يرقد فالح الصبيحي على سرير طبي، ساترا جسمه الهزيل بغطاء قماشي أبيض، وبجانبه مذياع قديم يتقطع صوته كأنفاس الخمسيني التي يلتقطها من أسطوانة أوكسجين.

يعاني الصبيحي، الذي عمل "عتّالا" في المدينة الحرفية في مدينة سحاب لأكثر من ربع قرن، من انسداد قصبي مزمن؛ أدى إلى فشل وقصور تنفسي، بحسب تشخيص الأطباء.

"أثناء عملي، سببت لي الرائحة الكريهة الناتجة عن قص وتبريد الحجر انزعاجا شديدا. كانت الرائحة أشبه بالعطبة (خرقة تؤخذ بها النار)،" يقول الصبيحي لفريق قناة المملكة الاستقصائي.

"فور عودتي للمنزل، كنت أطلب من زوجتي أن تغلي لي البابونج بالماء لأستنشق أبخرته، ويتحسن تنفسي،" يضيف الرجل، الذي سكن بقرب مدينة سحاب الحرفية لأكثر من 3 سنوات، وأصبح حبيس منزله.

لجأ الصبيحي إلى الطب البديل، ولكن بدون فائدة، ليبدأ بعد هذا بفصل جديد من العلاج مطلع عام 2015، مدفوعا بتدهور صحته المتسارع.

بدأ في مراجعة مستشفى الدكتور جميل التوتنجي في سحاب، إذ وصف له الأطباء "بخاخات" وعلاجات لتوسيع القصبات الهوائية.

"لكن بعد عام، زاد الأمر سوءا، وأصبحت أتردد على قسم الطوارئ في المستشفى، إلى أن خرج وضعي عن سيطرتي عام 2017 ... أعجز أحيانا كثيرة عن دفع بضعة دنانير لشراء العلاج، الأمر الذي يجبر زوجتي على نقلي إلى المستشفى،" يقول الصبيحي.

تكشف "المملكة" عبر برنامجها الاستقصائي، "قيد التحقيق"، عن استخدام مياه عادمة صناعية في قص، وتبريد مناشير حجر في مدينة سحاب الحرفية، في مخالفة لقانون حماية البيئة رقم 6 لعام 2017، مبينا خطورة هذا على العاملين وسكان المنطقة المحيطة.

ويوثق التحقيق تجربة فريق "المملكة" في تحليل عينة مياه عادمة حصلوا عليها من بركة منشار حجر.

أهالي سحاب يطلقون على تلك المياه تسمية "المياه الزرقاء"، في إشارة مجازية إلى المياه الرمادية، أو العادمة.

المدينة الحرفية في سحاب*

 

منطقة "منكوبة بيئيا"

في المستشفى، يشرح رئيس قسم الباطنية، دكتور خالد الخطيب، كيف يسبب التلوث تدهورا سريعا في الحالات التي تعاني من أمراض تنفسية.

"تؤثر المحاجر القريبة من المناطق السكنية بشكل شرس على الجهاز التنفسي؛ فمادة السليكون التي تخرج من قص الحجر برفقة الأغبرة تترسب في القصبات الهوائية، وهذا ما يؤدي إلى فقدان العوامل الدفاعية، وبالتالي تكرار وجود نوبات تحسس قصبي، لينتقل الحال إلى الإصابة بتليف في الرئة، وبمرور الوقت، يتحول إلى فشل في الجهاز التنفسي".

لا يتوافر في مستشفى الدكتور جميل التوتنجي سحاب، قسم، أو طبيب مختص بعلاج الصدرية؛ فتحول مجمل الحالات إلى قسم الباطنية، بحسب الخطيب.

"30% من مراجعينا يعانون من مشكلات تنفسية، ومقارنة مع مناطق أخرى، أعتقد أن نسب الإصابة في المنطقة أعلى من غيرها،" يقول الطبيب.

في عام 2014، أعلن وزير البيئة، طاهر الشخشير، المنطقة، التي كان يبلغ عدد سكانها آنذاك 179 ألف نسمة، "منكوبة بيئيا".

"أطلقنا عليها منكوبة؛ لكي نستطيع إيجاد حل جذري للمنطقة، حيث تنتشر مناشير الحجر، وجواريش (مطاحن) البلاستيك لإعادة تصنيع المواد البلاستيكية، بالإضافة إلى المنطقة الصناعية، والكثير من الملوثات،" يقول الشخشير لـ "المملكة".

"اليوم أصبح الامتداد السكاني جزءا من تلك المنطقة، وهذا أخطر ما قد يحدث في الواقع،" يضيف الوزير الأسبق.

