في الأسواق المالية، ومع التطور التكنولوجي والرقمي وتنوع المنتوجات المالية، يسعى المستثمرون إلى الحفاظ على أموالهم وتنميتها عبر التعامل والتنقل بين فئات مختلفة من الأصول، بدءا من النقد، الأسهم، السندات المالية الحكومية والخاصة، ووصولا إلى السلع، وتحديدا الذهب والنفط، وغيرها من الأصول.

ومن أكثر الأصول تأثيرا في الأسواق المالية، وجذبا للمستثمرين حول العالم، الذهب، النفط، والدولار الأميركي، وتشكل محركا رئيسا للأسواق والاقتصاد العالمي.

وتختلف طبيعة كل من تلك الأصول، وقد تتسبب في انهيار اقتصادات، إذا ارتفعت أسعارها مقابل عملة ما بشكل كبير. والذهب أكثر تلك الأصول أمانا، فبالرغم من تغير أسعاره بشكل طفيف ارتفاعا ونزولا بين الحين والآخر، إلا أن قيمته الأكثر ثباتا على المدى الطويل. لكن الذهب لا يعتبر مولدا للدخل، من وجهة نظر استثمارية، غير أنه مخزن للقيمة.

في الوضع الطبيعي، والأوضاع العالمية الهادئة أو المستقرة، وبحكم ارتباط معظم فئات الأصول بالدولار الأميركي من حيث تسعير قيمتها، تتشكل علاقة عكسية مع هذه العملة، التي يؤدي ارتفاعها إلى انخفاض أسعار الذهب والنفط، والعكس صحيح.

ومن الأمثلة على ذلك، تأثر أسعار النفط والذهب بشكل كبير في التطورات الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران، واسقاط طائرات مسيرة من الجانبين، واحتجاز ناقلات نفط في مضيقي هرمز وجبل طارق.

وتبعا لذلك، ارتفعت أيضا أسعار الذهب لأعلى مستوياته في 6 سنوات تقريبا متجاوزا 1450 دولارا للأونصة الأسبوع الماضي، مع ازدياد حدة التوترات الجيوسياسية وتوقعات قاتمة حول الاقتصاد العالمي، خاصة الأميركي، ومع توجهات لتخفيض أسعار الفائدة الأميركية.

علاقة الذهب بالدولار الأميركي

ربط الذهب بالدولار الأميركي عندما كان يستخدم معيار الذهب، وخلال ذلك، ربطت قيمة وحدة العملة بكمية محددة من الذهب، واستخدم المعيار الذهبي بين الأعوام 1900 إلى 1971، حين فصل وحرر الاثنان بحيث أمكن تقييمهما على أساس العرض والطلب. بعد ذلك، أصبح الدولار الأميركي عملة "معوّمة"، أي إنها تحصل على قيمتها استنادا لعوامل اقتصادية وعالمية، واستخدم الدولار الأميركي كعملة احتياطية، وبعدها انتقل الذهب أيضا إلى أسعار الصرف العائمة بعد عام 1971؛ مما جعل سعره مقيما بالدولار الأميركي.

ونظرًا لأن الذهب يسعر ويتداول بالدولار الأميركي، فقد يتساءل البعض عن كيفية تأثير كل واحد على الآخر.

الفهم الأكثر شيوعًا لتلك العلاقة هو أنه كلما كانت قيمة الدولار الأميركي أقوى، انخفض سعر الذهب، وبالمثل، كلما كان الدولار الأميركي أضعف، ارتفع سعر الذهب. إلا أن الأمر ليس كذلك دائمًا، بسبب عوامل استثنائية، إذ في بعض الأوقات ارتفع الذهب والدولار الأميركي معًا.

ويعتبر الذهب، الذي ارتفعت قيمته بشكل كبير خلال الـ 40 عاما الماضية، ملاذا آمنا، وأحد أهم أدوات التحوط ضد مخاطر التغير في معدل سعر صرف العملات وأي مخاطر اقتصادية وسياسية، حيث يمكن للمستثمرين والمتعاملين في الأسواق شراء الذهب لتغطية المخاطر.

في السنوات الأخيرة، وصل سعر أونصة الذهب إلى مستوى قياسي على الإطلاق بلغ 1900 دولار في سبتمبر/أيلول 2011، استجابةً لمخاوف من أن الولايات المتحدة ستتخلف عن سداد ديونها بالتزامن مع الأزمة المالية العالمية. بعد ذلك الارتفاع الكبير، انخفض سعر الذهب بشكل تدريجي إلى مستوى 1100 دولار للأونصة، وتحسن الاقتصاد الأميركي، وارتفعت أسعار الذهب بشكل تدريجي وصولا إلى مستويات 1450 دولارا الأسبوع الماضي، متأثرة بعوامل اقتصادية وجيوسياسية.

علاقة النفط بالدولار الأميركي

يرتبط النفط والدولار الأميركي ارتباطا وثيقا، وأكثر من نصف صادرات العالم، ومنها النفط، تدفع قيمتها بالدولار. وتسعر كافة دول منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) نفطها بالدولار الأميركي، وفي المحصلة يصل حجم التداول في هذه العملة حول العالم نحو 3 تريليونات دولار، وبهذا ينعكس أي تذبذب واضطراب في سعره على أسعار النفط بشكل خاص ومعظم السلع بشكل عام، ويؤثر على أسعار صرف العملات مقابل الدولار الأميركي.

من المنطقي أن تكون العلاقة بين الدولار الأميركي والنفط عكسية. في بالمقابل، تؤثر عوامل كثيرة أخرى مباشرة على أسعار النفط، منها اقتصادية، مثل النمو العالمي ومقدار الطلب والإمدادات إلى السوق والمعروض النفطي في الأسواق.

بالإضافة إلى ذلك، يتأثر النفط بشكل كبير بعوامل جيوسياسية، خاصة إذا كانت في مناطق منتجة ومصدرة للنفط أو تهدد الإنتاج والتصدير النفطي، الأمر الذي يتسبب في صعود الأسعار عالميا بشكل سريع وكبير. ومن الأمثلة على ذلك ما يحدث حاليا في مضيق هرمز من توترات جيوسياسية.

الخلاصة أن العلاقة الخطية بين الدولار الأميركي من جهة، وبين النفط والذهب هي علاقة عكسية، ولكن كل سلعة، بحكم طبيعتها واستعمالاتها، تتأثر بعوامل مختلفة. وفي الوقت الذي يعد فيه الذهب ملاذا آمنا للمستثمرين والدول ومخزن قيمة، يعتبر النفط مصدرا للطاقة، ويدخل في معظم عمليات إنتاج الدول في العالم، ويتأثر بالنمو الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية بشكل عام.

وتخللت تلك العلاقة بعض الاستثناءات، فعلى سبيل المثال في عام 2008 انهارت أسعار النفط بشكل كبير من أعلى مستوياته تاريخيا من 147 دولارا للبرميل إلى 40 دولارا نهاية في العام نفسه، في حين واصلت أسعار الذهب الصعود بعد انخفاضها بشكل طفيف، حيث وصل الذهب إلى أعلى مستوياته 1900 دولار في عام 2011.

*محلل مالي

المملكة