصريحا لتصنعه وتسجله في الأردن يجب عليك أن توفره لي بسعر منخفض، وليس أن تقول سينزل عن سعر الأجنبي 20%.

قيد التحقيق: بعد أن يسعر الدواء، يخضع لقانون آخر وهو قانون مزاولة مهنة الصيدلة، وهذا القانون ينظم أرباح المستودعات والصيدليات في المادة السادسة والخمسين منه كالتالي:

- يفرض على الدواء ربح مستودع الأدوية ويبلغ 19%.

- يفرض ربح للصيدلية التي تبيعه 26%.

- يضاف على سعر الدواء ضريبة مبيعات 4%.

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقصص المواطنين ومعاناتهم مع علب الدواء في السوق المحلي... قررنا التحقق من هذه الفرضية لنجد أن بعض الأدوية تحمل نفس الاسم العلمي تباع في في الخارج بأسعار أقل من الأردن وبفارق كبير.

هايل عبيدات مدير عام المؤسسة العامة للغذاء والدواء: على سبيل المثال في تركيا أرخص؛ لأن الشركات العالمية بالنسبة لها السوق التركي سوق جاذب فيوجد 95 مليون نسمة، وتأمين صحي شامل لا يحتاج تسويقا أو دعايات، وهو يورد ويصنع هذا الدواء أحيانا داخل تركيا ضمن شركات إنتاج تعاقدي.

لما الحمود مدير سابق لمديرية الصيدلة في وزارة الصحة: ليس فقط في مصر ولا تركيا فأحيانا تذهب لفرنسا وبريطانيا وسويسرا تجد أن الدواء الذي أصله فرنسي أو أصله سويسري في الأردن مسعر أعلى من بلد المنشأ، أنا شخصيا اطلعت خلال وأثناء سفري على الكثير من الصيدليات، ووجدت بأن هناك مغالات بأسعار الأدوية، ولا يستطيع أي إنسان أن ينكر هذا الموضوع.

نقيب الصيادله زيد الكيلاني: بالنسبة لهذه المقولة التي تقول بأن سعر الدواء مرتفع في الأردن، أنا لا أتفق أبدا معها، ولا يجوز أن تأخذ الجملة كما هي هناك تفاصيل كثيرة فإذا قلت أن هناك دواء معينا أغلى في بلد معين فسأكون متفقا مع ذلك، لكن أقول لك بأن الدواء الفلاني أوفر. لكن إذا قلت لي أن التركيبة الدوائية أغلى، أقول لك ليس صحيحا؛ فيوجد عندنا ميزة في الأردن أنه يوجد بدائل، فقد تجد نوعا محددا من دواء مرتفع باسمه التجاري، ولكن قد تجد بدائله جميعها متوافرة بمتناول أي مريض سواء مؤمنا أو غير مؤمن هي على مصراعيها، لا يمكن القول الدواء مرتفع إذا قمنا بمقارنتها في دول الجوار من حولنا معظم أسعار الأدوية لدينا أقل من دول الجوار.

قيد التحقيق: في رحلة مستحيلة لتوفير مبلغ ضخم من أجل العلاج، لجأت أم عمر المصابة بمرض التهاب الكبد c إلى شراء الدواء من مصر بعد أن فقدت الأمل بالحياة.

أم عمر: أكثر لحظة يئست فيها من العلاج عندما قال لي الطبيب أن الدواء ليس متوفرا، فأصبحت بالتأكيد أفكر بأنني استسلمت للمرض؛ لأنني عرفت بأن الدواء ليس متوفرا لدينا في الأردن، ففقدت الأمل بصراحة، ولم أتوقع أن أحضره من مصر، أو أن تصبح هذه المسائل وبصراحة فقدت الأمل. هناك أناس يريدون عمل المستحيل، لكن لا يستطيعون، لأن الكلفة مرتفعة؛ فعندما أصرح بسعر الدواء أحسهم يستسلمون للمرض أكثر من أنهم يقومون بإحضار الدواء، لأنه لا يوجد إمكانية، وأنا أطلب بحكم مروري بهذه التجربة من الدولة أن تؤمن هكذا أدوية خاصة عندما يوجد لدينا مرض معدي كي نتفادى المرض، ولكي لا يقوم بعدوى أشخاص آخرين، وعدم نشر المرض يجب توفير هكذا أدوية …

قيد التحقيق: المفاجأة في قصة أم عمر أن الدواء الذي اشترته من مصر بسعر منخفض كان من إنتاج شركة أدوية أردنية.

صلاح المواجدة نائب رئيس شركة أدوية الحكمة: نحن نقوم بإنتاج هذا الدواء في الشركة الأردنية في مصر بسعر منافس، الآن السؤال شركة أردنية في مصر والأردن لماذا لا يتم تصنيعه بمكانين، السبب اقتصاديات السوق. وزير صحة كان قد طلب مني وقلت له نحظر لك الدواء، لكن قم بإعطائنا السماح بالاستيراد وهي الطريقة الأسرع من تصنيعه لكن تحتاج أن تبدأ من جديد أن تبدأ من الصفر، وتقدم كل الدراسات التي جرت بمصر في الأردن.