لم تنجح محاولة الشخشير. واقع سحاب البيئي، بحسب رئيس بلدية سحاب، عبّاس المحارمة، خير دليل على ذلك.

المحارمة دعا الحكومة إلى التحرّك من أجل إنقاذ المنطقة، ووضع آلية فعالة لتقليل أثر التلوث البيئي على سكان سحاب.

ولكن بعد مخاطبات عديدة لوزارة البيئة، اقتُرح نقل المدينة الحرفية إلى منطقة بديلة في جنوب عمّان، إلا أن أهالي المنطقة اعترضوا، فبقي الحال كما هو، واستمرت المعاناة.

عينة "مياه زرقاء" حصل عليها فريق "المملكة"*

 

"خنقتنا"

في مدينة سحاب، تتناثر الأغبرة بكثافة في كل مكان، حتى أنها تحجب بعض ملامح المدينة وتبدو كالضباب.

"هذه (المدينة) الحرفية. هذه رائحة مناشير (الحجر) خنقتنا،" يقول فتى لأعضاء فريق "المملكة" بعد تساؤلهم عن مصدر الأغبرة أثناء توقفهم بالقرب من "كشك" يبيع القهوة.

تحتل المدينة الحرفية على جانب شارع الستين مساحة 1000 دونم، وتضم نحو 1400 منشار حجر ومعمل طوب، حيث يعمل نحو 8 آلاف أردني وغير أردني في قص ونشر وزخرفة الحجر، قبل نقله في شاحنات داخل الأردن وخارجه، بحسب مديرة مديرية حماية البيئة في محافظة العاصمة، عالية الدعجة.

"مشكلة التلوث في المدينة الحرفية تزداد يوما بعد يوم، والعمل على مدار الساعة يخلف تلوثا يؤثر على الهواء، التربة، العاملين، وسكان المناطق القريبة،" تقول الدعجة لـ "المملكة".

وتشرح: "إضافة إلى ذلك، يعاني قاطنو المنطقة من الضجيج، ومن تلوث بصري؛ نتيجة العشوائية في عمل المناشير وطرح مخلفاتها بشكل غير آمن".

نضال حسين، أستاذ مساعد في هندسة البيئة في جامعة البتراء، يتفق مع الدعجة، ولا يخفي مخاوفه من التلوث في سحاب.

"أكثر ما يقلق في المشكلات البيئية أن آثارها متراكمة،" يحذر حسين.

ويبين: "قد لا نشعر الآن بخطر التلوث الحالي بشكل كبير، لكن حتما سنشعر به خلال الأيام المقبلة؛ فالمخلفات التي تطرحها المناشير لا تتحلل عضويا، وهي كفيلة بأن تغير ملامح المنطقة مع مرور السنوات، وأن تزيد التلوث."

تلوث

يقبع التلوث في المدينة الحرفية منذ عشرات السنوات، بحسب معلومات حصل عليها فريق "المملكة" بعد تحقيق واستقصاء استمر أكثر من 4 أشهر.

لكن الأخطر من ذلك، كان ما أظهرته صور أقمار صناعية خلال الأعوام 2004، 2014، 2018: ملامح المنطقة تغيرت، وبياض عظيم يغطي المدينة الحرفية وما حولها.

أثناء العمل على إنتاج التحقيق الاستقصائي، لاح سؤال واحد في الأفق: كيف امتد التلوث في هذه البقعة؟

وردت عشرات من الوثائق إلى "المملكة" تفيد بأن بعض أصحاب مناشير الحجر في المنطقة الحرفية يبردون هذه المناشير بالمياه العادمة الصناعية.

"بدأت المشكلة في هذه المنطقة قبل عدة سنوات، بالتزامن مع ارتفاع كلف المياه في مدينة سحاب، حين لجأ أصحاب المناشير إلى خفض كلفهم بشتى السبل، ففاتورة المياه تراوحت بين 500-2000 دينار شهريا،" يقول المهندس البيئي، محمد الزيود، الذي لم يتوقف عن التحذير من تلوث سحاب، فهو ابن المنطقة، ومالك لمصنع في المدينة الحرفية.

ويبين: "أصبح أصحاب المناشير يستخدمون المياه العادمة الصناعية، الخارجة من المصانع. بداية كان أصحاب الصهاريج ينقلون تلك المياه مجانا لأصحاب المناشير، إلا أن زيادة الطلب عليها، أدت إلى بيعها: ثمن الصهريج لا يتجاوز 10 دنانير، مقارنة بثمن المياه غير العادمة البالغ نحو 40 دينارا".

