تحبس الولايات أنفاسها منتظرة بقلق نتيجة الانتخابات الرئاسية وسط انقسام حاد غير مسبوق بين الأميركيين حول من سيكون الرئيس: المرشح الديمقراطي جو بايدن أو الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب اللذان يعدان برؤيتين على طرفي نقيض للولايات المتحدة.

وأغلقت مراكز الاقتراع في الساعة السابعة من مساء الثلاثاء بالتوقيت الأميركي (صفر ت غ) في 6 ولايات بما فيها جورجيا، إحدى الولايات الحاسمة في السباق.

وتغلق مراكز الاقتراع في الولايات المتّحدة أبوابها تباعاً، من الشرق إلى الغرب في عملية تستمر لغاية الساعة الأولى فجراً بالتوقيت المحلّي (السادسة صباحاً ت غ).

وأفادت تقديرات شبكات التلفزة الأميركية الكبرى بفوز ترامب بولايات إنديانا وتينيسي وأوكلاهوما وكنتاكي وفيرجينيا الغربية وأركنساو وميسيسيبي وألاباما، مقابل فوز بايدن بولايات فيرمونت وفيرجينيا وميريلاند وواشنطن وماسوتشوستس وديلاور ونيوجرزي وكونيتيكت وإيلينوي ورود آيلاند.

ويحتاج أي مرشّح رئاسي إلى أصوات 270 ناخباً كبيراً للفوز بالرئاسة.

وتستعدّ البلاد لليلة طويلة من ترقّب النتائج. وتبدو عملية الاقتراع أقرب الى استفتاء على أكثر رؤساء الولايات المتّحدة المعاصرين إثارة للجدل.

وقال الرئيس الجمهوري الثلاثاء خلال تفقده المقر العام للحملة الجمهورية في إحدى ضواحي واشنطن "إنها اللعبة السياسية، ونحن إزاء انتخابات ولا شيء أكيداً".

وأضاف بصوت متعب "الفوز سهل، لكنّ الخسارة ليست سهلة بتاتا. بالنسبة إليّ، ليست كذلك"، في إشارة نادرة الى احتمال خسارته الانتخابات.

وكان المرشح الجمهوري البالغ 74 عاماً احتلّ المنصّات وكثّف تنقلاته الانتخابية في الأيام الأخيرة مراهناً على حماسة أنصاره الذين يعيشون تعبئة قصوى جراء حملة انتخابية اتسمت بحدّة غير مسبوقة، بهدف تحقيق مفأجاة كما سبق وفعلوا العام 2016.  

ويعوّل بايدن (77 عاما) من جهته، والذي ترجّح نتائج استطلاعات الرأي فوزه منذ أشهر، على النفور الذي يثيره خصمه في صفوف جزء كبير من الناخبين، ليحقق "فوزاً واسعاً" ويدخل البيت الأبيض رئيساً بعدما شغل منصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما.

وقال عبر مكبّر للصوت الثلاثاء أمام مجموعة صغيرة من أنصاره في مسقط رأسه في سكرانتون بولاية بنسلفانيا التي تعتبر أساسية لكلا المرشحين، "أريد أن أعيد للبيت الأبيض كرامته".

وتوجّه بعد ذلك إلى المنزل الذي أمضى فيه طفولته حيث ترك الرسالة التالية "من هذا البيت إلى البيت الأبيض بإذن الله".

وقال بايدن لدى عودته الى مقرّه في ويلمنغتون إنّه "مطمئن"، تشجّعه النسبة العالية لمشاركة الشباب والنساء والأميركيين من أصل إفريقي في الانتخابات. 

صورة لدونالد ترامب وجو بايدن. 30 أكتوبر 2020. (أ ف ب)


أريد التخلص من ترامب

وتقاطر الأميركيون في كل أرجاء البلاد إلى مراكز الاقتراع تحدوهم دوافع متناقضة.

وقالت فيرونيكا كاسترو، وهي مدرّسة تبلغ السابعة والثلاثين التقتها وكالة فرانس في مركز اقتراع في إيستون في بنسلفانيا، "أريد التخلص من ترامب. فلا مجال لأن نمضي أربع سنوات إضافية معه!".

في المقابل، صوّتت كلارا خيمينس الأميركية من أصول كوبية بفخر لدونالد ترامب في ميامي، مؤكدة "نحتاج الى رئيس قوي يدافع عن بلاده ويحبها".

ويخشى الناخبون أينما تواجدوا من تصرف المعسكر الخصم.

وقالت ميغن بيرنز-بورديران  (35 عاما) المقيمة في نيويورك والداعمة للديموقراطيين "سيبذل ترامب كل ما في وسعه للفوز، وهذا أمر مخيف".

ويؤكد ترامب منذ أشهر من دون أن يوفر أي دليل، أن التصويت عبر البريد سيؤدي إلى عمليات تزوير كثيفة ويلمح إلى احتمال خوض معركة قضائية بعد الانتخابات.

