فاز الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية السبت، وفق ما أعلنت وسائل إعلام محلية بارزة، ملحقا الهزيمة بدونالد ترامب الذي تسدل واشنطن الستار على ولايته العاصفة التي شكّلت صدمة للعالم وأحدثت انقسامات غير مسبوقة منذ عقود في الولايات المتحدة.

وقال بايدن (77 عاما) في أول بيان يصدره كرئيس منتخب "أعدكم بأنني سأكون رئيسا لجميع الأميركيين -- سواء صوتوا لي أم لا".

ومن المقرر أن يدلي بخطاب للأمة الساعة 20,00 (01,00 ت غ الأحد) من بلدته ويلمينغتون في ديلاوير.

من جهته، سارع ترامب للرد على الإعلان عبر اتهام بايدن بإعلان نفسه رئيسا بشكل زائف. وقال "نعرف جميعا سبب مسارعة جو بايدن لإظهار نفسه بشكل زائف على أنه الفائز وسبب بذل حلفائه في الإعلام جهدهم لهذه الدرجة لمساعدته: لا يريدون أن تُكشف الحقيقة".

وأضاف "الحقيقة البسيطة هي أن هذه الانتخابات لا تزال بعيدة عن النهاية".

وبالنسبة لبايدن، الذي حصل على أكثر من 74 مليون صوت، وهو عدد قياسي، يتوّج فوزه الذي يعقب اقتراعا خيم عليه التوتر وجاء في ظل تفشي وباء كوفيد-19، نصف قرن قضاه في دوائر السياسة الأميركية شمل ثماني سنوات كنائب أول رئيس أسود للبلاد باراك أوباما.

في المقابل، بات ترامب، الذي شدد مرارا على أن الانتخابات شهدت عمليات تزوير وطالب بوقف عد الأصوات، أول رئيس يتولى الرئاسة لولاية واحدة منذ جورج بوش الأب في مطلع التسعينيات.

وفي وقت سابق السبت، غادر ترامب البيت الأبيض لأول مرة منذ يوم الانتخابات، عندما أعلن فوزه قبل الأوان، متوجها للعب الغولف بينما قال عبر تويتر "ربحت هذه الانتخابات بفارق كبير!".

وقال في تصريحات من البيت الأبيض الخميس "إنهم يحاولون سرقة الانتخابات".

وعلى الرغم من احتجاجات ترامب، تواصل الإعلان عن نتائج فرز الأصوات في أنحاء البلاد طوال الأسبوع دون ورود أي تقارير موثوقة بشأن حدوث مخالفات.

وأظهرت الأرقام الواردة من ولاية بنسلفانيا الحاسمة السبت تصدّر بايدن، بعد أربعة أيام من انتظار نتيجة الاقتراع ما أتاح لمحللي البيانات المتخصصين على الشبكات التلفزيونية حسم نتيجة الانتخابات لصالح الديمقراطي.

وأفادت وسائل إعلام أميركية في وقت لاحق السبت أن بايدن فاز كذلك في ولاية نيفادا ما يساعده على تعزيز تقدّمه على ترامب. وذكرت كل من "نيويورك تايمز" و"فوكس نيوز" أنه فاز في الولاية التي تضيف إليه ستة من أصوات أعضاء الهيئة الناخبة.

ومع إعلان الشبكات التلفزيونية الأميركية تقدّم بايدن في بنسلفانيا، جمع الديمقراطي 279 من أصوات الهيئة الناخبة بينما حصل ترامب على 214. ويحتاج أي مرشّح في الانتخابات الأميركية للفوز بأصوات 270 من أعضاء الهيئة البالغ مجموعهم 538 والتي تقرر رسميا الرئيس المقبل.

وسطي في زمن الانقسامات

وشهدت الانتخابات مشاركة غير مسبوقة إذ صوّت نحو 160 مليون ناخب وفق التقديرات الأولية، ليعلنوا في نهاية المطاف تفضيلهم لوعود بايدن بولاية هادئة على خلاف تلك العاصفة التي طبعت عهد ترامب.

وتفوّق بايدن الوسطي التقليدي على الجناح اليساري لحزبه بينما اختار كامالا هاريس، أول امرأة من أصحاب البشرة الملونة تترشح للمنصب، كنائبته.

وكتبت هاريس عبر تغريدة السبت "ما هو على المحك في هذه الانتخابات يتخطى بكثير جو بايدن وأنا نفسي. الأمر يتعلق بروح أميركا وتصميمنا على الكفاح من أجلها. ثمة عمل هائل ينتظرنا، دعونا نبدأ".

وينظر كثيرون إلى بايدن، السياسي المخضرم، على أنه شخصية تتعاطف مع الآخرين وذات بعد إنساني إذ إنه خسر زوجته وابنته الرضيعة بحادث سيارة عام 1972 قبل وفاة نجله كذلك بالسرطان بعد أربعة عقود.

لكن على الرغم من تعهّده إعادة "روح" أميركا، سيرث بايدن بلدا تعرّض لهزّات عدة.

وتشهد الولايات المتحدة انقسامات عميقة بعد حملة انتخابية تطرّق ترامب خلالها إلى مسائل تعد الأكثر حساسية في البلاد بما فيها العنصرية والهجرة وحيازة الأسلحة النارية.

وعلى الرغم من تصوير معارضي ترامب الأخير على أنه شخصية منبوذة، إلا أنه فاز في الحقيقة بأصوات نحو 70 مليون شخص.