الناشط البيئي، راكان أبو زيد، يشرح مراحل قص الحجر، واستخدام المياه العادمة الصناعية.

"عند وصول الحجر إلى المدينة الحرفية، يقص بواسطة نصل بأطوال وأبعاد محددة. أثناء القص تستخدم المياه لتبريد منشار الحجر،ومنع زيادة درجة حرارة النصل،" يشرح أبو زيد لـ "المملكة".

ويتابع: "البعض في المدينة الحرفية يشتري المياه العادمة الصناعية من المدينة الصناعية القريبة من المحاجر. رصدنا الكثير من الصهاريج، وأبلغنا السلطات الرسمية، لكن لم يُحرك ساكن في هذه المنطقة".

يبلغ التلوث ذروته، ويتضاعف الضرر عند استخدام المياه العادمة الصناعية في التبريد لقص الحجر، وقد يصل الأمر إلى مرحلة الخطر عند نقل، ومعالجة هذه المياه، بحسب الدعجة.

إضافة إلى ذلك، استخدام المياه العادمة الصناعية في عمليات قص وتبريد مناشير الحجر، من دون تصريح أو ترخيص؛ يشكل مخالفة قانونية، وفق قانون حماية البيئة رقم 6 لسنة 2017، إذ ورد في المادة 9/ب: "يحظر طرح أي مياه عادمة ناجمة عن التصنيع، أو الاستعمال المنزلي، أو تصريفها، أو سكبها، أو تجميعها، خلافا للشروط والمعايير التي تحددها الوزارة، أو في غير الأماكن التي تحددها الوزارة بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة".

الوثائق التي حصلت عليها "المملكة" تشير إلى أن استخدام المياه العادمة الصناعية من قبل بعض أصحاب مناشير الحجر في سحاب لم يكن يحدث في الخفاء.

إحدى الوثائق، المؤرخة عام ،2017 تظهر بأن متصرف لواء سحاب، محمد أبو رمان، اجتمع مع أصحاب المناشير، مؤكدا ضرورة الالتزام بشروط السلامة العامة، وعدم شراء، أو استعمال المياه العادمة الناتجة عن المصانع في مناشير الحجر؛ لأنها تسبب أمراضا خطيرة. في نهاية حديث أبو رمان، يرد صراحة اسم مصنع كلورين، في منطقة الموقر.

بحسب سجلات دائرة مراقبة الشركات، تأسست الشركة المصنعة للكلورين والصودا في عام 1991، واللافت في الأمر أنها حاصلة على "شهادة أيزو في المسؤولية البيئية".

تواصل فريق "المملكة" مع الشركة للسؤال عن نقل صهاريجها مياها عادمة صناعية إلى بعض مناشير مدينة سحاب.

بعد طول انتظار، استطاع الفريق الوصول إلى مدير مصنع الكلورين، حسن العباسي، الذي نفى أن تكون الشركة متورطة في عملية نقل تلك المياه.

"قمنا بتوقيع عقد مع ناقل معتمد يمتلك عددا من الصهاريج من أجل إرسال المياه العادمة الصناعية إلى مكبات مخصصة، وبموجب العقد، لا تتحمل الشركة أي مسؤولية متعلقة بنقل المياه، أو إرسالها إلى المكبات المخصصة،" يقول العباسي لـ "المملكة".

وفي إجابته عن سؤال "المملكة" فيما إذا كانت الشركة ستتخذ إجراءً رسميا بعد معرفتها حقيقة استعمالات تلك المياه، قال العباسي: "سيراجع الأمر مع الناقل، وفي حال ثبوت الاتهام، سيعمل على فض العقد مع الناقل".

لكن العباسي أصر أن المياه العادمة الصناعية التي تخرج من المصنع "ليست خطيرة، ولا تسبب أمراضا، أو تلوثا للبيئة".

منشار حجر آلي في المدينة الحرفية*

 

نتائج فحوصات صادمة

أمتار قليلة، وسور خارجي تفصل بين المنطقة الحرفية، حيث يعمل نحو 8 آلاف شخص، ومدينة الملك عبد الله الثاني الصناعية، هي الكبرى في الأردن، وفق التقرير السنوي لشركة المدن الصناعية الأردنية لعام 2018، والتي استقطبت 432 شركة صناعية.

تشير بعض التقديرات إلى أن كمية المياه العادمة الصناعية الناتجة عن تلك المصانع تبلغ نحو 1500 متر مكعّب، وهي تعالج في داخل محطة في المدينة الصناعية، فيما تنقل المياه الخطرة عبر صهاريج مخصصة إلى مكبّات تابعة لوزارة البيئة.

