بحث رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري الخميس، مع مسؤولي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي سبل المساعدة لوضع خطة إنقاذ للبنان الذي يشهد انهيارا اقتصاديا مرشحاً للتفاقم، ما يؤجج غضب الشارع الناقم على السلطة السياسية.

وتشهد البلاد أزمة سيولة بدأت معالمها منذ أشهر، وبات الحصول على الدولار مهمة شبه مستحيلة مع فرض المصارف قيوداً على حركة الأموال، تزامناً مع ارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية.

وتزامن ذلك مع شلل سياسي بعد نحو شهر ونصف شهر من استقالة الحريري بفعل حراك شعبي مستمر منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر، يطالب برحيل الطبقة السياسية مجتمعة والتي يتهمها المتظاهرون بالفساد ويحملونها مسؤولية التدهور الاقتصادي.

وأجرى الحريري، وفق بيان لمكتبه، اتصالين برئيس البنك الدولي ديفيد مالباس والمديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستينا جيورجيفا، وعرض معهما "المصاعب الاقتصادية والنقدية التي يواجهها لبنان".

وأكد الحريري "التزامه إعداد خطة إنقاذ عاجلة لمعالجة الأزمة، بانتظار تشكيل حكومة جديدة قادرة على تطبيقها"، مستطلعاً "المساعدة التقنية التي يمكن لكل من البنك وصندوق النقد الدوليين تقديمها في إطار اعداد هذه الخطة".

كما بحث مع مالباس "إمكان أن تزيد شركة التمويل الدولية التابعة للبنك مساهمتها في تمويل التجارة الدولية للبنان"، الذي يعتمد أساساً على الاستيراد.

ويبلغ الدين العام في لبنان 86 مليار دولار، ما يعادل 150% من إجمالي الناتج المحلي.

وتعدّ الأزمة الاقتصادية الراهنة وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية، وتراجع حجم الاستثمارات الخارجية، عدا عن تداعيات الانقسام السياسي الذي فاقمه النزاع في سوريا.

ومنذ أشهر، تتفاقم أزمة السيولة مع تحديد المصارف سقفاً لسحب الدولار، خفّضته تدريجياً، ما تسبب بارتفاع سعر صرف الليرة الذي كان مثبتاً على 1507 ليرات مقابل الدولار منذ أكثر من عقدين، الى أكثر من ألفين في السوق الموازية.

وخفضت وكالة فيتش الدولية الخميس تصنيف لبنان الائتماني على المدى الطويل الى "سي سي"، في خطوة تعكس، وفق قولها، كيف أن "إعادة هيكلة ديون الحكومة أو التخلف عن سدادها أمر محتمل جراء الغموض السياسي الحاد وتقييد حركة الأموال بحكم الأمر الواقع واهتزاز الثقة بالقطاع المصرفي".

وطلب الحريري الأسبوع الماضي دعماً مالياً من دول أجنبية وعربية عدة، بينها الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية والإمارات، لتأمين المواد الأساسية الغذائية والأولية ومعالجة النقص في السيولة.

إلا أن وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، وإثر اجتماع مجموعة الدعم الدولي للبنان الأربعاء في باريس، قال إن المجتمع الدولي يشترط أن تقترن أي مساعدة مالية بتشكيل حكومة إصلاحية.

وحدّدت الرئاسة اللبنانية الإثنين موعداً لإجراء استشارات نيابية لتسمية رئيس حكومة جديدة، بعد تأجيل لأسبوع جراء تعذّر القوى السياسية بعد أسابيع من المشاورات على الاتفاق على مرشح او على شكل الحكومة المقبلة.

وتُعقد في اليومين الأخيرين سلسلة اتصالات ولقاءات، بينما يبدو الحريري المرشح الأوفر حظاً رغم امتعاض الشارع، الذي يرفض أي دور للقوى السياسية في حكومة يريدها من اختصاصيين فقط.

وانتقد وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يرأس التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون، الحريري، مشيراً إلى أن الأخير يصر على أن يشكل وحده حكومة من اختصاصيين.

وقال "كأنه يقول إن ‘كل الأحزاب متهمون بالأزمة وأنا وحدي بريء من تراكم الأزمات على مدى 30 سنة (...)‘ كأنه الوحيد غير المسؤول عن الانهيار وغير المتهم بالفساد أما البقية فكلهم مسؤولون ومتهمون".

وأكد باسيل أنه في حال أصر الحريري على هذه المعادلة، وأصر حليفه الأبرز حزب الله على "مقاربة مواجهة المخاطر الخارجية بحكومة تكنو سياسية برئاسة الحريري"، فإن التيار الوطني الحر لن يشارك في الحكومة لكنه لن يعطل تشكيلها.

واعتبر أن حكومة كهذه سيكون مصيرها "الفشل"، طارحاً تشكيل حكومة اختصاصيين "رئيساً وأعضاءً" لكن في الوقت ذاته مدعومة من القوى السياسية والكتل البرلمانية "على قاعدة احترام التوازنات الوطنية الناشئة من الانتخابات البرلمانية" وقادرة على "تنفيذ الإصلاحات المطلوبة وأن تحافظ على التوازنات السياسية" في الوقت ذاته.

أ ف ب