أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أن عقوبات الأمم المتحدة على ايران "دخلت مجددا حيز التنفيذ"، محذرا من "عواقب" في حال فشلت الدول الأعضاء في المنظمة الأممية بتنفيذ هذه العقوبات.

ويأتي تصريح بومبيو رغم عزلة بلاده على هذا الصعيد، إذ أن قوى أخرى رئيسية بينها دول أوروبية حليفة لواشنطن تؤكد على عكس ذلك عدم إعادة فرض العقوبات وأن لا أثر قانونيا للإجراء الأميركي. 

وأضاف بومبيو في إعلانه السبت: "اذا أخفقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في القيام بواجباتها بتنفيذ هذه العقوبات، فإن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام سلطاتنا الداخلية لفرض عواقب على هذه الإخفاقات وضمان أن لا تجني ايران مكاسب حظر الأمم المتحدة لهذا التحرك".

واعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ليل السبت الأحد، أن عزم الولايات المتحدة إعادة فرض العقوبات الأممية على بلاده يشكل "إدعاء باطلا".

وأكد مسؤولون أميركيون أن "كل عقوبات الأمم المتحدة على إيران" ستعود سارية المفعول من منتصف ليل السبت الأحد.

وتستند واشنطن بذلك إلى آلية "سناب باك" بموجب الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني ("خطة العمل الشاملة المشتركة") وقرار مجلس الأمن 2231، والتي تتيح لأي دولة موقعة على الاتفاق، إعادة تفعيل هذه العقوبات في حال إخلال طهران بالتزاماتها بموجب الاتفاق الموقع عام 2015.

لكن الخطوة الأميركية تقابل برفض دولي واسع خصوصا من الدول الأخرى الموقعة (روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا وألمانيا)، على اعتبار أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحبت بشكل أحادي من الاتفاق في العام 2018، وأعادت فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران.

وبعد ذلك بنحو عام، تراجعت طهران عن بعض الالتزامات الواردة في الاتفاق.

وقال ظريف في حديث إلى التلفزيون الرسمي الإيراني ليل السبت الأحد "يدّعي الأميركيون أنه عند الساعة 12.00 ت غ أو الثامنة مساء بتوقيت واشنطن، أي في غضون بضع ساعات، ستعود القرارات (العقوبات). لكنهم بأنفسهم يدركون أن هذا إدعاء باطل".

وشدد ظريف على عدم وجود "شي اسمه ‘سناب باك‘. لا يوجد مسار تلقائي. لا يمكن لكل من اختلف مع والدته أن يقول إنه يريد أن يفعّل آلية ‘سناب باك‘".

وتابع "الأميركيون يعرفون أن هذا الأمر لن يحصل. لذا لجأوا الى التنمر، وقالوا إنهم سيفرضون عقوبات على كل من يبيع إيران السلاح. هذا يظهر أن الأميركيين بأنفسهم لا يعتقدون أن القرارات ستعود".

وتلقت الإدارة الأميركية في منتصف آب/أغسطس الماضي انتكاسة كبيرة في مجلس الأمن الدولي لدى محاولتها تمديد حظر الأسلحة على طهران الذي تنتهي مدّته في تشرين الأول/أكتوبر.

واتّهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو فرنسا وبريطانيا وألمانيا، والتي غالبا ما كانت مواقفها متقاربة مع موقف واشنطن حيال طهران، بأنها "اختارت الانحياز إلى آيات الله" الإيرانيين، برفضها تمديد الحظر.

واعتبر ظريف أن "بومبيو يعتقد أن الأمر عبارة عن آلية بسيطة: نقوم بالإبلاغ، وتعود القرارات خلال شهر. الأمر ليس كذلك. هو لم يقرأ (قرار مجلس الأمن وآلية العمل المشتركة)، لكن استمع الى المقابلات فقط. هو الآن ربما ينتظر صدور ‘فيلم‘ خطة العمل الشاملة المشتركة ليعرف ما هو عليه. البعض لا يقرأ وينتظر صدور الفيلم".

