أكد رئيس الوزراء الفرنسي إداور فيليب الجمعة على عزمه "القوي جداً" لتنفيذ إصلاحات نظام التقاعد، في ثاني أيام إضراب ضخم تنفذه النقابات وتريد مواصلته.

وشارك نحو 800 ألف شخص على الأقل في تظاهرات في مختلف أنحاء فرنسا الخميس، وشلّت حركة النقل العام في المنطقة الباريسية ومعظم القطارات في البلاد. وضمت التظاهرات معلمين ورجال إطفاء ورجال شرطة وموظفين في القطاع الصحي وأيضاً عاملين في مراقبة الحركة الجوية.

وأوقفت الشركة الوطنية للسكك الحديد بيع التذاكر لنهاية الأسبوع، فيما ألغت 90% من رحلات القطارات الفائقة السرعة الجمعة مجددا، ولا يبدو أي تغير في الأفق لليومين القادمين.

وألغيت نصف رحلات قطارات يوروستار بين باريس ولندن، فيما عمل قطاران من ثلاثة لتاليس تخدم باريس وبروكسل وأمستردام.

من جانبها، لم تشر شركات الطيران "اير فرانس" و"ترانسافيا" و"ايزي جت" إلى إلغاء رحلات السبت.

وقال رئيس الوزراء الفرنسي إنّ تنفيذ الإصلاحات سيتم لكن "دون قسوة". 

وأضاف "أنا على قناعة أننا سنصل لنقطة توازن مع المنظمات النقابية، لكن دون التخلي عن عزمنا القوي جداً، على تنفيذ النظام الشامل" للتقاعد، متوجهاً خصوصاً إلى العاملين في شركة السكك الحديد والهيئة المستقلة للنقل في باريس، المستفيدين من أنظمة خاصة للتقاعد تؤمن لهم مكاسب أكبر.

ويعد الاضراب اختبارا جديدا لماكرون بعد أشهر من تظاهرات للمعلمين وعمال المستشفيات والشرطة والإطفائيين وكذلك تظاهرات "السترات الصفراء" المطالبة بتحسين مستويات المعيشة.

وتقول النقابات إن نظام ماكرون للتقاعد "الشامل" والذي من شأنه أن يلغي عشرات الخطط المنفصلة لعمال القطاع العام، يجبر ملايين الأشخاص في القطاعين العام والخاص على العمل لسنوات بعد سن التقاعد وهو 62 عاما.

وأوضح فيليب أنّ الحكومة ستعرض تفاصيل خطتها الأربعاء.

وعلّقت الكونفدرالية العامة للعمل أنّ رئيس الوزراء "لا يزال اصماً تجاه مطالب عالم العمل"، مضيفة أنّ "لا شيء تغيّر على صعيد هدف الحكومة".

نحتاج إلى المزيد

ودعت النقابات إلى يوم آخر من الإضراب والتظاهرات الثلاثاء 10 كانون الأول/ديسمبر، بعد يوم على لقاء مقرر لقادتها بمسؤولي الحكومة لمناقشة خطة الإصلاح.

وقال فيليب مارتينيز من الكونفدرالية العامة للعمل، أكبر نقابات القطاع العام "شارك عدد كبير من الناس في الإضراب، الآن نحتاج لعدد أكبر إذا ما أردنا التأثير على تلك القرارات".

وفيما كانت معظم تظاهرات الخميس سلمية، أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق عشرات من المتظاهرين بلباس أسود، حطموا الواجهات ورشقوا حجارة خلال مسيرة باريس، وأشعلوا النار في مقطورة إنشاءات. وأفيد عن صدامات أيضا في بعض المدن الأخرى.

وتم توقيف عشرات الأشخاص فيما أصيب ثلاثة صحافيين بجروح بعد أن تعرضوا، على الأرجح للغاز المسيل للدموع أو للقنابل الصوتية، بينهم صحافي تركي تعرض لإصابة في الوجه.

وأفيد عن صدامات في نانت وليون ومدن أخرى، في مواجهات تذكر بأعمال العنف التي تخللت العديد من التظاهرات الأسبوعية لحركة "السترات الصفراء" التي اندلعت في تشرين الثاني/نوفمبر 2018.

عودة لعام 1995؟

ألغت العديد من الخطوط الجوية رحلات فيما توقف مراقبو الحركة الجوية عن العمل. وألغت الخطوط الجوية الفرنسية 30% من رحلاتها الداخلية و10% من جميع الرحلات الدولية القريبة.

وأُغلقت تسعة من 16 خط مترو في باريس، فيما تم تسيير خطوط أخرى فقط خلال ساعات الذروة، ما دفع بالمواطنين للتنقل على الدراجات الهوائية والكهربائية أو اللجوء إلى وسائل بديلة.

وفي نهاية نهار الجمعة، جرى تسجيل ما مجموعه نحو 600 كم من الازدحام المروري في المنطقة الباريسية، ما يوازي ضعف المتوسط المعتاد.

ولم يتضح بعد ما إذا كانت الاحتجاجات ستبلغ حجم اضرابات عام 1995 احتجاجا على إصلاح نظام التقاعد، عندما شلت الحركة في فرنسا لثلاثة أسابيع من تشرين الثاني/نوفمبر لغاية كانون الأول/ديسمبر في تحرك أجبر الحكومة على التراجع.

ونجح ماكرون، المصرفي السابق، إلى حد كبير في دفع سلسلة من الاصلاحات المثيرة للجدل منها تخفيف قوانين العمل وتشديد الوصول إلى إعانات البطالة.

لكن هذه المرة الأولى التي تتوحد فيها قطاعات مختلفة في حركة الاحتجاج.

وحتى الآن لم يتحدث ماكرون علنا حول الاضرابات رغم أن مسؤولا رئاسيا طلب عدم ذكر اسمه، قال الخميس إن الرئيس "هادئ" و"مصمم على تنفيذ هذا الاصلاح" في جو من "الإصغاء والتشاور".

ويبلغ السن الأدنى للتقاعد في فرنسا 62 عاما، وهو من الأدنى بين الدول المتقدمة. لكن هناك 42 "نظاما خاصا" بعمال سكك الحديد والمحامين وموظفي الأوبرا وسواهم، تسمح لهم بالتقاعد قبل ذلك السن وتقدم مزايا أخرى.

وتقول الحكومة إن نظاما موحدا سيكون أكثر عدلا للجميع وقادراً على ضمان الاستمرارية المالية، مع الاقرار بأن الناس سيضطرون تدريجيا للعمل لفترات أطول.

أ ف ب