يترأس الناشط الحقوقي الأميركي آل شاربتون الخميس، مراسم تأبين لجورج فلويد الأميركي من أصل إفريقي الذي تسبب شريط فيديو يظهر وفاته اختناقا على يد شرطي خلال توقيفه في مينيابوليس بإطلاق العنان لتظاهرات احتجاج رافضة للعنصرية.

وقال شاربتون في تصريحات على شبكة "إم.إس.إن.بي.سي" قبيل المراسم إن "حجم الدعم والمشاركة في التظاهرات لا يشبه أي شيء شاهدناه من قبل" مضيفا "إنه الوقت الذي يمكننا من القيام بتغيير حقيقي".

وفي تلك الأثناء من المتوقع أن يمثل ثلاثة من الشرطيين الأربعة الذين اعتقلوا فلويد في 25 أيار/مايو بتهمة استخدام ورقة نقدية مزورة، أمام المحكمة للمرة الأولى حيث ستوجه لهم تهمة التواطؤ في موته.

والشرطي الرابع ديريك شوفن، الذي تم تصويره وهو يجثو بركبته على رقبة فلويد لنحو تسع دقائق فيما كان يقول "لا أستطيع أن أتنفس" وجهت له تهمة القتل من الدرجة الثانية ومثل أمام قاض الأسبوع الماضي.

ومثل شاربتون، عبّر عضو الكونغرس الديمقراطي جون لويس الذي رافق مارتن لوثر كينغ جونيور في مسيرة محاربة التمييز العنصري، عن الأمل في أن تؤدي وفاة فلويد والاحتجاجات التي أعقبتها إلى تمهيد الطريق من أجل "تغيير أكبر".

وقال لويس البالغ 80 عاما والرمز الكبير في الدفاع عن الحقوق المدنية لشبكة سي بي إس، "المسألة تبدو مختلفة الآن ... إنها أكبر بكثير وتشمل الجميع".

ودان لويس، الذي تعرض للضرب الوحشي في مناسبات عدة خلال الاحتجاجات المطالبة بالحقوق المدنية في ستينات القرن الماضي، تهديد الرئيس دونالد ترامب باستخدام القوة العسكرية ضد المتظاهرين.

وقال "أعتقد أن الرئيس ترامب سيرتكب خطا فادحا إن استخدم الجيش لوقف تظاهرات نظامية سلمية غير عنيفة" مضيفا "لا يمكن، لا يمكن وقف نداء التاريخ".

ملاذ أخير

أثار ترامب احتمال تفعيل "قانون مكافحة العصيان" الذي يسمح بنشر القوات المسلحة لاخماد التظاهرات، لكن وزير الدفاع مارك إسبر قال الأربعاء إن ذلك يجب أن يكون فقط "الملاذ الأخير".

وبدوره خرق الجنرال جيم ماتيس، سلف إسبر، الصمت منذ استقالته من إدارة ترامب ليوجه انتقادا لاذعا للرئيس.

واعتبر ماتيس أن ترامب "أول رئيس في حياتي لا يحاول توحيد الأميركيين، بل إنه حتّى لا يتظاهر بأنّه يحاول فعل ذلك".

وأضاف الجنرال "بدلاً من ذلك، هو يحاول تقسيمنا".

ورد ترامب على الفور في تغريدة على تويتر، واصفا ماتيس بأنه "الجنرال الذي لقي أكبر تقدير مبالغ فيه في العالم".

ومن جهته قارن عضو الكونغرس الديمقراطي آدام شيف، كبير المدعين في إجراءات محاكمة ترامب في مجلس النواب في وقت سابق هذا العام، بين التظاهرات في الولايات المتحدة والذكرى الـ31 لقمع الصين لتظاهرات الطلاب في ساحة تيان أنمين.