ويرجّح أن تنعكس الانقسامات في الكونغرس، ما يهدد قدرة بايدن على الحكم في ظل فوضى اقتصادية وأزمة كوفيد-19 تزداد حدتها.

إهانة

بالنسبة لترامب، ستمثّل هزيمته ومغادرته البيت الأبيض مع انتقال السلطة في 20 كانون الثاني/يناير إهانة شخصية.

وشكّل فوزه عام 2016 عندما كان وجها جديدا على الساحة السياسية صدمة للعالم فهزم الديمقراطية المخضرمة هيلاري كلينتون في أول تجربة له لتولي منصب رسمي.

وبعد ذلك وفي الفترة الأكبر من عهده، اتّخذ منحى غير تقليدي في تعامله مع عالم السياسة.

ولعل أسلوبه الاستعراضي في إدارة الحكومة جعله الشخصية الأكثر متابعة وإثارة للجدل في العالم.

ونجا من العزل بعدما صوت مجلس النواب لذلك وحطّم التقاليد الدبلوماسية وتسلطّت أضواء وسائل الإعلام عليه بشكل متواصل فبات جزءا لا يتجزّأ من يوميات الأميركيين بشكل غير مسبوق.

ولطالما قدّم نجم تلفزيون الواقع سابقا وقطب العقارات الشهير نفسه على أنه شخص قادر على تحقيق كل ما يضعه نصب عينيه.

وتباهى مرارا خلال تجمّعاته أمام أنصاره بالقول "سنفوز كثيرا حتى إنكم ستملون وتتعبون من الفوز". وأما للأشخاص الذين لا يستسيغهم، فكانت صفة "خاسر" الإهانة التي فضل استخدامها على الدوام.

وقال مع بدء الاقتراع "الفوز سهل" وأما "الخسارة فلا تكون سهلة إطلاقا. (على الأقل) بالنسبة لي".

مع بايدن أم ضد ترامب؟

ضمن بايدن الفوز عبر استعادته ولايات بنسيلفانيا وميشيغان ووسكنسن، وهي مناطق ديمقراطية تقليديا تمكّن ترامب من انتزاعها في 2016 عبر مخاطبته الناخبين البيض من الطبقة العاملة.

كما يحقق الديموقراطيون الأغلبية بفارق ضئيل مع قرب انتهاء فرز الأصوات في أريزونا بينما كان الفارق ضئيلا في جورجيا لدرجة دفعت الولاية لإعلان أنها ستعيد فرز الأصوات.

لكن انتزاع بنسلفانيا حسم الأمر، ما يعني أنه حتى وإن فاز ترامب بطريقة ما في جميع الولايات الأخرى التي لم تعلن نتائجها نهائيا بعد، فلن يجمع ما يكفي من أصوات الهيئة الناخبة للفوز.

وبنى بايدن حملته عبر الوصول إلى قاعدة ترامب الانتخابية من فئة الطبقة العاملة بينما سوّق نفسه لباقي البلاد على أنه الزعيم المسؤول والراسخ الذي تحتاجه لمواجهة أزمة كوفيد-19.

وبينما رفض موقف ترامب المتقلّب وتقليله من أهمية الفيروس الذي أودى بأكثر من 230 ألف شخص في الولايات المتحدة، تعهّد بايدن باتّباع النصائح العلمية واتّخاذ قرارات حازمة لاحتواء الوباء.

ولعله قامر سياسيا عبر امتناعه عن إجراء التجمعات الانتخابية الضخمة التي لجأ إليها ترامب بشكل واسع، مصرا على أنه يفضّل أن يكون مثالا عبر اتباع إرشادات الحكومة في ما يتعلّق بالتباعد الاجتماعي.

حتى إن فريقه امتنع عن طرق أبواب الناخبين، وهو أسلوب أساسي وضروري عادة لجمع الأنصار استخدمه فريق ترامب بشكل واسع.

وفي أجواء من الانقسامات الكبيرة على أساس حزبي حيث بات يُنظر إلى كل منحى من مناحي الحياة من خلال عدسة ديمقراطية أو جمهورية، تعهّد بايدن بأن يكون "رئيس جميع الأميركيين".

لكن الانتخابات لم تكن تتعلّق ببايدن، الذي يترشح للمرة الثالثة، بقدر ما كانت بمثابة استفتاء على ترامب -- الذي يكرهه أعداؤه بشدة بينما يعشقه أنصاره.

وناشد بعض الجمهوريين ترامب لتوسيع قاعدة أنصاره عبر التوجه بخطاب أكثر اعتدالا إلى الناخبين المستقلين. لكن الرئيس المثير للاستقطاب أكثر من جميع أسلافه اتّخذ منحى معاكسا، فصب طاقته على شحن قاعدته الانتخابية الأساسية.

وفي الأسابيع الأخيرة التي سبقت الانتخابات، خاطب ترامب تجمّعا تلو الآخر متوجها إليهم بكلمات متشددة. وصوّر المهاجرين على أنهم قتلة ومغتصبون وأشار إلى أن بايدن مناهض لله وأن الديمقراطيين سينتزعون من الأميركيين أسلحتهم النارية الشخصية وسيسمحون للعصابات بتدمير المدن.

في الأثناء، هتف أنصاره "نحبك!".

ولدى الإشارة إلى الاستطلاعات التي سبقت الاقتراع وتوقعت هزيمته، بدا ترامب حقا غير قادر على فهم ما يحصل.

وقال "الترشّح أمام أسوأ مرشّح في تاريخ الرئاسة يشكل ضغطا علي. هل يمكنكم تخيل ماذا سيحصل إذا خسرت؟".

أ ف ب