لكنه سعى إلى الطمأنة الثلاثاء مؤكدا أنه لن يعلن انتصاره قبل صدور النتائج الرسمية خلافا لتكهنات وسائل إعلام أميركية.

وأضاف أن من حق الأميركيين أن يعرفوا النتائج "في يوم الاقتراع" مشددا على أن "العالم بأسره ينتظر".

وقد يؤدي التصويت عبر البريد إلى تأخير في فرز الأصوات.

وفي مؤشر ملموس إلى القلق الناجم عن الاقتراع، حصّنت متاجر عدة في مدن كبيرة منها واشنطن ولوس انجليس ونيويورك واجهاتها تحسبا لأعمال عنف قد تلي الانتخابات.

وأمام برج ترامب الشهير، انتشرت تعزيزات أمنية مع متاريس وعدد كبير من عناصر الشرطة.

لكنّ البورصة أقفلت على ارتفاع كبير، في مؤشّر على وجود ارتياح وثقة في الأسواق المالية.

أميركا أولا

وطوال الحملة الانتخابية، عكست الولايات المتحدة صورة بلد منقسم إلى معسكرين متخاصمين انقطعت سبل التواصل بينهما.

فعلى مدى أشهر، لوّح دونالد ترامب بخطر وصول "يسار راديكالي" إلى السلطة عازم على تحويل أكبر اقتصاد في العالم إلى "فنزويلا على نطاق واسع".

وقال الثلاثاء لمحطة "فوكس نيوز"، "في حال فوزهم سيتغير بلدنا إلى غير رجعة".

ويكثّف الديمقراطيون وفي مقدّمهم جو بايدن وباراك أوباما، تحذيراتهم من العواقب التي قد تكون مدمرة للمؤسسات الديمقراطية في حال فوز ترامب بولاية ثانية.

والمرشحان للانتخابات على طرفي نقيض. 

فمن جهة المرشح الجمهوري ملياردير من نيويورك وقطب عقارات سابق انتقل من تقديم برنامج لتلفزيون الواقع ليقتحم المعترك السياسي برسالة شعبوية تقوم على أساس "أميركا أولا"، ولا يزال يصرّ على أنه "دخيل" على السياسة رغم أنه أمضى أربع سنوات في البيت الابيض.

ومن جهة أخرى المرشّح الديمقراطي بايدن مخضرم في السياسة متحدّر من الطبقة الوسطى. وقد أمضى 36 عاما عضواً في مجلس الشيوخ وثماني سنوات نائباً لأوباما، وهو يعد ببلسمة جراح البلاد إذا فاز في "المعركة من أجل روح الولايات المتحدة".

وقد فرض بايدن المعتدل نفسه في الانتخابات التمهيدية لحزبه مع رسالة بسيطة تقوم على إلحاق الهزيمة بدونالد ترامب الذي اعتبره "أسوأ رئيس" في تاريخ الولايات المتحدة. وطوال الحملة الانتخابية، جعل من الاقتراع استفتاء على إدارة الرئيس الجمهوري لوباء كوفيد-19.

وقد طاردت هذه الأزمة الصحية الرئيس الذي سعى دائما إلى التخفيف من أهميتها حتى إصابته بالفيروس ودخوله المستشفى مطلع تشرين الأول/أكتوبر. 

ولايات حاسمة 

وتتجه كل الأنظار مساء الثلاثاء (بتوقيت الولايات المتحدة) الى فلوريدا، إحدى الولايات الحاسمة في الانتخابات. وبدون الفوز بهذه الولاية التي سبق أن كسبها العام 2016، ستكون المهمة شبه مستحيلة أمام دونالد ترامب للبقاء في البيت الابيض.

في المقابل، في حال فاز في فلوريدا حيث المنافسة محتدمة جدا مع بايدن في استطلاعات الرأي، سينصب الاهتمام على بنسلفانيا، مسقط رأس المرشح الديمقراطي. وتظهر استطلاعات الرأي فيها تقدما لنائب الرئيس السابق لكن بفارق قريب من هامش الخطأ.

وثمة ترقب كبير لنتائج المرشحين إلى الكونغرس، إذ إن هامش تحرك الرئيس المقبل رهن بالغالبية في مجلسي النواب والشيوخ. واحتفظ زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل بمقعده عن ولايته كنتاكي في الانتخابات النصفية، بحسب تقديرات أوردتها شبكة "فوكس نيوز" وصحيفة "نيويورك تايمز".

وتمكن هذا السناتور المحافظ البالغ من العمر 78 عاماً والحليف الوثيق لترامب من الاحتفاظ بمقعده الذي يشغله بدون انقطاع منذ 1985 بعد فوزه على المرشحة الديمقراطية آيمي ماكغراث وهي طيارة سابقة في سلاح الجو.

أ ف ب