تحاول الشابة مريم وليد خالد التحكم بقاربها الشراعي وسط أمواج عالية تتقاذفها في نهر دجلة في بغداد، أثناء ممارستها لواحدة من الرياضات المائية حديثة العهد في العراق، إلا أنها بدأت تستقطب اهتمام عدد من الشباب. 

وخلال العقد الماضي، شارك محترفون في رياضة التجذيف في الألعاب الأولمبية، لكن رياضة القوارب الشراعية والألواح الشراعية لم تشكّل موضع اهتمام في العراق. 

غير أنها الآن بدأت تحظى بشعبية إلى جانب رياضات أخرى غير أولمبية مثل الدراجات، والزلاجات المائية. 

وبعدما تمكنت من تخطي الأمواج، النادرة في دجلة، نجحت مريم أخيراً في تقويم الشراع بعد جهود كبيرة، مستمعةً إلى نصائح مدربها عن بُعد.   

وقالت الشابة البالغة من العمر 16 عاماً "رياضة الزوارق الشراعية من الرياضات الصعبة التي تتطلب جهدا وصبرا"، فيما كان الهواء يعصف من حولها، لكن أريد أن "أظهر للجميع أننا نحن، النساء العراقيات، نستطيع أن ننجح".  

وأضافت مريم التي كانت بطلة في رياضة السباحة، وابنة أحد اللاعبين السابقين في المنتخب العراقي لكرة القدم "من يعشق الرياضات المائية ويواجه مخاطرها بإصرار، وخصوصا سباقات الزوارق الشراعية، سيتمكن منها، لذا أتطلع لأن أكون حاضرة في دورات أولمبية في المستقبل".

أعضاء من اتحاد الرياضات المائية العراقي ينقلون مركبا شراعيا على ضفاف نهر دجلة في حي الأعظمية بالعاصمة العراقية بغداد . 15 تشرين الأول / أكتوبر 2020.(أ ف ب)

يبدّل ازدهار هذه الرياضات المائية نظرة العراقيين إلى نهري دجلة والفرات اللذين منهما منح العراق اسمه التاريخي "بلاد ما بين النهرين". 

وانخفض منسوب المياه في النهرين حتى النصف مع إنشاء تركيا وإيران المجاورتين سدوداً فيهما. وتراجع المنسوب كثيراً في أحد السنوات في دجلة لدرجة أنه كان ممكناً للسكان السير بين ضفتيه.

من جهة ثانية، يشكّل صعود هذه الرياضات في الأعظمية شرق العاصمة حيث تتدرب مريم، علامة فارقة في تاريخ هذا الحيّ، الذي كان حتى نهاية الحرب الأهلية عام 2008 أحد أكثر المناطق خطورةً في جانبي العاصمة، الكرخ والرصافة. 

ومن شوارع الأعظمية ذي الغالبية السنية التي تغلغل إليها مسلحو القاعدة عام 2003، رميت جثث عشرات الأشخاص في دجلة، وقبل وقت قصير من دخول الأميركيين للعاصمة العراقية، كان آخر ظهور علني لصدام حسين من هذا المكان. 

انتهت أيام الاقتتال الطائفي الدموية، وعادت ضفاف دجلة للعائلات التي تستمع برحلة في الزوارق وللسباحين ومحبي الرياضات المائية. وبالقرب من المركز الرياضي الذي أنشئ لغرض تدريب الراغبين على الرياضات المائية، ينتشر عدد من المطاعم الصغيرة والأكشاك والمقاهي. 

يسرّ هذا المشهد الصحفي الرياضي العراقي غازي الشايع الذي قال "جميل جداً أن يتحول هذا المكان إلى مكان يتجمع فيه البغداديون يوميا للاستمتاع بمشاهدة السباحين، ومتسابقي الألعاب المائية". 

دعم قليل 

وتعبر مراراً زوارق تربط بين الأعظمية وحيّ الكاظمية ذي الغالبية الشيعية على الضفة الأخرى من النهر، حيّان خاضا في يوم من الأيام حرباً دموية. 

وبعد مرور ثلاث سنوات على هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، آخر التنظيمات الإرهابية الذي سيطر على مناطق شاسعة من العراق، تطمح بغداد لأن تعود من جديدة عاصمة للثقافة والترفيه في العالم العربي، كما كانت قبل عقود. 

يخبر أحمد مظلوم، وهو نائب رئيس الاتحاد العراقي للرياضات المائية فرانس برس أن فكرة "تأسيس" هذا الاتحاد نشأت "قبل أكثر من عام"، وهو "يضم الآن 100 رياضي، بينهم 8 فتيات". 

ويتدرب الرياضيون على يد أنمار سلمان، بطل التجذيف العراقي، الذي جنّد سباحين ومجذفين آخرين لإنشاء النادي. 

وتبلغ سرعة الرياح في المنطقة التي تتم فيها التدريبات نحو 15 عقدة (28 كلم بالساعة)، على الأرجح بتأثير من ممر هواء سببه الأبنية المرتفعة على جانبي النهر.   

ويعتمد مسؤولو الاتحاد الرياضي على جهودهم الشخصية في إدارة مهام الألعاب وتأمين مستلزماتها ومعداتها التي تحتاج إلى الكثير من الأموال، وفق مظلوم.

وأشار الرجل الستيني إلى أن "كلفة الزورق الشراعي تصل إلى عشرة آلاف دولار، ولا يمكننا أن نوفر العدد الكافي منها فلجأنا إلى تصنيعها في ورشة هندسية يعمل فيها مهندسون هم أساساً من ممارسي هذه الإلعاب".

وأضاف أن "كلفة الزورق الذي نصنعه هنا داخل الورشة لا تتجاوز 600 دولار"، متابعاً "لدينا الآن عشرة زوارق منها خمسة مصنعة محليا في ورشة المركز التدريبي".  

رغم هذا الإقبال الجديد، تعاني الألعاب المائية التي تعد حديثة العهد في العراق، من غياب اهتمام المؤسسات الرياضية سواء الحكومية المتمثلة بوزارة الشباب والرياضة وكذلك اللجنة الأولمبية.

ويوضح مظلوم "لم نتلقَ أي دعم مؤثر، اللجنة الأولمبية قدمت دعماً محدوداً، ووزارة الشباب قامت بنصب عدد قليل من الكرفانات تستخدم لتخزين المعدات".

يؤكد من جهته المدرب أنمار سلمان "أتيحت أمامنا فرص قليلة جداً لمشاركات خارجية استثمرناها في تأمين بعض المعدات التي نحضرها معنا".

مع ذلك، يواصل الاتحاد تعزيز ثقافة الملاحة في العراق الذي عبرت القوارب المعروفة باسم "القفة" نهريه على مرّ آلاف السنين.  

وينتظر متسابقو القوارب الشراعية المشاركة في التصفيات المؤهلة لأولمبياد طوكيو صيف عام 2021 التي تستضيفها مدينة أبو ظبي في الإمارات مطلع العام المقبل. 

أعضاء من اتحاد الرياضات المائية العراقي على ضفاف نهر دجلة في حي الأعظمية بالعاصمة العراقية بغداد. 15 تشرين الأول / أكتوبر 2020. (أ ف ب)

 

أ ف ب