دور المجتمع الدولي

ورأى أن الكرة هي في ملعب "المجتمع الدولي" الذي يجدر به اتخاذ موقف مما تنوي واشنطن القيام به.

وقال "اعتاد الأميركيون على التنمر، لطالما استخدموا ذلك وقد يستخدمونه الآن أيضا. بالطبع على المجتمع الدولي بنفسه أن يقرر ما سيقوم به إزاء التنمر"، معتبرا أنه "للأسف، بسبب تأثير الولايات المتحدة في السوق المالية العالمية، تمكنت من تحقيق تنمرها بالعقوبات المالية. لكن كل من يلتزمون بها يقولون إنهم يقومون بذلك على رغم معرفتهم بأنها غير قانونية ‘لأنهم (أي الأميركيين) لديهم القوة ويضغطون علينا‘".

وأدى اتفاق 2015 الذي كانت الدول الكبرى تهدف من خلاله ضمان عدم سعي الجمهورية الإسلامية لامتلاك سلاح نووي، الى رفع العديد من العقوبات الاقتصادية عن إيران، مقابل تعهد طهران خفض نشاطاتها النووية.

لكن ترامب يعتبر أن الاتفاق الذي أبرم في عهد سلفه باراك أوباما غير كافٍ، وانسحب منه معتمدا سياسة "ضغوط قصوى" على إيران لا سيما بالعقوبات.

ورأى مصدر دبلوماسي أوروبي أن الأميركيين "سيدّعون أنهم فعّلوا آلية سناب باك وبالتالي أن العقوبات عادت" لكن "هذه الخطوة ليس لديها أي أساس قانوني" وبالتالي لا يمكن أن يكون لديها "أي أثر قانوني".

فيما يلي نظرة على الأحداث التي أدت إلى هذه المواجهة وما قد يحدث بعد ذلك.

* لماذا سينتهي العمل بحظر الأسلحة على إيران؟

فرض مجلس الأمن الدولي حظر الأسلحة على إيران عام 2007.

ومن المقرر أن ينقضي أجل هذا الحظر في 18 تشرين الأول/ أكتوبر بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران وروسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة. ويمنع الاتفاق طهران من تطوير أسلحة نووية مقابل تخفيف العقوبات عنها. وتم إدراج الاتفاق في قرار لمجلس الأمن عام 2015.

وفي عام 2018، انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة سلفه باراك أوباما، واصفا إياه بأنه "أسوأ اتفاق على الإطلاق". وأخفقت الولايات المتحدة الشهر الماضي في محاولة تمديد الحظر المفروض على إيران في مجلس الأمن.

* ماذا يعني هذا بالنسبة للاتفاق النووي لعام 2015؟

قالت الأطراف التي ظلت مشاركة في الاتفاق النووي إنها ملتزمة بالحفاظ عليه. وقالت إيران إن الاتفاق سيظل ساريا رغم الخطوة الأميركية في الأمم المتحدة.

وقالت بريطانيا وفرنسا وألمانيا لمجلس الأمن الدولي يوم الجمعة إن إعفاء إيران من عقوبات الأمم المتحدة سيستمر لما بعد 20 أيلول/ سبتمبر.

وكتب مبعوثو الأطراف الأوروبية الثلاثة في خطاب للمجلس اطلعت عليه رويترز "عملنا بلا كلل من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي وما زلنا ملتزمين بذلك".

* ما هي العقوبات التي ستعود؟

من شأن عودة عقوبات الأمم المتحدة أن تلزم إيران بتعليق جميع الأنشطة المتعلقة بالتخصيب وإعادة المعالجة، بما في ذلك البحث والتطوير، وحظر استيراد أي شيء يمكن أن يساهم في تلك الأنشطة أو في تطوير أنظمة إطلاق الأسلحة النووية.

وستشمل كذلك معاودة فرض حظر الأسلحة على إيران ومنعها من تطوير صواريخ باليستية قادرة على إطلاق أسلحة نووية واستئناف فرض عقوبات محددة على عشرات الأفراد والكيانات. كما سيتم حث الدول على فحص الشحنات من إيران وإليها والسماح لها بمصادرة أي شحنة محظورة.

