بدأت الشرطة العسكرية في الجيش اللبناني، الخميس، التحقيق في الحريق الضخم الذي اندلع في مستودع في مرفأ بيروت الذي شهد قبل 5 أسابيع انفجارا ضخما أودى بحياة العشرات.

وقال الجيش اللبناني، عبر تويتر: "الشرطة العسكرية في الجيش اللبناني باشرت التحقيق بالحريق في المرفأ، بإشارة من النيابة العامة العسكرية".

وبدأت فرق الإطفاء بالسيطرة على الحريق، بحسب ما أوردت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان. بينما قال الجيش: "‏شاركت 4 طوافات تابعة للقوات الجوية في الجيش بالعمل على إخماد الحريق في المرفأ، في وقت تمكنت 3 طوافات أخرى من إخماد الحريق الذي اندلع في منطقة علمات - جبيل والسيطرة عليه بشكل كامل".

وكان وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، ميشال نجار، أعلن في وقت سابق الخميس، السيطرة على الحريق. وقال نجار إن "حريق المرفأ بات تحت السيطرة، وسيكون هناك تحقيق بعد إخماد النيران"، مشيرا إلى أن "المعلومات الأولية تفيد بأن أحدهم كان يقوم بورشة تصليح، مستخدما صاروخا ما أدى إلى تطاير شرارة واندلاع الحريق"، بحسب ما نقلت الوكالة الرسمية.  

"الحريق اندلع في مستودع بعيد عن العنبر رقم 12"، وفق نجار والعنبر رقم 12 هو المكان الذي وقع داخله الانفجار المروّع الذي حوّل بيروت إلى مدينة منكوبة.

نجار قال: "علينا الانتظار لإجراء دراسة شاملة حول ما جرى وحول مدى توفر معايير السلامة العامة".

واندلع الحريق، وفق ما أفاد الجيش اللبناني في تغريدة، في مستودع للزيوت والإطارات في السوق الحرة في المرفأ. وما لبث أن تمدّد إلى مستودع مجاور، تُخزّن فيه بضائع مستوردة.

واستمرت ألسنة النيران، بعد نحو 3 ساعات على بدء جهود إطفائها، واستعرت بكثافة في مستودعات كانت تضررت بشدّة من جراء انفجار 4 آب/أغسطس. 

وتمكن مواطنون مقيمون في ضواحي بيروت من رؤية سحب كبيرة لدخان أسود تنبعث من المرفأ قبل أن تغطي سماء بيروت.

وقال مدير عام المرفأ بالتكليف باسم القيسي لقناة "إل بي سي" التلفزيونية، إن الحريق اندلع في مبنى يحوي براميل زيوت للقلي وإطارات تابعة لشركة مستوردة.

وأوضح أن الحريق "بدأ في براميل الزيت نتيجة الحرارة أو خطأ ثان، من المبكر أن نعرف".

ونقلت الوكالة الرسمية عن المدير العام للدفاع المدني ريمون خطار، أنّ وجود "مواد سريعة الاشتعال كالمطاط والزيوت" استدعى "تعاملاً استثنائياً مع الوضع". وأضاف "مواد مشتعلة كهذه تحتاج إلى الوقت من أجل إخمادها كلياً".

وتمدّد الحريق إلى مستودع آخر يضم أجهزة كهربائية منزلية. وقال مدير العمليات في الدفاع المدني جورج أبو موسى إن "البضائع الموجودة وكميتها ونوعيتها تحول" دون القدرة على اخماد النيران بسرعة.

وقال هيثم أحد العاملين في المستودع حيث اندلع الحريق، "كنا نعمل وفجأة بدأوا يصرخون، أخرجوا من الشركة"، مضيفاً أن "أعمال تلحيم كانت قائمة ... واندلعت النيران، لا نعرف ماذا حصل".

وتابع: "تركنا كل شيء وبدأنا نركض، تذكرنا الانفجار. لم أعد أعلم هل أتصل بعائلتي أو أخوتي الذين يعملون في المرفأ".

وعملت فرق الدفاع المدني وفوج الإطفاء بمشاركة مروحيات الجيش على إخماد الحريق، بينما منعت قوى الأمن مرور السيارات على الطريق المجاور للمرفأ.

"لا نستطيع التحمّل"

وما زالت بيروت تلملم جراحها بعد الانفجار المهول الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من آب/أغسطس، وتسبب بمقتل أكثر من 190 شخصاً وإصابة أكثر من 6500 بجروح، عدا عن تشريد نحو 300 ألف شخص ممن تدمرت منازلهم أو تضررت أو تصدّعت.

