أحيت بيروت مساء الجمعة ذكرى مرور شهر على انفجار المرفأ المروع، الذي حوّلها إلى مدينة منكوبة، وأودى بحياة 191 شخصاً، بينما كان عمال إنقاذ يعملون بشكل متواصل بحثاً عن ناج محتمل تحت أنقاض مبنى مدمر في "معجزة" انتظرها اللبنانيون لساعات طويلة.

وبعد مرور شهر، لا يزال لبنان يعاني تحت عبء فاجعة غير مسبوقة تسببت أيضا بإصابة أكثر من 6500 بجروح، وشرّدت نحو 300 ألف من منازلهم التي تضررت أو تدمرت.

وتفيد تقديرات رسمية عن استمرار وجود 7 مفقودين على الأقل.

ويتولى محقق عدلي التحقيق في الانفجار الذي لم تتضح ملابساته بعد، بمشاركة محققين فرنسيين وأميركيين. وتم توقيف 25 شخصاً حتى الآن، بينهم كبار المسؤولين عن المرفأ، ورجال أمن، بعدما تبيّن أن المعنيين على مستويات عدة كانوا على دراية بوجود مواد خطرة مخزّنة في المرفأ.

وفي لحظة الانفجار، نُظمت في مرفأ بيروت وفي مقرّ فوج الإطفاء المجاور الذي خسر 10 من عناصره، وقفات رمزية، شارك فيها أفراد عائلات الضحايا مطالبين بتحقيق العدالة.

وقالت ميشيل، شقيقة جو أنطون موظف في المرفأ قضى جراء الانفجار لفرانس برس "بعد شهر، لم نعرف بعد لما حصل الانفجار، وماذا حدث ومن المسؤول عنه. لا أعرف إذا ما كنا سننتظر شيئاً أو أحداً يعطينا حقنا".

وطالب شقيق مهندس قضى في الانفجار بتحقيق "العدالة". وقال "نخشى ألا تتحقق".

ووضع عدد من أهالي القتلى وروداً بيضاء على نصب تذكاري أقامه الجيش في المرفأ ويضم أسماء الضحايا.

وأحيت الأنباء عن إمكان العثور على شخص على قيد الحياة في شارع مار مخايل المنكوب، آمال كثيرين، لكنها تضاءلت تدريجاً مع عدم رصد أي مؤشرات حياة.

ورصد فريق إنقاذ تشيلي وصل حديثاً إلى بيروت، عبر أجهزة حرارية متطورة، "نبضات قلب"، وفق ما قال مسؤولون محليون، تحت ركام مبنى في شارع مار مخايل، استدلّ كلب مدرّب برفقتهم إليه.

ورفع العمال لساعات الحجارة والركام بأيديهم أو بأدوات يدوية، وفق ما شاهد مصور في وكالة فرانس برس.

وتمكنوا من إحداث فجوة إلى الطوابق السفلى قبل أن يتم إحضار جهاز مخصص لرصد النفس والحركة.

ولم يتم حتى الآن العثور على أي مؤشرات حياة تحت الركام.

وقال رئيس الفريق التشيلي فرانشيسكو ليرماندا في مؤتمر صحفي مساء الجمعة "إن الخبراء الذين يرافقوننا اكتشفوا أن أحدا يتنفس من تحت الانقاض ببطء ومن على عمق ثلاثة أمتار تحت الأنقاض، وهذا يستدعي فتح ثلاثة أنفاق على عمق ثلاثة أمتار توصل إلى مكان هذا الشخص".

وأضاف أن "العمل جارٍ حاليا للوصول إلى مكان اكتشاف النبض، ولا دلائل عما إذا كان هذا الشخص على قيد الحياة أم لا".

وفي وقت سابق، قال المهندس المدني الفرنسي إيمانويل دوران الذي يشارك مع فريقه من طلاب جامعيين، في جهود الإنقاذ عبر إجراء مسح ثلاثي الأبعاد، لفرانس برس "حتى الآن، للأسف، لا آثار لأي ضحية أو جثة" في غرفتين داخل المبنى تمّ مسحهما.

