يحيي العالم، في 2 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام، مناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، حيث قُتل ما يقرب من 1200 صحفي أثناء أداء واجبهم الإعلامي، وإيصال المعلومة إلى الجمهور العام بين عامي (2006 - 2019).

وفي تسع حالات من كل عشر، يُفلت القتلة من العقاب. ويؤدي هذا الإفلات من العقاب إلى مزيد من القتل، إضافة إلى أنه غالبًا أحد أعراض تفاقم النزاع، وانهيار القانون والأنظمة القضائية، بحسب الأمم المتحدة.

ولا تشمل هذه الأرقام العدد الكبير من الصحفيين الذين يتعرّضون يوميا لاعتداءات غير مميتة، بما في ذلك التعذيب، وحالات الاختفاء القسري، والاعتقالات الاعتباطية، والترهيب والتحرّش في أوقات النزاع والسلم على حد سواء. وإضافة إلى ذلك، تواجه النساء الصحفيات مخاطر محددة تشمل الاعتداءات الجنسية.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في هذه المناسبة: "عندما يُستهدف الصحفيون، تدفع المجتمعات بأسرها الثمن. وإذا لم نقم بحماية الصحفيين، تصبح قدرتنا على البقاء على عِلم بما يجري حولنا وعلى اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة محدودة جدا. وعندما لا يستطيع الصحفيون القيام بعملهم في أمان، فإننا نفقد خطا دفاعيا مهما ضد جائحة المعلومات الخاطئة، والمعلومات المضللة التي انتشرت على الإنترنت".

وخلال العقد الماضي، لم تجر إدانة مرتكبي الاعتداءات ضد العاملين في وسائل الإعلام إلا في إطار قضية واحدة من أصل عشر قضايا؛ الأمر الذي يثير القلق. فالإفلات من العقاب يُشجع مرتكبي الجرائم وتكون له، في الوقت عينه، آثار رهيبة على المجتمع ككل، بما في ذلك الصحفيين أنفسهم. والإفلات من العقاب يغذّي حلقة مفرغة، إذ يتشجّع مرتكبو الجرائم ضد الصحفيين عندما يرون الآخرين يفلتون من العقاب.

"كورونا .. تحدٍ جديد"

وأضاف غوتيريش أنه "في اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين لهذه السنة، يواجه العالم، بما في ذلك وسائل الإعلام، تحديا جديدا تماما، ألا وهو كوفيد-19".

"أبرزت هذه الجائحة مخاطر جديدة تطال الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، في وقت تزايد فيه عدد الاعتداءات على سلامتهم البدنية، حيث وقع ما لا يقل عن 21 اعتداء على الصحفيين أثناء تغطيتهم للاحتجاجات في النصف الأول من عام 2020، وهو ما يعادل عدد الاعتداءات التي تعرضوا لها في عام 2017 بأكمله" بحسب الأمين العام.

وفُرضت أيضا قيود إضافية على عمل الصحفيين، شملت التهديد بالملاحقة القضائية والاعتقال والسجن والحرمان من الحصول على المعلومات، وعدم التحقيق في الجرائم المرتكبة ضدهم وعدم مقاضاة مرتكبيها.

وأضاف غوتيريش: "الأخبار والتحليلات المبنية على الحقائق تتوقف على ضمان الحماية والسلامة للصحفيين الذين يؤدون عملا صحفيا مستقلا، متأصلا في المبدأ الأساسي القائل: ”مزاولة الصحافة دون خوف أو محاباة“".

"في الوقت الذي يحارب فيه العالم جائحة كوفيد-19، أكرر دعوتي إلى صحافة حرة يمكنها أن تؤدي دورها الأساسي في مجالات السلام والعدالة والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان" بحسب غوتيريش.

وبقاء الاعتداءات المرتكبة ضد الصحفيين من دون عقاب إنّما يُوجّه رسالة سلبية للغاية مفادها أنّ نقل "الحقيقة المربكة" أو "الآراء غير المرغوب فيها" من شأنه أن يضع الأشخاص العاديين في ورطة. وإضافة إلى ذلك، يفقد المجتمع الثقة بنظامه القضائي الذي يتعيّن أن يحمي الجميع من الاعتداءات التي تطال حقوقهم. ومرتكبو الجرائم ضد الصحفيين يتشجّعون بالتالي عندما يدركون أنّهم قادرون على مهاجمة أهدافهم من دون أن يضطروا إلى المثول أمام العدالة أبدا، بحسب الأمم المتحدة.

لذا، تخشى منظمة الأمم المتحدة للعلم والثقافة (يونسكو) أن يؤدي الإفلات من العقاب إلى زعزعة مجتمعات بكاملها من جرّاء إخفاء انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان والفساد والجرائم. 

"حقائق وأرقام"

قُتل 495 صحفيًا بين عامي 2014 و 2018، بزيادة قدرها 18٪ عن السنوات الخمس السابقة لذلك.

منذ عام 2006، أُبلغ عن حل 131 حالة فقط من حالات قتل الصحفيين، وهو ما يمثل معدل إفلات من العقاب يبلغ 88٪.

وعانى الصحفيون، فضلا عن تعرضهم للهجمات القاتلة، من انتهاكات أخرى من مثل الاعتداء الجسدي والاختطاف والاختفاء القسري، والسجن والتعذيب.

يزيد انتشار المضايقات ومثلها من الأفعال الضارة الأخرى على الإنترنت، مما يلحق أضرارا مأساوية بالصحفيات بخاصة.

وكانت سوريا الدولة الأخطر على الصحفيين، تليها المكسيك وأفغانستان. وتقع ثلاثة أرباع جرائم قتل الصحفيين في منطقة الدول العربية وأميركا اللاتينية والبحر الكاريبي وآسيا والمحيط الهادئ، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة.

"تعزيز الملاحقات القضائية"

ويُعقد المؤتمر العالمي لحرية الصحافة 2020 يومي 9 و 10 كانون الأول/ديسمبر 2020، بدعوة من يونسكو ومملكة هولندا، احتفاء باليوم العالمي لحرية الصحافة (3 أيار/مايو) واليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين (2 نوفمبر/تشرين الثاني) في شكل جديد ومبتكر، يدمج العناصر الرقمية والعناصر الشخصية.

وستشمل الجلسة التي ستُعقد في 10 كانون الأول/ديسمبر 2020 ، بعنوان ’’تعزيز التحقيقات والملاحقات القضائية لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين‘‘، تقديم مبادئ توجيهية للمدعين العامين بشأن التحقيق في الجرائم والاعتداءات على الصحفيين ومقاضاة مرتكبيها ، التي طوّرت بالشراكة مع الرابطة الدولية للمدعين العامين.

الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر، اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في قرارها A/RES/68/163  وحث القرار الدول الأعضاء على تنفيذ تدابير محددة لمواجهة ثقافة الإفلات من العقاب الحالية، وقد اختير التاريخ احتفالا باغتيال صحفيين فرنسيين في مالي في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2013.

ويدين هذا القرار التاريخي جميع الهجمات والعنف ضد الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام. وتحث أيضا الدول الأعضاء على بذل قصارى جهدها لمنع العنف ضد الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام، وكفالة المساءلة، وتقديم مرتكبي الجرائم ضد الصحفيين والعاملين في وسائط الإعلام إلى العدالة، وضمان حصول الضحايا على سبل الإنصاف المناسبة. وتطلب كذلك إلى الدول أن تعمل على تهيئة بيئة آمنة، وتمكينيه للصحفيين لأداء عملهم بصورة مستقلة، ودون تدخل لا داعي له.

المملكة