لكن بالقرب من المدينة الصناعية، يمكن مشاهدة صهاريج تخرج منها لتجوب في المدينة الحرفية، ثم تدخل خلسة إلى مناشير حجر لتفرغ حمولتها في برك مجهزة مسبقا لاستقبال المياه العادمة الصناعية.

تتراوح نسب استخدام المياه العادمة الصناعية من قبل أصحاب المناشير في المدينة الحرفية، بين 70% و80%، بحسب الزيود، ويعتمد هذا على توفر هذه المياه رخيصة الثمن، التي يطول أحيانا انتظار الباحثين عنها.

لكن رئيس بلدية سحاب يفند ذلك، ويجزم بأن 90% من أصحاب المناشير في المنطقة الحرفية لا يستخدمون المياه العادمة الصناعية، ويستدل على هذا بأن 50% منهم متوقفون عن العمل، وأن البلدية تحصل على تعهدات من أصحاب المناشير بعدم استخدام "مياه غير مناسبة".

حصل فريق "المملكة" على عينة مياه عادمة صناعية من منشار حجر في المنطقة الحرفية، بعد الاتفاق مع صاحبه، الذي يقول، إنه يستخدمها لخفض كلف التشغيل.

أجرى مختبر معتمد محليا ودوليا فحوصات مخبرية على عينة المياه، وبعد 10 أيام، حصلت "المملكة" على النتائج.

"ما يحضرني الآن من المواصفات الأردنية، هو استخدام المياه الصناعية لأغراض الري. الفحص الأول يتعلق باحتياجات الأوكسجين الحيوية، ويظهر الرقم 256 ملغم/لتر، وفي بعض الحالات التي يسمح بها باستخدام المياه لأغراض الري يصل الرقم لنحو 30 ملغم/لتر في المدن. نحن نتحدث عن 8 أو 9 أضعاف الرقم المسموح به،" يقول أستاذ هندسة البيئة، حسين، وملامح الصدمة تبدو عليه.

ويتابع: "الفحص الآخر، يتعلق بالأوكسجين المستهلك كيميائيا ويظهر الرقم 268 ملغم/لتر، أما لاستخدام هذه المياه في الري، فنحن نتحدث عن نحو 50 ملغم/لتر. وفيما يتعلق بفحص المواد الصلبة العالقة الكلية، يظهر الفحص نحو 778-800 ملغم/لتر، لكن المسموح به يبدأ من 50 ملغم/لتر، وقد يصل إلى 300 ملغم/لتر لري الأشجار الحرجية. هذه الأرقام، وبشكل قطعي، هي أضعاف الحدود المسموح بها، وظني هنا أننا لا نتعامل مع مياه عادمة صناعية يعاد استخدامها، بل نتعامل مع خليط من مياه صناعية، ومياه صرف صحي".

حوض "مياه زرقاء" في المدينة الحرفية*

 

مخالفة "من الدرجة الأولى"

قانونيا، لا تسمح القاعدة الفنية للمياه العادمة الصناعية المستصلحة (البند 6) بإعادة استخدام هذه المياه خارج حرم المنشأة الصناعية، أو التصرف بها من قبل طرف آخر، إلا بعد موافقة الجهة الرسمية المسؤولة عن إصدار تراخيص.

المحامي، محمد محارمة، المختص في القضايا البيئية، يتحدث عن غياب وسائل دقيقة لقياس الآثار البيئية والصحية الناتجة عن استخدام المياه العادمة الصناعية، أو مياه الصرف الصحي، في الأردن.

"هذه مخالفة صحية من الدرجة الأولى. الضرر الذي يترتب على العاملين لا يوصف؛ فهم الأكثر عرضة للتأثر، مقارنة بالسكان المحيطين، أو البيئة القريبة،" يقول محارمة لـ "المملكة".

حسين يتفق مع المحامي، قائلا: "قضية إدراك الخطر، أو التأثر تبدو متفاوتة، فالعاملون في المدينة الحرفية، لا يدركون خطورة استخدام المياه العادمة الصناعية في قص الحجر. لا أحد يستطيع معرفة المواد الكيميائية المضافة للمياه، أو بماذا استخدمت. الأولى أن تشدد الرقابة على استعمال تلك المياه، وإجراء التحاليل اللازمة، والحصول على الموافقات من الجهات المختصة".

واقعيا، لم يبدُ العمال الذين التقتهم "المملكة" في المدينة الحرفية ملتزمين بتطبيق معايير السلامة المهنية، والصحية، المفروضة من قبل وزارة الصحة.

