تصادف الذكرى 72 لنكبة فلسطين، الجمعة، 15آيار/مايو، التي شردت في عام 1948 نحو 800 ألف فلسطيني، حيث سيطر الاحتلال الإسرائيلي في مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، بعد أن دمر 531 بالكامل، وأخضع ما تبقى لقوانينه، مرتكبا نحو 70 مجزرة استشهد فيها أكثر من 15 ألف فلسطيني.

وشرد الاحتلال نحو 800 ألف لاجئ إلى دول عربية، ونازح من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يعيشون في فلسطين.

يشكل فلسطينيو 1948 الذين بقوا على أرضهم بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948 نحو خمس السكان، وتقول جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين في إسرائيل: "يعيش اليوم ما يقارب 250 ألف مهجر داخل إسرائيل في القرى والمدن العربية التي استضافتهم منذ عام 1948.

الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت عام 1948 القرار 194 الذي يوجب عودة اللاجئين إلى ديارهم وتعويضهم.

سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قدرت عدد اللاجئين المسجلين حتى 1 يناير /كانون الثاني 2018، بنحو 6.02 مليون لاجئ فلسطيني، يعيش نحو 28.4% منهم في 58 مخيماً رسميا تابعا للوكالة الأممية، منهم 2.327 مليون لاجئ في الأردن.

لاجئون فلسطينيون يقفون حول سيارة تابعة لأونروا في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين قرب العاصمة عمّان في عام 1970. أ ف ب/أرشيف أونروا

100 ألف شهيد

قال الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، إن عدد الشهداء الفلسطينيين والعرب منذ النكبة عام 1948، وحتى 13 مايو 2019 (داخل وخارج فلسطين) بلغ نحو 100 ألف شهيد، فيما سجلت في عام 1967، مليون حالة اعتقال.

وبلغ عدد الشهداء منذ بداية انتفاضة الأقصى 10 آلاف شهيد، و 853 خلال الفترة 29/09/2000، وحتى 07/05/2019، وفق الإحصاءات الفلسطينية.

رحلة اللجوء

وبعد شهرين من أكبر حدث ب في تاريخ الشعب الفلسطيني، فجر الثالث من رمضان عام 1948، كانت البداية لفصول من المعاناة والتشرد لقرابة 1500 فلسطيني من قرية طيرة دندن قضاء اللد، سعيد الطيرواي كان يبلغ من العمر 14 عاما ، عندما اضطر برفقة عائلته للرحيل قسرا عن قريتهم إلى الضفة الغربية، خوفا على أرواحهم من عصابات القتل الصهيونية.

يروي الطيرواي (87 عاما) الذي لجأ برفقة عائلته لمخيم بلاطة شرق نابلس، تسارع الأحداث التي قادت لهجرة أهالي القرية بحسرة على البلاد المسلوبة، قائلا: "الإشاعة أضاعت البلاد وهجرت العباد".

بداية التهجير بالقرية بدأت بأعداد قليلة من عائلاتها بعدما سمعوا عن بشاعة جرائم العصابات الصهيونية في مجزرة دير ياسين غرب القدس في أبريل/نيسان، لكن سرعان ما اضطر أهالي القرية بعد أشهر للفرار لجبالها بعد أن هاجمت تلك العصابات القرية فجر الثالث من رمضان، وسط إطلاق كثيف للنيران، وفق ما يوضح الطيراوي.

فر الطيراوي حاملا شقيقه ذي الأربع سنوات برفقة عائلته وأهالي القرية سيرا على الأقدام نحو قرية دير طريف القريبة، ثم لقرية دير عمار غرب رام الله، كانت خلالها الأرض فراشهم والسماء غطاؤهم، وفق قوله.

وامتاز أهالي طيرة دندن بالعمل في الزراعة وتربية المواشي كبقية الأرياف الفلسطينية، وبينهم عائلة الطيراوي الذي حاول العودة للقرية لإحضار خرافه السبعة التي اعتاد على رعيها في أراضي وجبال القرية، إلا أن اشتداد القصف دفعه للتخلي عنها.

لكنه يؤكد أنه تمكن من العودة مرتين بعد أيام من التهجير لقريته على دابة برفقة قريب له، استطاع خلالها استرداد مونة البيت من الزيت والأواني و100 كيلو من الطحين كان طحنها بمطحنة دير طريف القريبة قبل ثلاثة أيام من سقوط القرية، بعد أن سار بين جثث أعدمتها العصابات الصهيونية.

بحر حيفا

ويتحدث أبو نبيل عن أرض والده المسلوبة، واصفا إياها بالجنة ففيها القمح والصبار والزيتون والتين والذرة والعنب، قرابة أربعين دونما كان يملكها والده تاجر الماشية في القرية.

"والدي كان تاجر ماشية معروف بالمنطقة لكنه لحق بنا حافيا سيرا على الأقدام وبحوزته مبلغ صغير من المال، وقطعة المرتينة (بندقية تحوي 20 طلقة) فقط" وفق أبو نبيل.

ويتابع: "لو خيروني بين القصر في المخيم والخيمة في طيرة دندن، لاخترت الخيمة بمسقط رأسي، 72 عاما لم أر فيها يوما الراحة، حياتنا كلها كد وتعب، لم نتنفس هواء البلاد النقي على شط بحر حيفا منذ 72 عاما، الله يذل من ذلنا".

"حكاية اللجوء تورث جيلا بعد جيل، خرجنا خمسة أبناء لوالدي، لكن اليوم كل منا لديه عشرات الأبناء والأحفاد، أبنائي وأحفادي اليوم 83 فردا، ولابد من العودة يوما ما"يشدد الثمانيني.