وأثار الحريق حالة من الهلع في بيروت، وعبر منصات التواصل الاجتماعي.

وكتبت الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش، آية مجذوب، عبر تويتر "حريق جنوني في المرفأ، يسبّب ذعراً في أنحاء بيروت، لا يمكننا نيل قسط من الراحة".

وقالت هالا، التي كانت استأنفت الخميس، عملها في حي مار مخايل المحاذي للمرفأ "كان اليوم هو أول يوم لي في المكتب في مار مخايل بعد إصلاحه بالكامل. بينما كنت جالسة، نظرت عبر النافذة إلى يميني لأرى دخاناً أسود ضخماً. بدأ جسدي يرتجف دون أن اتمكن من السيطرة على نفسي وملآت الدموع عيني".

وتابعت "اللعنة عليهم (بسبب) صدماتنا التي لا تنتهي".

ودعا رئيس الجمهورية ميشال عون المجلس الأعلى للدفاع للانعقاد عند السابعة مساء (16:00 ت غ) للبحث في الحريق. كما كلف النائب العام التمييزي غسان عويدات الأجهزة الأمنية اجراء التحقيقات اللازمة في الأمر.

وهذا الحريق هو الثاني منذ الثلاثاء في المرفأ. وقالت قيادة الجيش حينها إن الحريق الأول شبّ في الردميات المختلطة بنفايات وبقايا أخشاب وإطارات غير صالحة.

"مسرح الجريمة"

وأثار اندلاع الحريق الخميس شكوكاً لدى سياسيين وحقوقيين تساءلوا عن سبب اندلاعه في "مسرح جريمة".

وأعادت الباحثة في منظمة العفو الدولية ديالا حيدر تغريد بيان الجيش الخميس، وسألت "حبّذا لو أخبرتونا سبب الحريق في مرفأ مدمر وموضوع تحت عهدتكم".

وغرّد الباحث المتخصص في العلوم الجنائية وحقوق الانسان عمر نشابة "أين نعيش نحن؟ هذا مسرح جريمة وقعت منذ شهر! أين القضاء؟ أين الدولة؟ أين المسؤولية؟".

وسأل رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، الذي قدّم استقالته من البرلمان إثر انفجار 4 آب/اغسطس، "كيف يمكن أن يندلع حريق جديد رغم وجود كافة الأجهزة الأمنية والقضائية في مسرح جريمة مرفأ بيروت؟".

وأضاف "مريب ما يحدث هناك (...) نطالب الأمم المتحدة بوضع يدها على التحقيقات خصوصاً بعد حريق اليوم".

وتحقّق السلطات في انفجار المرفأ الذي عزته إلى 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم كانت مخزنة منذ أكثر من ست سنوات داخل العنبر رقم 12 من دون إجراءات وقاية كافية.

وكان الانفجار قد أثار غضباً عارماً، خصوصاً بعدما أكّدت تقارير ومصادر عدة أن السلطات/ من أجهزة أمنية ورؤساء ومسؤولين سابقين وحاليين، كانوا على علم بمخاطر تخزين هذه المادة في المرفأ.

وأوقف القضاء حتى الآن 25 شخصاً، بينهم كبار المسؤولين عن المرفأ وأمنه.

واستمع المحقق العدلي القاضي فادي صوان الخميس إلى وزير الأشغال والنقل في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا، على أن يستمع لاحقاً إلى إفادات الوزراء الذين تعاقبوا على وزارات الأشغال والمالية والعدل منذ العام 2013، من دون تحديد تاريخ جلسات الاستماع.

ويحقق صوان الذي استمع الأسبوع الماضي إلى إفادة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، مع كبار المسؤولين عن إدارة المرفأ وأمنه، بهدف تحديد المسؤوليات ومعرفة ملابسات الانفجار وتحديد هوية الأشخاص الذين أهملوا أو تجاهلوا خطر إبقاء كميات هائلة من نيترات الأمونيوم في المرفأ.

وأعلنت قيادة الجيش قبل أسبوع العثور على أكثر من أربعة أطنان من نيترات الأمونيوم مخزنة في حرم الجمارك، تخلصت منها لاحقاً. ولم يتضح ما إذا كانت هذه جزءاً من الكمية الأساسية المخزنة في العنبر رقم 12. ويحقق القضاء بشأنها.

المملكة + أ ف ب