النقد، أو العملة، هي وسيلة سهلة للتبادل التجاري، ووعاء لحفظ القيمة. وحتى يُقبل الناس على استخدام النقود في البيع والشراء، يجب أن يثقوا في قدرتها على ضمان تداول السلع والخدمات، أو تبديل النقد بعملة أخرى، مع ضرورة أن تكون قيمتها مستقرة نسبيا.

مرت عملية إصدار النقد بعدة مراحل تاريخية. اعتمدت الحكومات على الذهب كمقياس لإنتاج النقد، فكل دولار أميركي، مثلا، كان لابد أن يقابله مقدار من الذهب، ويحق لمالكه أن يستبدله متى شاء من البنك المركزي بسعر ثابت.

في عام 1944، وُقعت اتفاقية بريتون وودز لتحقيق استقرار في الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، ونتج عنها تأسيس صندوق النقد الدولي. حددت الاتفاقية أسعارا ثابتة لجميع عملات الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي بالنسبة للدولار الأميركي الذي كان بدوره مرتبطاً بالذهب بسعر ثابت قدره 35 دولارا للأونصة؛ بهدف تحقيق استقرار في أسعار الصرف.

وفي عام 1971 أعلن الرئيس الأميركي، ريتشارد نيكسون، إيقاف تحويل الدولار المملوك للحكومات والبنوك المركزية الأجنبية إلى ذهب أو إلى أصول احتياطية أخرى، وكان هذا بداية سقوط نظام استقرار أسعار الصرف، وانهياره رسميا عام 1973.

بعد ذلك أصبحت أسعار الصرف بموجب سياسة التعويم مرنة بشكل كامل، ولا تتحرك إلا بتأثير العرض والطلب، فيما أصبحت العملات حرة، استجابة لتغيرات تطرأ على الأسس الاقتصادية، الأمر الذي نتج عنه ظهور سوق العملات الأجنبية المزدهر اليوم.

أصبح للبنوك المركزية حول العالم دور مهم للغاية، من خلال امتلاكها أدوات وممارسات ما يعرف بالسياسة النقدية تحافظ فيها على سعر صرف وقيمة عملاتها بما يتناسب مع المؤشرات الاقتصادية لكل دولة، ووفقا للنظام العالمي الجديد.

طباعة النقود

طباعة النقود من قبل البنوك المركزية عملية فنية معقدة اقتصاديًا. كل وحدة نقدية مطبوعة لا بد أن يقابلها رصيد من "احتياطي النقد الأجنبي أو رصيد ذهبي، وسلع وخدمات حقيقية ينتجها اقتصاد الدولة"، وذلك حتى تكون النقود المتداولة ذات قيمة حقيقية.

لكن إذا ضُخت نقود بكمية أكبر من حجم الاقتصاد (إنتاج السلع والخدمات واحتياطي النقد الأجنبي)، تقل القيمة الشرائية للعملة، وترتفع الأسعار، ويرتفع معها التضخم، الأمر الذي يضع الدولة في حالة عدم استقرار قد تجرها إلى الانهيار الاقتصادي، بما في ذلك فقدان الثقة بالعملة المحلية، وبالتالي استبدالها بعملات دول أخرى، أو تحويلها إلى أصول أخرى.

ولتبسيط الموضوع، تضرب هذه المقالة المثال التالي: اقتصاد يحتوي فقط على سلعة واحده وهي الخبز، والكمية المعروضة 100 رغيف، والنقود المتوافرة في السوق 100 دينار، وسعر كل رغيف دينار واحد. إذا قامت الدولة بطباعة نقود إضافية بقيمة 100 دينار للناس، سيصل مجموع النقود 200 دينار مقابل 100 رغيف فقط؛ مما يؤدي إلى زيادة الطلب، ويدفع المنتجين إلى رفع أسعارهم حتى تتناسب مع قوة الطلب وتوفر السيولة، وبالتالي ارتفاع الأسعار بشكل متزايد، وفقدان العملة جزءا من قيمتها، ليصبح بذلك سعر الرغيف الواحد دينارين، بدلا من دينار واحد.

أمثلة دولية

فنزويلا، التي تنتج وتمتلك مخزونا نفطيا يشكل نحو 96% من إنتاجها الإجمالي، دخلت في عجز عام، وتدهور اقتصادها بسبب عدم نجاحها في إدارة وتنويع الاقتصاد. وفي محاولة للسيطرة على العجز العام، طبعت فنزويلا الكثير من النقود، لتنهار بذلك قيمة عملتها، "البوليفار الفنزويلي"، ويتوقع أن تصل نسبة التضخم إلى عشرة ملايين % هذا العام، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.

في عام 2008، قامت زيمبابوي بطباعة كمية كبيرة من النقود، وضخها في السوق، في محاولة لإنقاذ اقتصادها المتهالك، حيث انهارت قيمة العملة المحلية. استمرت الأسعار في الارتفاع حتى وصل سعر رغيف الخبز الواحد إلى نحو 35 مليون دولار زيمبابوي.

طباعة النقود من دون مقابل يجعلها رديئة ودون قيمة حقيقية، ويضعف قوتها الشرائية، ويرفع الأسعار؛ مما يؤدي إلى انهيار الاقتصاد، وهروب الاستثمار والأموال.

*محلل مالي

المملكة