واصل المتظاهرون العراقيون احتجاجاتهم في بغداد والمناطق الجنوبية السبت، معتبرين استقالة رئيس الوزراء المزمعة غير مقنعة، ومصرين على "تنحية جميع رموز الفساد".

وسلم رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي استقالته إلى مجلس النواب؛ تمهيدا للتصويت عليها الأحد، بحسب ما ذكر المتحدث باسم الحكومة السبت، لكن ذلك لم يمنع تواصل الاحتجاجات في مدينة الناصرية، مسقط رأسه.

وأفاد مراسل فرانس برس أن المتظاهرين أشعلوا الإطارات على متن 3 جسور ممتدة على نهر الفرات، فيما تجمع المئات في ساحة الاحتجاج الرئيسية وسط المدينة.

وتجددت التظاهرات في الناصرية، رغم القمع الدموي الذي نفّذته قوات الأمن، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 40 متظاهراً خلال اليومين الماضيين في المدينة.

وفي ختام يوم شهد إصابة 25 شخصا، بحسب مصادر طبية، أعلنت السلطات المحلية أنّ الأحد، وهو أول أيام الأسبوع في العراق، سيكون يوم عطلة لموظفي القطاع العام.

واندلعت أعمال العنف بعدما اقتحم متظاهرون القنصلية الإيرانية وأحرقوها في مدينة النجف، متهمين جارة العراق بدعم حكومة بغداد. وجرى أيضاً إعلان الأحد يوم عطلة في النجف.

وقال مسعفون لوكالة فرانس برس، إن عناصر أمن بزي مدني اخترقوا التظاهرات في أعقاب إحراق القنصلية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 20 محتجا.

وقتل 5 من المتظاهرين لدى محاولتهم الاقتراب من ضريح الشخصية السياسية الدينية محمد باقر الحكيم، مؤسس المجلس الأعلى الإسلامي الذي ينتمي لحزبه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.

وأحرق متظاهرون إطارات السبت، وسجلت مواجهات جديدة أسفرت عن 25 جريحا على الأقل، بحسب أطباء.

وشهدت مدينة النجف هدوءاً نسبيا صباح السبت، بحسب مراسل فرانس برس، لكن غالبا ما تبدأ الحشود بالتجمّع في المساء.

وشهدت كربلاء، ثاني أهم مدينة مقدسة لدى الشيعة احتجاجات تخللها إطلاق قنابل غاز استمر حتى مطلع صباح السبت.

وفي الديوانية، خرج الآلاف إلى الشوارع مبكراً؛ للمطالبة بـ "إسقاط النظام".

وقال أحد المحتجين لوكالة فرانس برس: "سنواصل هذه الحركة، استقالة عبد المهدي ليست سوى الخطوة الأولى، والآن يجب إزالة جميع الشخصيات الفاسدة وتقديمها إلى القضاء".

في انتظار الأحد

ويعد الحراك الشعبي الحالي الأكبر الذي شهدته العراق منذ عقود والأكثر دموية، حيث قتل أكثر من 420 شخصًا، وجُرح 15 ألفا في بغداد والجنوب ذي الأغلبية الشيعية، وفقًا لإحصاء وكالة فرانس برس.

وأثارت حالات القتل المتزايدة انتقادات دولية؛ إذ قالت الأمم المتحدة، إن الوفيات "لا يمكن السكوت عنها".

وقالت وزارة الخارجية الفرنسية، إنها "تدين بشدة الاستخدام المفرط وغير المتناسب للقوة ضد المحتجين".

وأعلن رئيس الوزراء العراقي الجمعة، عزمه على الاستقالة بُعيد دعوة المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني مجلس النواب العراقي إلى سحب الثقة من الحكومة.

وجاء قرار عبد المهدي، وهو مستقل لا يملك قاعدة حزبية، الجمعة بعد شهرين من اندلاع الحركة الاحتجاجية ضد النظام وعرابه الإيراني.

وبدا واضحاً للمرة الأولى، دعم المرجع السيستاني (89 عاما) للاحتجاجات الغاضبة التي تدعو منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر، إلى "إقالة الحكومة" وتغيير الطبقة السياسية التي تسيطر على العراق منذ 16 عاماً، مع اتهامها بالفساد وهدر ثروات هذا البلد.

وقال السيستاني في خطبة الجمعة التي تلاها ممثله السيد أحمد الصافي في كربلاء، إن "مجلس النواب الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة مدعوّ إلى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن، ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء أبنائه، وتفادي انزلاقه إلى دوامة العنف والفوضى والخراب".

وبعد ساعات، قال عبد المهدي في بيان "سأرفع إلى مجلس النواب الموقر الكتاب الرسمي بطلب الاستقالة من رئاسة الحكومة الحالية؛ ليتسنى للمجلس إعادة النظر في خياراته".

ويندد العراقيون بفشل السياسيين في إدارة البلاد، وما ترتب على ذلك من سوء الخدمات، وفساد وارتفاع معدلات البطالة في العراق الذي يعد بين أغنى دول العالم بالنفط، فيما يرزح خُمس السكان تحت خط الفقر.

تعاني البنى التحتية من الترهل، ولم يتم أبدا تطويرها في وقت يشير البعض إلى أن ضعفي إجمالي الناتج الداخلي انتهى خلال السنوات الـ16 الماضية في جيوب سياسيين ومستثمرين مشبوهين.

ورحبت جهات بينها كتل سياسية بالدعوة التي أطلقها المرجع الشيعي.

ومن المقرر أن يجتمع البرلمان الأحد في وقت لم يشهد العراق منذ إطاحة الرئيس صدام حسين في 2003، رحيل رئيس حكومة قبل انتهاء ولايته.

وتلا عبد المهدي أمام جلسة لمجلس الوزراء السبت رسالة استقالته.

أ ف ب