* ما الذي أدى بالأمور إلى تلك النتيجة؟

قدمت الولايات المتحدة شكوى إلى مجلس الأمن الدولي بشأن انتهاك إيران للاتفاق النووي الشهر الماضي.

ومنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، فرضت واشنطن عقوبات قوية من جانب واحد في محاولة لإرغام إيران على العودة للتفاوض على اتفاق جديد، وردا على ذلك خرقت إيران قيودا أساسية فرضها الاتفاق بما شمل مخزونها من اليورانيوم المخصب.

تقول الولايات المتحدة إن بموجب قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في 2015 الذي يدرج الاتفاق النووي في منظومته، فقد فعّلت بذلك عملية تدوم 30 يوما لإعادة فرض كل العقوبات من الأمم المتحدة على إيران. وترى واشنطن إن برغم انسحابها من الاتفاق النووي فإن القرار لا يزال يعتبرها دولة مشاركة فيه.

وكان على مجلس الأمن التصويت في غضون 30 يوما على قرار لاستمرار تخفيف العقوبات المفروضة على إيران. وما لم يتم اعتماد مثل هذا القرار بحلول الموعد النهائي، فسيتم إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة التي كانت سارية قبل الاتفاق النووي لعام 2015 تلقائيا. ولم يتم طرح مثل هذا القرار للتصويت.

وفي الشهر الماضي، قالت إندونيسيا التي كانت ترأس مجلس الأمن الدولي لشهر أغسطس آب إنها "ليست في موضع يسمح لها باتخاذ المزيد من الإجراءات" فيما يتعلق بمحاولة الولايات المتحدة تفعيل عودة كل عقوبات المنظمة الدولية على إيران لأن الأمر لا يحظى بإجماع داخل المجلس.

وتقول 13 دولة من أصل 15 في مجلس الأمن إنها تعارض تحركات واشنطن إذ تعتبرها باطلة بالنظر إلى أنها تستخدم فيها عملية من داخل الاتفاق النووي الذي لم تعد طرفا فيه.

وحذر بومبيو أمس السبت قائلا "إذا أخفقت الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في الوفاء بالتزاماتها بفرض هذه العقوبات، فإن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام سلطاتها المحلية لفرض عواقب على هذه الإخفاقات".

* ماذا ستفعل الولايات المتحدة الآن؟

قالت مصادر لرويترز إن ترامب يعتزم إصدار أمر تنفيذي يسمح له بفرض عقوبات على كل من ينتهك حظر الأسلحة التقليدية المفروض على إيران من الأمم المتحدة في محاولة لتعزيز إصرار الولايات المتحدة على أن الإجراء أصبح ممددا إلى أجل غير مسمى لما بعد 18 تشرين الأول/ أكتوبر.

وقالت المصادر، التي طلبت عدم نشر أسمائها، يوم الخميس إن من المتوقع إصدار الأمر التنفيذي في الأيام المقبلة وإنه سيسمح للرئيس بمعاقبة المخالفين الأجانب، إذ أن الكيانات الأميركية ممنوعة بالفعل من القيام بأي تعاملات متعلقة بالأسلحة مع إيران، وحرمانهم من الوصول إلى السوق الأمريكية.

* كيف قد تتعامل إدارة يقودها الديمقراطي جو بايدن مع إيران؟

قال ثلاثة مسؤولين إيرانيين بارزين لرويترز إن القيادة في بلادهم عازمة على إبقاء التزامها بالاتفاق النووي على أمل أن فوز منافس ترامب الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر قد ينقذ الاتفاق.

وقال بايدن، الذي كان نائبا لأوباما وقت التفاوض على الاتفاق النووي، إنه سيعيد بلاده طرفا فيه إذا عادت إيران أولا للالتزام بكل بنوده.

وقال آندرو بيتس المتحدث باسم حملة بايدن "إذا عادت إيران لالتزام صارم بالاتفاق النووي، فستعود الولايات المتحدة للانضمام للاتفاق والبناء عليه بينما ستعمل مع حلفائها للتصدي لأفعال إيران المزعزعة للاستقرار".

أ ف ب