تسابق الطالبة بيلسان ضبابات، 15 عاما، مع زميلاتها من أجل الوصول إلى "باص الحكايات"، لتطبع بصمة أصابعها الخمسة على هيكله الخارجي، بعد أن أضحى مصيره خارج أسوار مدرسة خربة ابزيق شمال شرق طوباس.

"باص الحكايات"، الذي يأمل معلمو مدرسة ابزيق أن يحل أزمة من اكتظاظ الطلبة في الصفوف المدرسية، بعد أن أزالت "جرافات" الاحتلال غرفا صفية قبل عامين، جرى بناؤها من قبل مؤسسات حقوقية لتضاف إلى بناء المدرسة، الذي يعتبر مبنى تاريخيا في المنطقة.

مدرسة ابزيق تحمل اسم مدرسة التحدي رقم (10) أيضا، التي تأتي ضمن سلسلة مدارس التحدي والصمود الـ14 التي أنشأتها وزارة التربية والتعليم، في المناطق المهمشة والمستهدفة من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

تتكون المدرسة من ثلاث غرف صفية يدرس فيها 33 طالبا وطالبة، من الصف الأول حتى السادس، يشرف على تعليمهم خمسة من الهيئة التدريسية.

"الباص"، الذي كان متوقفا ولا يعمل، عمدت مجموعة شبابية، وبدعم من عدة مؤسسات شبابية، إلى تحويله واستغلاله ليكون صفا مدرسيا متنقلا، كي لا تطاله آليات "جرافات" الاحتلال، ويمكن سحبه بمجرد تكرار مشهد الهدم الذي كان في السابق.

الطالبة ضبابات تدرس في الصف العاشر بمدرسة الشهيد ياسر عرفات الأساسية للبنات داخل مدينة طوباس، جاءت برفقة نحو 50 طالبا وطالبة من مدارس المحافظة، للمشاركة في هذه المبادرة، وقفت بالقرب من والدها، لحظة وصول الباص إلى مدخل المدرسة، وقالت "ما صدقنا رؤيته يصل إلى هذه المنطقة".

لكن الجهود فشلت في إدخاله إلى داخل أسوار المدرسة؛ لصعوبة المكان وجغرافيته، ولأسباب لوجستية أخرى.

(طلبة يتلقون تعليمهم داخل حافلة حولتها مجموعة شبابية إلى غرفة صفية ومكتبة متنقلة في طوباس بالضفة الغربية المحتلة. 2020/10/10. أيمن نوباني/ وفا)

مدير المدرسة فراس دراغمة، يقول، إن الاحتلال يستهدف المدرسة، ويحاول عرقلة المسيرة التعليمية فيها؛ فقد هدم في العام 2018 غرفتين تم بناؤهما بدعم من مؤسسة دولية، بعد أسبوع واحد من تشييدهما.

وأضاف لـ"وفا"، أن المبنى الحالي هو تاريخي قائم قبل العام 1967، ويحتوي على ثلاث غرف، كل واحدة تضم صفين، والمعلمون الخمسة يقضون أوقات فراغهم بين الطلبة.

وبين أن فكرة ومبادرة المجموعات الشبابية بإيجاد حافلة متنقلة، واستغلالها بعد توقفها عن العمل، لتكون صفا آخر ومكتبة، تعتبر مرفقا إضافيا وعاملا مساعدا في حل مشكلة اكتظاظ الطلبة في الغرف الصفية، وفرصة أخرى للمعلمين لقضاء أوقات فراغهم فيه.

وأوضح أن المعاناة التي يعيشها الطلبة والأهالي في هذه المنطقة مضاعفة، من ناحية انتهاكات الاحتلال واستهدافهم، والعمل على طردهم، إضافة إلى التدريبات العسكرية التي تجريها قوات الاحتلال في المنطقة بين منازل المواطنين، عدا عن الصعوبات الأخرى مثل صعوبة الطرق والوصول إلى المدرسة التي تزداد حدتها مع فصل الشتاء.

خربة ابزيق التي يقطنها نحو 200 مواطن، ويعيشون في خيام ومساكن، واحدة من بين التجمعات السكانية التي تعيش الويلات جراء انتهاكات الاحتلال بشكل متكرر.

حتى الجدار والسياج الذي يحيط بالمدرسة مهددا بالإزالة من قبل قوات الاحتلال؛ بحجة الاعتداء على الأماكن الأثرية والتاريخية.

رغم أن "الباص" المجهز بمقاعد وطاولة، وبعض الكتب والقصص، وجدرانه من الحديد ورائحة الخشب ما زالت تعبق بداخلة، حطت رحالة بعيدا عن المدرسة وخارج أسوارها، إلا أنه يبقى أملا من نوع آخر لطبلة يبحثون عن سلام وهدوء بين ثناياه.

"أكثر من 23 تجمعا بدويا مستهدف من قبل قوات الاحتلال في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، تجري فيها فوق التدريبات العسكرية، وتشهد انتشارا مكثفا لقوات الاحتلال"، حسب ما أفاد به مدير التربية والتعليم في طوباس سائد قبها.

وقال قبها، إن الاحتلال يحاول عرقلة المسيرة التعليمية؛ من خلال سياسة الهدم، واستهداف الأهالي وتهجيرهم من المنطقة، فمنهم حالفه الحظ وأكمل مسيرته التعليمية رغم كل المعوقات والمسافات من أجل الوصول إلى المدارس.

وأضاف هناك نحو 160 طالبا وطالبة في التجمعات والمناطق المهمشة تعمل وزارة التربية والتعليم على نقلهم عبر حافلات ولمسافات بعيدة؛ من أجل تسهيل وصولهم إلى مدارسهم.

"فلسطين" الطفلة الصغيرة ذات العيون السوداء الكبيرة، في بريق عينها لمعة تبشر بمستقبل واعد، وبشرتها سمراء حرقتها الشمس الذهبية، تلمع مشرقة دائما.. تحلم كل يوم بمكتبة صغيرة في مدرستها لتقضي بها أوقات فراغها، تتعلم وتنهل من العلم المزيد، ولكن بالإرادة سيكسرون كل القيود ويتجاوزون المصاعب، فلم لا نساعدها في تحقيق حلمها الجميل بطريقة صديقة للبيئة؛ من خلال إعادة استخدام مركبة قديمة مهملة بجعلها مكتبة صغيرة لهم.

فالطفلة فلسطين نموذج المحرومين والموهوبين في خربة ابزيق، هذه الجملة التي سطرها المتطوعون الشباب على جدران الباص، لعلهم يبعثون في نفوس الطلبة الأمل.

وفا