وقال شيف "إذ نتوقف لنتذكر الأبرياء الذين سقطوا والمطالبة بأن تعترف الحكومة الصينية بالعنف الذي ترعاه الدولة، علينا أن نقر بأن سلطة أميركا الأخلاقية للتنديد بتلك الجرائم، تعتمد على المثال الذي نضربه هنا في الداخل".

وأضاف "لكن عندما تهاجم شرطتنا متظاهرين سلميين يحاربون من أجل مجتمع أكثر عدلا بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاط والقنابل الصوتية، فإننا لا ننتهك القيم الأميركية فحسب بل نفقد أيضا مصداقيتنا عند الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الديموقراطية في الخارج".

وأقيمت حواجز جديد أمام البيت الأبيض الخميس، في وقت دخلت التظاهرات المطالبة بالمساواة بين جميع الأعراق وبإصلاح جهاز الشرطة، يومها العاشر.

واستخدمت الشرطة الإثنين العصي وعناصر كيميائية لتفريق المتظاهرين في حديقة لافاييت أمام البيت الأبيض، وقامت بعد ذلك بتوسيع الطوق الأمني.

عزاء رغم الحزن 

أدت وفاة فلويد إلى إعادة إشعال الغضب القديم إزاء قتل الشرطة لأميركيين من أصل إفريقي، وأطلقت العنان لموجة اضطرابات مدنية لم تشهدها الولايات المتحدة منذ اغتيال كينغ عام 1968.

وكان توقيف الشرطيين الأربعة في صلب مطالب آلاف المتظاهرين الذين نزلوا إلى شوارع عشرات المدن الأميركية، متحدين حظر التجول أحيانا.

ووصفت عائلة فلويد في بيان شكرت فيه المتظاهرين، التوقيفات والاتهامات الجديدة بأنها "لحظة عزاء رغم الحزن" و"خطوة مهمة في مسار العدالة".

وحضت العائلة الأميركيين على الاستمرار في "رفع أصواتهم للمطالبة بالتغيير بطرق سلمية".

وشارك المتظاهرون الأربعاء في مسيرات كبيرة كانت سلمية في غالبيتها، للمطالبة بتغيير أكبر في مدن من نيويورك إلى لوس أنجليس.

وأرجأت مدن أميركية من بينها لوس أنجليس وواشنطن بدء فترة حظر التجول الأربعاء بضع ساعات بعدما تراجعت عمليات النهب وأعمال العنف الليلة الماضية، فيما ألغت سياتل حظر التجول بمفعول فوري.

لكن تم توقيف عشرات الأشخاص في نيويورك لعدم احترام الأوقات المحددة للمسيرات في مانهاتن وبروكلين بعد بدء حظر التجول الساعة الثامنة مساء.

وتظاهرت مجموعة كبيرة أمام مبنى الكابيتول في واشنطن بعد بدء حظر التجول.

ونزل الالاف إلى شوارع هوليوود ووسط لوس أنجليس حيث وعد رئيس البلدية إريك غارسيتي بتخصيص 250 مليون دولار من ميزانية الشرطة للاستثمار في البرامج الاجتماعية والتعليمية للمجتمعات السوداء.

ومع تصاعد وتيرة التظاهرات دعا الصليب الأحمر السلطات الأميركية وقادة الاحتجاجات إلى تعزيز تدابير السلامة والوقاية من فيروس كورونا المستجد.

وقال فرانشيسكو روكا، رئيس الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والهلال الاحمر في مقابلة مع وكالة فرانس برس "المسألة تتعلق بالمنطق" منتقدا مشاهد تلفزيونية أظهرت العديد من المتظاهرين من دون لوازم حماية كالأقنعة الواقية أو القفازات، ومحتشدين في مساحات صغيرة.

واعتبر أن "ذلك مؤشر سيء بالطبع، بل يثير مزيدا من القلق في دولة يضربها كوفيد-19 بشدة".

وتعد الولايات المتحدة الدولة الأكثر تضررا بالفيروس مع أكثر من 107 الاف وفاة وأكثر من 1,8 مليون إصابة.

أ ف ب