أعلن المدير العام لوزارة المال اللبنانية آلان بيفاني، العضو في فريق التفاوض مع صندوق النقد الدولي، استقالته من منصبه الإثنين، محذراً من توجّه السلطات لإيجاد مخارج للانهيار الاقتصادي على حساب المواطنين، عوضاً عن المضي باصلاحات حقيقية.

وبيفاني، الذي يتولى منصبه منذ عقدين، هو ثاني شخصية في فريق التفاوض مع صندوق النقد تقدّم استقالتها هذا الشهر اعتراضاً على أداء السلطات في خضم أزمة اقتصادية تُعدّ الأسوأ منذ عقود ودفعت نصف اللبنانيين تقريباً تحت خط الفقر.

وقال في مؤتمر صحافي عقده في مقر نادي الصحافة "اخترت أن أستقيل لأنني أرفض أن أكون شريكاً أو شاهداً على الانهيار، ولم يعد الصبر يجدي اليوم".

وأوضح بيفاني، وهو من المساهمين الرئيسيين في إعداد خطة الحكومة الإنقاذية التي تقدمت على أساسها بطلب مساعدة صندوق النقد، "كان هناك محاولة اصلاحية جدية.. ومع الأسف التركيبة السياسية والمالية نجحت بأن تفرملها وربما تؤدي الى تعثّرها". 

وحذّر المسؤولين من "تحويل دولارات المودعين إلى الليرات ومن تجميد ودائع الناس بشكل يُفقدها نسبة مرتفعة من قيمتها"، بعدما توقفت المصارف منذ أشهر عن تزويد المودعين أموالهم من حساباتهم بالدولار في حين يمكنهم سحبها بالليرة فقط.

واتهم بيفاني "من جنى الأرباح الطائلة على مدى سنوات طويلة من جيوب اللبنانيين" بأنه "ما زال يرفض أن يساهم ولو بجزء من تغطية الخسائر" بينما "يريدون أن يدفع الشعب" ثمنها، منبهاً "نحن مشرفون على مرحلة جديدة من الاستيلاء على أصول اللبنانيين بالمواربة".

وبناء على خطة انقاذية، اقترحت إصلاحات على مستويات عدة بينها إعادة هيكلة الديون والمصارف، تعقد السلطات منذ أسابيع اجتماعات متلاحقة مع صندوق النقد، أملاً بالحصول على دعم بأكثر من 20 مليار دولار. ولم يُحرز أي اختراق بعد.

وحمل بيفاني بشدة على أداء الطبقة الحاكمة. وقال "ندعي أننا نريد برنامجاً مع صندوق النقد الدولي إلا أننا نقوم بكل ما يمكن لافشال المشروع التغييري"، موضحاً أنه "إذا استمررنا بهذا الشكل، فتطور الأحداث هو الذي سيدفن الخطة".

وفي 18 حزيران/يونيو، قدّم مستشار وزير المالية في فريق التفاوض مع صندوق النقد هنري شاوول استقالته في خطوة بررها بإدراكه "ألا ارادة حقيقية للاصلاح أو لاعادة هيكلة القطاع المصرفي"، وفق الخطة الإنقاذية.

ويتحدث محللون عن رضوخ الحكومة لضغوط مصرفية وسياسية واسعة لإسقاط بند اعادة هيكلة القطاع المصرفي، نظراً للخسائر المترتبة عليه. وفي لبنان البلد الصغير القائم على منطق المحاصصة والتسويات، تتداخل مصالح رجال المال والسلطة إلى حدّ كبير.

وتعليقاً على سير التفاوض، قالت مديرة صندوق النقد كريستالينا جورجيفا الجمعة "لا نملك سبباً بعد للقول إن هناك اختراقاً" تم تحقيقه، مشددة على أنّ "جوهر الموضوع هو ما إذا كان يمكن تحقيق إجماع (...) في البلاد من شأنه المضي قدماً في رزمة اجراءات قاسية لكنها ضرورية".

واعتمدت المصارف الإثنين سعر صرف جديد للسحوبات بالدولار، حدّدته بـ3850 ليرة بدلاً من 3000، تطبيقاً لتعميمين عن مصرف لبنان، في حين أن سعر الصرف الرسمي مثبت على 1507 ليرات لكافة العمليات النقدية الأخرى.

وبدأ الجمعة العمل بمنصّة الكترونية أطلقها المصرف المركزي لمحاولة لجم سعر الصرف بينما تحّدد نقابة الصرافين يومياً سعر الصرف. لكن تلك الإجراءات لم تتمكن من ضبط السوق السوداء حيث لامس سعر الصرف الإثنين ثمانية آلاف مقابل الدولار، وفق صرافين.

وقال الأستاذ الجامعي والباحث الاقتصادي جاد شعبان لفرانس برس إن اعتماد المصارف سعر صرف جديد للسحوبات هو "مجرد طريقة لتعويض ما يدينون به للناس. لكن قيمة هذه الأموال عملياً تتراجع يومياً، لذا فهم نوعاً ما يخدعون الناس".

أ ف ب