"نحن نعمل بشكل مكثف من أجل التأكد من الكشوفات الطبية الخاصة بالعاملين، وندقق في التزامهم بشروط السلامة، مثل ارتداء معدات الوقاية الشخصية، كالقفازات الواقية، والأقنعة، ووسائل حماية الأذن، والأحذية الخاصة، إضافة إلى ضرورة وجود ممرات آمنة وحجرات تهوية في المناشير،" يقول إبراهيم المشايخ، مدير مديرية الصحة والسلامة المهنية في وزارة الصحة.

ويعتقد أبو زيد أن عدم التزام العمال بمعايير السلامة أثناء العمل سببه أن "معظم أصحاب المناشير في المدينة الحرفية من الجنسيات غير الأردنية، وهم يبحثون عن المال في الدرجة الأولى، وليس صحة العاملين، فلا ضرر في إصابة عامل أو أكثر، إذ يستغنى عن خدماتهم، ويستبدلون بآخرين".

العامل في المدينة الحرفية الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض؛ بسبب تعرضه مباشرة إلى المواد الكيميائية المستخدمة في قص وتبريد الحجر، التي قد يمتد خطرها إلى الأماكن القريبة من المحاجر، فتتأثر الفئات الأضعف، وهم صغار، وكبار السن، والنساء الحوامل، وأصحاب المناعة الضعيفة، بحسب الخطيب.

"الكمخة"

في المدينة الحرفية، استوقف فريق "المملكة" أرض بيضاء متشققة، وموشحة باللونين الأسود، والأزرق.

"المملكة" وثقت مشهدا آخر مشابها في مكب المخلفات الإنشائية، في منطقة أبو صياح، في لواء الرصيفة، المخصص لاستقبال "الكمخة" وهي مادة لزجة من مخلفات عملية قص الحجر.

فريق "المملكة" اكتشف بعض أصحاب الصهاريج يفرغون "الكمخة" في شوارع المدينة الحرفية.

"ما يحصل من قبل بعض أصحاب الصهاريج يشكل كارثة بيئية،" يحذر المهندس البيئي الزيود.

ويبين: "بعد أن يصبح لون تلك المادة أقرب للسواد بسبب استخدام المياه العادمة الصناعية، لا يستطيع صاحب الصهريج إرسالها إلى المكبات المخصصة لاستقبالها؛ لأنه سوف يسأل ويحاسب على هذا، فيذهب إلى الحل الأسهل في رأيه: يجوب شوارع فرعية في المدينة الحرفية ويفرغ الصهريج، قبل أن يعود إلى مالك منشار آخر لسحب الكمخة من الأحواض المائية".

المسؤولية في مثل هذه القضايا مشتركة، بحسب المحامي محارمة.

"مالك الصهريج الذي يقوم بإحضار المياه، أو حتى إخراج الكمخة من المناشير، يتحمل المسؤولية: هو فاعل مباشر يقوم بإحضار المياه ويعلم مصدرها، من أين وإلى أين، وبالتالي يخالف قوانين العقوبات الأردني، البيئة، والصحة العامة،" يشرح محارمة.

ويتابع: "من خلال اطلاعي على الموضوع بشكل موسع، ترتكب مخالفات إدارية، ويقبض على صاحب الصهريج، أو يوقف، ويحول إلى الحاكم الإداري، متصرف لواء سحاب المختص، الذي يحوله إلى الجهات صاحبة الصلاحية، وقد يصل الأمر إلى سحب رخص مالك الصهريج".

أما المحارمة، رئيس بلدية سحاب، فيقول، إن مالكي الصهاريج كانت لديهم سابقا ممارسة منتشرة بأن يسحبوا "الكمخة" من الأحواض المائية في المناشير، ويفرغوها بالقرب من الوديان، أو في المدينة الحرفية، أو حتى في مناهل الصرف الصحي، "لكن واقع الحال اليوم مختلف، فقد اتخذت إجراءات قانونية بحقهم من قبل متصرف سحاب، وسجن عدد منهم".

وتتخوف الدعجة من فكرة خروج صهاريج "الكمخة"، من المدينة الحرفية بدون وصولات، أو فواتير رسمية، في وقت يغيب فيه نظام تتبع إلكتروني لهذه الصهاريج.

"قد تفرغ المادة في الأودية، وغيرها من المناطق القريبة من المياه الجوفية، ومع مرور الوقت وتكرار عمليات التفريغ في ذات المنطقة قد تتأثر المياه الجوفية،" تحذر الدعجة.

ولا يزال سكان سحاب يبحثون عن الخلاص من الأمراض والأغبرة التي تفتك بمنطقتهم.

* الصور لبرنامج "قيد التحقيق"

المملكة