وأوضح نيكولاس سعادة الذي يعمل في منظمة تتولى التنسيق بين فريق البحث التشيلي والدفاع المدني، لفرانس برس صباحاً أنه "بعد إزالة الأنقاض الكبيرة، أجرينا مسحاً جديداً لرصد نبضات قلب أو نفس، وأظهر المسح معدلاً منخفضاً.. سبعة في الدقيقة الواحدة" بعدما كان سجّل سابقاً معدلاً راوح بين "16 إلى 18" في الدقيقة.

"جروح بالغة"

تحوّلت الطوابق العليا من المبنى الذي كان يضمّ في طابقه الأرضي حانة، وفق سكان الحي، إلى كومة ركام نتيجة انفجار الرابع من آب/أغسطس، مما جعل عمليات البحث تتطلب مهارات عالية ودقة.

ولا يملك لبنان تجهيزات لإدارة الكوارث، ولا إمكانات تقنية متقدّمة.

وسارعت دول عدة الى إرسال فرق إغاثة ومساعدات تقنية لمساعدته بعد الانفجار.

وعلى الرغم من شبه استحالة وجود حياة بعد شهر على الانفجار، تعلق كثيرون بالأمل الضئيل.

وقال مخرج الأفلام سليم مراد بتأثر "لم أكن أعلم أننا في حاجة إلى معجزة بهذا القدر. رجاء يا رب أن تعطي بيروت المعجزة التي تستحقها".

وقدّر البنك الدولي الأضرار والخسائر الاقتصادية الناجمة عن الانفجار بما يراوح بين 6.7 و8.1 مليار دولار.

وتواصل الأحياء المنكوبة محاولة تضميد جراحها. ويعمل متطوعون وطلاب ومنظمات غير حكومية كخلية نحل لمساعدة السكان على إصلاح منازلهم وتوزيع مساعدات تدفّقت من أنحاء العالم.

ونبّهت منظمة الأمم المتحدة للطفولة الجمعة إلى أن ما يقدر بـ600 ألف طفل يعيشون ضمن دائرة قطرها 20 كيلومتراً من الانفجار، قد يعانون من آثار نفسية سلبية قريبة وبعيدة الأمد.

منذ شهر، يصبّ مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي غضبهم على السلطات التي يحملونها مسؤولية الانفجار جراء التقصير والإهمال.

وعزت السلطات الانفجار الذي لم تعلن نتائج أي تحقيق حوله بعد إلى حريق في مستودع خزنت فيه 2750 طناً من نيترات الأمونيوم.

إلا أنّ تقارير إعلامية عدة موثقة بمستندات رسمية رجّحت أن تكون الكمية التي انفجرت أقل بكثير، بعدما تبين أن كميات كبيرة أخرجت من العنبر الرقم 12 (سرقت على الأرجح) خلال السنوات الماضية.

"لبنان ليس وحده"

وشكّل الانفجار ضربة قاضية للبنان الغارق منذ العام الماضي في أسوأ انهيار اقتصادي، وسط خلافات سياسية وضغط دولي لإجراء إصلاحات بنيوية، وترهّل المرافق العامة وتفشي الفساد.

وعلى وقع غضب الشارع، استقالت حكومة حسان دياب. ومع تصاعد الضغط الدولي، خصوصاً من فرنسا التي زار رئيسها إيمانويل ماكرون بيروت مرتين بعد الانفجار، توافقت غالبية القوى السياسية على تكليف مصطفى أديب تشكيل حكومة جديدة خلال أسبوعين.

وتعهد أديب تشكيل حكومة تضم "اختصاصيين تعالج بسرعة وحرفية الملفات المطروحة وتستعيد ثقة اللبنانيين" الذين يطالبون برحيل الطبقة السياسية مجتمعة.

وتعتزم فرنسا تنظيم مؤتمر دعم دولي للبنان الشهر المقبل. وأمهل ماكرون القوى السياسية بين 6 إلى 8 أسابيع لوضع قطار الإصلاح على السكة. ويشترط المجتمع الدولي حصول إصلاحات أساسية لتقديم دعم للبنان يتعدى تداعيات الانفجار.

وقال أمين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، الذي تفقد بيروت المنكوبة، والتقى مسؤولين الجمعة، إن "لبنان ليس وحده".

وجاءت زيارته موفداً من البابا فرنسيس الذي حذّر الأربعاء من أن لبنان يواجه "خطراً شديداً" و"يجب عدم التخلي عنه"، داعياً اللبنانيين إلى "إيجاد القوة والطاقة اللازمتين للبدء من جديد".

أ ف ب