قيد التحقيق: في كتاب حصلنا عليه طالبت مؤسسة الغذاء والدواء عام 2016 من وزارة الصناعة والتجارة بضرورة السماح للشركات المحلية الأردنية بتصنيع دواء الكبد سي؛ نظرا للحاجة الماسة له، ولارتفاع أسعار العلاج.

هايل عبيدات مدير عام المؤسسة العامة للغذاء و الدواء: خاطبت معالي وزير الصناعة والتجارة آنذاك دعنا نتبنى موقفا رسميا كأن نستصدر إذنا رسميا للتصنيع، وشركاتنا قادرة على التصنيع حتى من خلال إنتاج تعاقدي وأن تصدر لدول آخرى فكانت فترة الحماية قد انتهت، وقمنا بلفت انتباه وزارة الصناعة أن دعينا نستغل هذه الفرصة، لكن للأسف لم يأتي أي رد.

قيد التحقيق: بانتظار ذلك الرد مازال الكثيرون يعانون من المرض، وحتى اليوم لم يدرج الدواء في عطاءات الشراء الموحد لتوفيره للأردنيين. قائمة الأدوية التي يضطر الكثير من الأردنيين إلى شرائها من الخارج نظرا لاعتدال أسعارها لا تتوقف، وفي محاولة رسمية لتوفير الأدوية للمستشفيات الحكومية والتعليمية بأسعار منخفضة عبر عطاءات تقوم على أسس واضحة أنشأت الحكومة دائرة الشراء الموحد قبل عقد ونصف.

نزار مهيدات مدير مديرية الشراء الموحد: دائرة الشراء الموحد والمستلزمات الطبية هذه الدائرة تم إنشاؤها عام 2004 ... كان هناك توصية حقيقية وجادة تجاه تاسيس هذه الدائرة لما تحققه من إحداث وفر حقيقي على الجانب الدوائي.  هناك شروط عامة، وشروط خاصة بالعطاءات المادة (11أ) تنص على أنه لا يجوز شراء الدواء بسعر أكثر من سعر التكلفة بأقل من 15 % من التكلفة إذا كان سعر تكلفة الدواء لا يجوز شراؤه، إذا كان سعر المعروض على الشراء الموحد 85%.

قيد التحقيق: بحسب تقرير ديوان المحاسبة 2015، فإن الشراء الموحد لم تلتزم بالمادة11 عند الإحالة إلى شراء عدد من الأدوية بسعر يفوق السعر الصيدلي أي إنها أغلى من أسعارها داخل الصيدليات الأمر الذي سيضاعف من الفاتورة الدوائية في الميزانية السنوية ... تطابقت نتائج تقرير ديوان المحاسبة مع نتائج بحثنا لبعض الأدوية داخل عطاءات الشراء الموحد … في البحث نجد أن هناك دواءً للسرطان اشترته دائرة الشراء عام 2017 بسعر 1300 دينار تقريبا، في حين أن سعره في الصيدليات الأردنية 1110 تقريبا أي بفرق تجاوز 200 دينار...لم تنفِ دائرة الشراء الموحد هذه المخالفة.

نزار مهيدات مدير مديرية الشراء الموحد: هذا العلاج من ضمن الأدوية التي تستخدم في علاج الأورام، وتم مخاطبة المؤسسة العامة للغذاء والدواء ووضعهم في الصورة، وأتوقع بأنهم وجهوا كتابا للمستودع المعني لتصويب وضعه.

مدير المؤسسة العامة للغذاء والدواء هايل عبيدات: أنا لا اعتقد أن دورنا هو دور الشراء الموحد إذا كان اشتراه بسعر أعلى، لا تدخل ضمن نطاق عمل المؤسسة؛ لأن الموجود في السوق تسعيرة من المؤسسة، إذا كنت اشتريته بسعر أغلى فأنت حر ...

نقيب الصيادله زيد الكيلاني: "للأسف طرحناه على الحكومة، التأخر في دفع ثمن الدواء من وزارة الصحة للشركات متراكمة. قد يجعل الشركة تتجه نحو عدم بيعك، وتفضل ببيع القطاع الخاص؛ لأنه يدفع في الوقت المحدد، أما القطاع العام فيتأخر لمدة 3 سنوات؛ لذلك يضيف في بعض الأحيان كلفة التمويل على السعر، وهذا قلناه للحكومة إذا كنت تدفع في الوقت سوف تنخفض الأسعار.

مدير الشراء الموحد نزار مهيدات: من التحديات التي تواجه دائرة الشراء الموحد هي المديونية، هذا شيء يجعل عمر الديّن على الدائرة أطول يعني يفترض أن يكون عمر الدين سنة واحدة، ففي بعض الحالات يكون عمر الدين سنة ونصف وسنتين، حيث إن حجم المديونية الآن 120 مليون دينار.

المملكة