وفي مخيم جنين، تتأكد مقولة أن حكاية اللجوء تورث جيلا بعد جيل، بما يتحدث به رشيد منصور (64 عاما) الذي يعد من الجيل الثاني للنكبة، والذي لجأت عائلته عام 1948 إلى المخيم، من قرية اجزم قضاء حيفا.

يوثق منصور النكبة كشاهد سمعي على أحداثها لما سمعه من روايات الأجداد عن البلاد المسلوبة والمعارك التي خاضها الثوار ضد الإنجليز والعصابات الصهيونية في الوادي الذي يفصل قريتهم اجزم عن حيفا.

"منذ تفتحت عيوننا على الدنيا، كان حديث الجدات في المساء عن التهجير والقتل والتدمير الذي لحق بأهلنا في بلادنا المسلوبة" يضيف منصور.

ويروي منصور أن قرية اجزم تميزت بتربية المواشي والزراعة، وأن جده رشيد كان يملك 500 رأس من الماشية وقت سقوط البلاد، و50 دونما يحتفظ بكوشانها حتى اليوم بين أراضي القرية البالغة 46 ألف دونم، مقسمة مناصفة بين أراضي ميرة حكومية ومثلها أملاك خاصة للفلسطينيين فقط.

ووفق ما روت عائلته له فإنها اضطرت آخر الثلاثينيات لترك اجزم بعد الحرب العالمية الثانية والانتقال للعيش بمدينة حيفا، والعمل كعمال في البلدية والميناء، وعندما بدأت أحداث النكبة عام 1948 اضطروا للانتقال بقوارب أحضرها الإنجليز والاتجاه إلى عكا.

ويتابع: مكثوا في عكا شهرا ثم انتقلوا عبر البحر إلى الطنطورة القريبة من إجزم حيث استقبلهم أهلها لعدة أيام، وعادوا سيرا على الأقدام لبلدهم أجزم وبعدها بأيام وقعت مذبحة الطنطورة التي استشهد فيها 250 فلسطينيا بينهم مختار القرية وأبناؤه السبعة.

ويضيف: استقر بهم الحال بإجزم حتى نهاية شهر تموز، حيث اشتدت المعارك بين أهالي القرية التي تحصن الثوار فيها بواد قريب، لكنهم لم يصمدوا فترة طويلة إثر تدخل الطيران البريطاني حينها وتنفيذه غارات عدة على البلدة لعدة أيام أدت لاستشهاد 33 من أهل القرية.

عاد منصور منذ النكبة لإجزم مرتين الأولى كانت عام 1983 بعد تحرره من الأسر بثماني سنوات برفقة والده، والثانية عام 2012 برفقة زوجته وأبنائه وأمه كزائر فقط، لكنه يؤمن بأن العودة ستتحقق يوما ما، وأن هذه حقيقة مطلقة كإيمانه بالله تعالى، وفق قوله.

أتمسك بالعبارة التي ثبتها والدي على مدخل منزلنا بالمخيم "عيدنا يوم عودتنا".. يؤكد منصور.

ويضيف "خلال أيام والدي الأخيرة قبل وفاته كان يسقط كثيرا عن سريره أثناء نومه، عندما نسأله كان يجيب كنت أركض بالحليصة بحيفا، كنت ألعب بأحياء حيفا، وعندما خرجت روح والدي إلى بارئها كانت كلماته الأخيرة "لا إله الا الله، قلعة شنة.. قلعة شنة" وهي المنطقة التي عاش فيها والده في إجزم.

ويؤكد منصور أن المخيم الذي يسكنه قرابة 11 ألف نسمة لجأوا للمخيم من 70 قرية وبلد من الأراضي المحتلة عام 1948، أنه محطة العودة، التي تترسخ بالأجيال جيلا بعد جيل، باعتبار حق العودة ثابتا لا محالة لشعبنا.

"حفيدي عمره 5 سنوات عندما أسأله من أين أنت يجيب أنا من زرعين، فحتى لو مات الكبار فالصغار لا ينسون بل بحق العودة يتشبثون" بحسب منصور.

ويصف الشاب فارس بسام صقر (28 عاما) وهو من أبناء الجيل الثالث الذين ولدوا بمخيم جنين، النكبة بأنها "غصة العُمر التي ورثناها غصبا وتعايشنا معها قسرا، لنصل إلى يوم العودة المُبجل".

ويعرّف صقر نفسه بأنه "لاجئ من قرية المنسي 31 كم عن مدينة حيفا، لم أعش تفاصيل اللجوء؛ ولكن عشتها افتراضيا من كلام أجدادي الذين حدثوني عنها في كل جلسة كُنت معهم بها، حدثوني عن البلاد التي لم تبخل يوما في عطائها".

ويتابع:"النكبة أصبحت وصمة تلاحقنا أينما حللنا، ولم أعش في المُخيم بل في واد برقين القريب لكنني عشت تفاصيله في دراستي التي كانت في مدارس وكالة الغوث".

"قال لي جدي ذات يوم، إن حيفا أجمل مدن العالم، ودائما كان يردد بأن العودة قريبة مهما طالت، اللاجئ صبور عنيد ليصل إلى ما يريد" وفق صقر.

ويضيف "المخيمات تكتظ بالسكان، فنحن الآن الجيل الثالث إذا صح التعبير عن النكبة، بات الوضع صعبا، لكن مع كل ذلك لم نفقد الأمل يوما بالعودة".

 

صورة أرشيفية للاجئة فلسطينية في مركز نشاطات نسائية تابع لأونروا في مخيم جباليا في قطاع غزة. (أونروا)

المملكة + وفا